لأهمية الإنفاق جاءت الآية بشكل آخر قال في آية سابقة:{وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ}(البقرة: من الآية195). لأهمية الإنفاق هنا قدمه بعبارة لا تقل أهمية عن العبارة الأولى، وعبارة توحي أيضاً بخطورة في التهاون بهذا الموضوع: الإنفاق في سبيل الله ، هنا قال:{مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافاً كَثِيرَةً وَاللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ}(البقرة:245). بعدما ذكر القتال قدم المسألة وكأنه هو يستقرض ! هذه توحي بأهمية الموضوع ذلك بشكل رهيب جداً، عندما يأتي الله سبحانه وتعالى بهذه العبارة التي قد يقولها أي واحد منا عندما يحتاج إلى قرضة من الآخرين [من الذي عنده لي ألف ريال قرضة] أليس الواحد منا يقول هكذا ؟.
لأن القتال في سبيل الله يحتاج إلى تمويل، يحتاج إلى إنفاق وأن الله سيعتبر ما يقدمه الإنسان وكأنه قرض له، فيضاعفه له أضعافاً كثيرة، يرد عليك بأكثر مما أعطيت بأضعاف كثيرة إضافة إلى الأجر المرصود لك في الآخرة. هذه الآية نفسها توحي بأنه بعد أن يستقرض الله عباده ليمولوا موضوعاً هو خير لهم فيحصل إهمال، ويحصل إمساك للأيدي أن بعدها غضبة، يأتي بعدها غضبة شديدة من الله، لأن هذه العبارة تعتبر ـ لكن لا يمكن أحياناً نعبر فيما يتعلق بالله ببعض العبارات ـ معناه: عندما آتي أنا أمارس هذا الموضوع أنني حطيت نفسيتي أمامك أقول عندك [من الذي سيقرضني ألف ريال؟] أليس هذا مثل قولك عندما تدخل مجلساً وتقول: [يا جماعة من الذي عنده لي ألف ريال أحاسب فلان] صاحب سيارة مثلاً، أو أي شيء، أليست حالة وما كأن في المجلس شخص معين أنت معتمد عليه أن يقدم لك هو، أو تأخذ من جيبه ؟ كيف ستكون أنت عندما تخرج من مجلس وقد قلت هذه العبارة التي تعتبر ـ نوعاً ما ـ فيها حط لنفسيتك. أليس فيها حط لنفسيتك؟ ستقول: [في هذا المجلس فيه كم ناس ولا واحد منهم أقرضني] ألست تعتبرهم أناساً سيئين، ستعتبرهم أناساً لا يعتمد عليهم .
الله عندما يأتي بالعبارة هذه قد توحي بغضب شديد بعدها إذا ما هناك إنطلاقة من الناس أن ينفقوا في سبيله، قد استقرضهم وهو غني لكن يبين من خلال هذه أهمية الموضوع ، وأنه عندما لم تعد تثق به في قرضة! معناها في الأخير أي: لم نعد نثق بالله في قرضة، لم نعد نتعامل معه كما نتعامل مع أي واحد منا عندما يأتي شخص يستقرض منك ألست قد تعطيه قرضة؟ الله يقول اعتبرها عندي قرضة، أليس هكذا يقول؟ ولن يرد لك نفس المبلغ سيرد لك بأضعاف مضاعفة. إذاً ماذا وراء هذه؟ وراءها كما نقول نحن في تعبيرنا: [قلبت وجه خطيرة]. حقيقة، وراءها غضب شديد لأن معناه: أنه لم يعد أحد يثق بالباري، ولا أنه يقرضه مائة ريال ما معنى هذا؟ بأنه كفر بالله، وما لله في أنفسنا أي شعور بإجلال، أو عظمة ، أو حب، أو إكبار له.
وهو سبحانه وتعالى عندما يستقرض هو الذي يقبض ويبسط عندما تقبض يدك يمكن يقبض عليك فعلاً أشياء كثيرة، وعندما تبسط سيرد لك أضعافاً مضاعفة، هو الذي يبسط الرزق لمن يشاء من عباده ويقدر، وإليه ترجعون في الأخير، فإن قبضت سيقبض عليك أشياء هامة جداً، أليست خسارة كبيرة أن يقبض عليك الجنة ؟ فلا يدخلك الجنة، وتسير إلى النار، تساق إلى النار{وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} فيثيبك عندما تنفق في سبيله .
هنا يلاحظ الإنسان أهمية الجهاد في سبيل الله، والإنفاق في سبيله بأنها قضيتان مرتبطتان، بل قدمها في آيات أخرى سماها جهاداً كلها{وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ}(التوبة: من الآية20). ألم يجعلها عملية واحدة جهاداً بالمال وبالنفس، جعل الإنفاق في سبيله عبارة عن جهاد، وجعل مقومات الجهاد هي هذه. جهاد بالنفس وبالمال.
السيد / حسين بدر الدين الحوثي - رضوان الله عليه .
الدرس العاشرمن دروس رمضان -ص 15 .