درس يوم الخميس
تابع...معرفة الله وعده ووعيده...الدرس الثاني عشر
ألقاها السيد حسين بدر الدين الحوثي رضوان الله عليه
- نقاط هامة للمراجعة وربطها بالواقع
- القرآن يصنع اليقين، أحداث الحياة والنظرة إليها من خلال القرآن تصنع اليقين..
- مع أن القرآن الكريم يصنع اليقين فلماذا الكثير من الناس لا يصلون إلى درجة اليقين في إيمانهم؟
- القرآن قد تولى هو الحديث عن الخطر ثم إرشادك إلى كيف تقي نفسك منه، ثم يعطيك جائزة عظيمة وأنت تتحرك في درء ذلك الخطر عن نفسك في الدنيا هنا وفي الآخرة..
- الهدى هو في متناولك على أعلى درجاته بالشكل الذي يتناسب مع تكريمك، ولكنك من أهنت نفسك، من أصبحت في واقعك كما قال الله عنك: {إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ}.
مع الدرس نسأل الله الهداية
القرآن يصنع اليقين، أحداث الحياة والنظرة إليها من خلال القرآن تصنع اليقين اليقين. الإمام علي عليه السلام الذي حصل على اليقين من خلال الرسول (صلي الله عليه وعلى آله وسلم) ومن خلال القرآن الكريم، كان يقول: ((والله لو كشف لي الغطاء ما ازدت يقينا)).
وعندما يقول أعمالاً صالحة وعندما يقولون: {إِنَّا مُوقِنُونَ} هل يعني ذلك أن الله قصر هنا في الدنيا فلم يبين الأعمال الصالحة ما هي، أو قصر في هدايته للناس هنا في الدنيا فلم يكن بين أيديهم ما يوصلهم إلى درجة اليقين، وإنما في القيامة هناك أبان لهم الأعمال الصالحة، وهناك أوصلهم إلى درجة اليقين؟ لا. لو كان الأمر هكذا لما جاز على الله سبحانه وتعالى أن يقصر هنا في الدنيا في هديه للناس، وفي تبيين طرق الأعمال الصالحة تقصيراً لا يمكن أن يفهموه، ثم يأتي يوم القيامة فيقولون: (كان باقي وباقي، ونحن لم نعلم بها، ولم يكن في هديك ما يرشدنا إليها) أليست هذه حجة للناس على الله؟ سنقول بالتأكيد لكن نحن لم نُرشد إليها، ونحن لم نعلمها في الدنيا إطلاقا.
لماذا تأتي هنا في يوم القيامة وتوضح لنا الأشياء بشكل واضح وجلي جداً، وفي الدنيا كان هناك تقصير من جانبك في كتبك ومن جانب رسلك؟ لا يجوز على الله سبحانه وتعالى. الله هنا في الدنيا بين، وكلمنا في القرآن الكريم عدة مرات أنه بيان، كتاب مبين مبين. ألسنا نسمع هذه الفقرة تتكرر كثيرا في القرآن الكريم؟ ومن أين تحصل على درجة اليقين في الأشياء؟ أليس من التبيين؟ لكن أنت الذي علمت نفسك ألا توقن إلا عندما تضرب في رأسك عندما تحس بالضربة توقن، وهكذا نحن في الدنيا وهؤلاء أسلافنا كعرب الذين حكى الله عنهم أنهم قد يقولون هكذا، هم من لم يوقنوا ولم يسمحوا لأنفسهم أن يتغلغل إلى أعماقها اليقين من خلال التبيين الواضح، لم يوقنوا إلا عندما ضربوا في رؤوسهم، فأصبحت رؤوسهم منكسة {رَبَّنَا أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا} اليقين هنا متوفر في الدنيا في أعلى درجاته.
والإمام علي عليه السلام هو الشاهد في كل شيء لرسول الله (صلي الله عليه وعلى آله وسلم) وللقرآن ((والله لو كشف لي الغطاء - أي القيامة ورأيت جنة وناراً ورأيت كل شيء - ما ازددت يقيناً)) اليقين توفر لدي من خلال القرآن الكريم والرسول (صلي الله عليه وعلى آله وسلم)
هو الشاهد لرسول الله {أَفَمَنْ كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِنْهُ} (هود: من الآية17) الرسول كان على بينة من ربه وهو يتحرك، ويبلّغ، ويربي ويعلم، {ويتلوه} ويتبعه {شاهد منه} الإمام علي عليه السلام كان الشاهد الوحيد، الشاهد الكامل في كل مناحي التبليغ للرسول (صلي الله عليه وعلى آله وسلم) أنه لم يحصل من جانبه تقصير، والرسول كان يتحرك بحركة القرآن،
والقرآن هو متوفر بين أيدينا، لكنا نحن من لا نسمح لأنفسنا أن توقن، وهكذا نحن في الدنيا، وسيكون من هذه نفسيته في الدنيا سيكون هكذا في الآخرة {إِنَّا مُوقِنُونَ} في الآخرة تجلى كل شيء. لكنه هنا في الدنيا تجلى كل شيء:
الحديث عن الجنة والنار بالشكل التفصيلي، الحديث عن النار، عن عذابها وشدته، عن طعامها، عن شرابها، عن لباس أهلها، عن صراخهم فيها، ألم يتحدث عنه القرآن في أجلى صوره، وبطريقة فنية عجيبة تكاد أن ترى ذلك المشهد من خلال حديثه عنه، فتوقن؟ الجنة كذلك، أهوال القيامة، أهوال ذلك اليوم كذلك جاءت بالتفصيل داخل هذا القرآن، لكن أنت من لا تصغي لهذا القرآن ابتداء من أن تفهم أنه من عند الله؛ ولهذا تكرر كثيرا في القرآن {تَنْزِيلُ الْكِتَابِ لا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ} (السجدة:2)، من الله، ألم يتكرر هكذا في أكثر السور؟
أنظر إلى القرآن الكريم أنه من الله، وتعرف على الله وسترى كلمات هذا القرآن مهمة وتراها كاملة، وترى فيها البيان، وترى فيها التوضيح الذي يوصل إلى درجة اليقين في كل شيء. ولكن لا أتعامل معه على أنه خطاب من الله هذا ما يحصل لدى الكثير منا.
تأتي ورقة خطاب من الرئيس أمراً إلى أهل منطقة فيتعاملون مع تلك الورقة بكل جد واهتمام ويجتمعون ويتشاورون كيف يعملون من أجل تنفيذها، أو من أجل درء الخطر والتهديد الذي فيها عن أنفسهم، أليس هذا هو ما يحصل؟
لكنا هنا بالنسبة للقرآن الكريم لا يحرك فينا شعرة ولا نتجمع لنعرف كيف ننفذ ما فيه حتى ندرأ عن أنفسنا الخطورة التي تحدث عنها. وهو يختلف عن أوامر الآخرين.
قد يأتيك أمر من الرئيس فيه تهديد مبهم وأنت الذي ستفكر وتبحث عن كيف تدفع عن نفسك ذلك الخطر، أما القرآن فقد تولى - لأنه من الله الرحمن الرحيم - الحديث عن الخطر ثم إرشادك إلى كيف تقي نفسك منه، ثم يعطيك جائزة عظيمة وأنت تتحرك في درء ذلك الخطر عن نفسك في الدنيا هنا وفي الآخرة. أليس هذا هو أكمل من أي بيانات أخرى أو من أي أوامر أخرى تأتينا من عند الآخرين؟
تلك البيانات وتلك الأوامر التي تهز مشاعرنا وتجعلنا نجتمع ونتشاور كيف نصنع وكيف نعمل في تنفيذها، أو في درء خطورتها والتهديد الذي فيها عن أنفسنا، لو يقول لك شخص: (اترك هذه الورقة) ستقول: (هذا أمر من الرئيس وليس كلاما فاضيا) أليس أي شخص سيقول هكذا؟ هل نحن نقول هذه العبارة مع القرآن الكريم هذا {تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ} (الواقعة:80) هل نحن نقول هذه؟ بل ندرسه (دَرْوَسَه) لا نستشعر من أين نزل ولا ماذا يريد. تلاوة لا تقدم ولا تؤخر.
ثم يقول الله سبحانه وتعالى: {وَلَوْ شِئْنَا لَآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا} (السجدة: من الآية13) ماذا كان ينتظر أولئك الناس؟ ما هو الهدى الذي كانوا ينتظرونه؟ أن يساقوا سوقا رغما عنهم وقسراً إلى كل قضية فيها أجر كبير لهم، إلى كل عمل فيه مصلحة لهم، إلى كل عمل فيه درء للعذاب عن أنفسهم، أن يساقوا سوقا بالعصا، يمسك الإنسان بمقدمة رأسه فيساق غصبا عنه إلى الصلاة، ثم يساق غصبا عنه إلى ميادين الجهاد، ثم ترفع يده غصبا عنه ويُضرب بها غصبا عنه. هل كنت تنتظر حركة من هذا النوع؟ هذا ما لا يمكن، هذا ما لا يمكن.
لقد جاء الهدى على أعلى مستوياته، وجاء الهدى في أبين آياته وأحكمها وأكثرها تفصيلا ووضوحا، أي هدى كنت تنتظره؟ كان بالإمكان أن نهديك هذا النوع من الهدى، كما يفسرون هذه الآية: {وَلَوْ شِئْنَا لَآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا} يقولون: على طريقة القسر والإلجاء، أن يمسكك بإذنك إلى المسجد ويضعك بين الماء تتوضأ غصبا عنك، ويرفعك غصبا عنك وتصلي غصبا عنك، وأربعة أو خمسة ملائكة بأيديهم سياط يضربونك وهم وراءك أينما ذهبت.
لكن هذا ليس هدى، أنت حينئذ لست إنسانا. إنك إنسان لك درجتك ولك كرامتك. ماذا سيكون الإنسان حينئذ إذا كان على هذا النحو؟ ماذا يقال له؟ قد يقال له: حمار، هل كنت تريد في الدنيا هذه: أن تساق كما يساق الحمار؟ إن الله قال: {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ} (الإسراء: من الآية70) حملك في البر على هذه الدواب، وهداك هداية توفر لك الكرامة وفيها كرامتك، وتحركك فيها وأنت تطبق أي شيء منها هو كرامة لك وعز لك، في حياتك وأنت تتناول طعامك وشرابك بشكل تكون فيه مكرماً، أنت واقف منتصب القامة تصل بطعامك عن طريق يدك إلى فمك، لكن تلك الحيوانات الأخرى التي سخرت لك هي من تتناول طعامها بفمها.
أفكنت تنتظر أن تساق في هذه الدنيا كما تساق تلك الحيوانات التي كرمناك بأن جعلناك تُحمل عليها {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ}؟ لو كنا نريد أن نساق كتلك الحيوانات التي نسوقها في البر. هل كنت تنتظر من الله أن يسوقك كما تسوق الحمار الذي تركبه، وهو يقول لك: إنما سخر ذلك الحمار لك، تكريما لك، وأنه من مصاديق تكريمه لك أن سخر لك تلك الحيوانات؟
إذاً فالهدى هو في متناولك على أعلى درجاته بالشكل الذي يتناسب مع تكريمك، ولكنك من أهنت نفسك، من أصبحت في واقعك كما قال الله عنك: {إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ} (الفرقان: من الآية44) أنت تريد أن تتهرب من التكريم حتى في وسيلة الهداية لك، وأنت من ترفض أن تتناول طعامك وشرابك على غير طريقة التكريم، أما الهدى من الله وهو أكرم من طعامك وشرابك فتريد أن يقدم لك على غير شكل التكريم، أليس هذا الذي نريد؟
الله جعلنا نتناول طعامنا وشرابنا بطريق مشرفة وكريمة، لكننا نريد أن يعطينا الأهم من الطعام والشراب بشكل مهين، أن يجعل أربعة من ملائكته مع كل شخص منا، وبأيديهم السياط والحبال فيسوقون كل واحد منا كما يساق الحمار. كيف سيقول لك الملك وهو يسوقك بالسوط؟ تفضل أو كما تقول للحمار، أنت تقول للحمار: تفضل اخرج، أو تفضل ادخل، أو تقول بعبارات أخرى لا تعني أكثر من عبارات الدفع والسوق؟
يجب أن نفهم تكريم الله لنا، وأن تكريمه لنا في هدايته، وأن من الحكمة أن تقدم هدايته لنا بالشكل الذي يتناسب مع تكريمنا. أما أن يكرمنا فيما يتعلق بتناول الطعام والشراب ثم لا تكون الهداية بالشكل الذي فيها تكريم لنا وعن طريقة أنفسنا، نحن نعقل، نفهم، نوقن، نثق، نصدق. ننطلق نتلمس آثار الكرامة في كل جانب من جوانب هدايته لنا. أليس هذا بوسعنا؟ وسترى كيف سيصل الناس وتصل أنت إلى العزة، أليست العزة للمؤمنين؟ إذاً فكنت ممن يقترح على الله أن يكون أولياؤه كالحمير،
إذا كنت تنتظر هداية من ذلك النوع (القسر والإلجاء) هو يقول: {وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ} (المنافقون: من الآية8) العزة للمؤمنين، هل ستكون العزة لأولياء الله أن يساقوا كما يساق الحمير عن طريق ملكين أو ثلاثة بعد كل شخص منهم؟ ليست هذه عزة.
أو لم يحرم الإسلام التعذيب للإنسان حتى وإن كان كافراً؟ التعذيب في السجون محرم وفي القوانين الدولية أيضا، من ضمن بنود حقوق الإنسان القائمة التي فيها تنظيم لحقوق الإنسان ورعاية حقوقه كقانون دولي، تحريم تعذيبه في السجون؛ لأنه يتنافى مع كرامته، يتنافى مع كرامته. {وَلَوْ شِئْنَا لَآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا} هل تريد أن ترى هدى من هذا النوع الذي كنت تقترحه على الله سبحانه وتعالى، وهو الشيء الذي لا يمكن أن يعمله. انظر إلى السجون إلى التعذيب هناك هدى بوسائل التعذيب،
أليس السجان يحاول فيك أن يهديك لأن تطيع السلطة، بتلك الطريقة: بتعذيبك بالقيود وبالكهرباء وبوسائل أخرى؟ هل ذلك تكريم للسجين، أو أنه إهانة ممن يفعله؟ هو إهانة. الله لا يمكن أن تكون هدايته للآخرين على هذا النحو؛ لأنه الكريم وهو العزيز هو من يريد أن يكون أولياؤه كرماء وأعزاء.
[الله أكبر/ الموت لأمريكا / الموت لإسرائيل/ اللعنة على اليهود / النصر للإسلام]
دروس من هدي القرآن الكريم
(معرفة الله وعده ووعيده - الدرس الثاني عشر)
ألقاها السيد/ حسين بدر الدين الحوثي / رضوان الله عليه.
بتاريخ:22من ذي القعدة1422 هـ
الموافق: 4/2/2002م
اليمن – صعدة.