من المعيب الذي لا يليق حتى بإنسانية الإنسان، فما بالك عندما يكون منتمياً للإسلام الدين الإلهي الحق، الدين العظيم الذي مبادئه عظيمة، مبادئه أولها: التحرر من العبودية للطاغوت، ألَّا نقبل بأن نكون عبيداً إلَّا لله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى"، لله الواحد القهار، فمن يرضى بالعبودية للعدو الإسرائيلي، لشرِّ خلق الله، لأولئك المجرمين، إخوان القردة والخنازير، من يقبل بأن يكون عبداً لهم، تصادر حُرِّيَّته، كرامته، تصادر إنسانيته في خدمتهم، وفي الإذعان لهم، وفي الاستسلام لهم، فقد فَقَد كل شيء، فَقَد إنسانيته، يوم شاهد الشعب الفلسطيني، وهو في تلك المأساة التي لا مثيل لها، شاهد الأطفال يقتَّلون، يمزَّقون إلى أشلاء، وشاهد الآلاف منهم يصرخون ويبكون، وهم مضرَّجون بالدماء، شاهد الكثير منهم وقد صاروا أيتاماً، بلا معيل، ولا سند، ولا قريب، شاهد الشعب الفلسطيني وهو في تلك المظلومية الرهيبة جداً، وتفرَّج على ذلك، أيُّ إنسانية بقيت؟! أيُّ دينٍ بقي؟! أيُّ إسلامٍ بقي؟! أيُّ إيمانٍ بقي لمن لا يكترث، لا يتأثر، لا يستشعر مسؤوليته تجاه ذلك؟!
المشروع العدائي الصهيوني المشترك بين إسرائيل وأمريكا، والمتصهينين في الغرب، هو مشروع يستهدف أمتنا، وهم كما قلت: الأمريكي والإسرائيلي وجهان لعملةٍ واحدة، {بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ}[المائدة:51]؛ أمَّا من يلتحق بهم من العرب، فليس محسوباً عندهم هم في مستواهم؛ إنما هو مستغل، مستعبد، أداة من أدواتهم، لكنه بتوليه لهم، وتأييده لهم، ولو إعلامياً، حتى على المستوى الإعلامي، التأييد للصهاينة ولاءٌ لهم، والله يقول: {وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ}[المائدة:51]، يصبح معهم شريكاً لهم في جرائمهم الفظيعة، والتي لا مثيل لها، وما أسوأ حال إنسان يلقى الله يوم القيامة وهو شريكٌ في تلك الجرائم الصهيونية الرهيبة.
المسؤولية كبيرة علينا جميعاً على المستوى الديني، الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى" يقول في القرآن الكريم: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ}[آل عمران:102]، يعني: أعلى مستوى من التقوى، في سياق ماذا؟ في سياق مواجهة فريق الكفر، والشر، والإجرام، والظلم، والإفساد في الأرض من أهل الكتاب، وهم في هذا العصر: الصهاينة من اليهود، وحلفائهم من النصارى، هم الذين يجسِّدون الامتداد لذلك النهج، لذلك الفريق الذي تحدَّث عنه القرآن الكريم، وذلك واضحٌ لا شك فيه أبداً.
هم الذين يحاولون أن يورِّطوا أمتنا؛ لتخسر دينها، وكرامتها، وعزتها، ودنياها، وتخسر كل شيءٍ من أجلهم؛ ولــذلك عندما قال الله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ}[آل عمران:102]: أعلى درجات التقوى، {وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ}[آل عمران:102]؛ لأن الإخلال بهذه المسؤولية، والتنصل عن الموقف اللازم، بما فيه من التزام إيماني، وإنساني، وأخلاقي، وديني، هو إخلال، إخلال بالأخلاق، إخلال بالدين، بالقيم، بالمبادئ الإسلامية؛ ولــذلك يتنافى مع مبادئ الإسلام، وقيم الإسلام، ليس مجرد وجهة نظر سياسية مجرَّدة، ليس لها جذور أخلاقية، أو ارتباط أخلاقي، لا؛ إنما يوصَّف الإخلال بذلك: أنه إخلال بمبادئ إسلامية، وقيم إسلامية، وقيم إنسانية فطرية، والمسألة مهمة جداً.
ولــذلك فالموقف الصحيح، الذي يجدي ويفيد في الدنيا والآخرة، والذي هو مسارٌ ناجح، وله أفقه الواضح، في إطار وعد الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى" بزوال ذلك الكيان الإجرامي، الصهيوني، المتوحش، المؤقت، هذا الخيار، هذا الموقف، هذا الاتجاه في المواجهة للعدو الإسرائيلي، والتصدي والمحاربة للمشروع الصهيوني، هو المسار الناجح، المفلح، الظافر، الذي يحظى بالتأييد الإلهي، والأقل كلفة، والأقل كلفة، مهما كانت التضحيات فيه، مهما كانت المعاناة فيه، مهما كانت المتاعب فيه، هي لا شيء، بجانب ما لو خسرت الأمة كل شيء: حُرِّيَّتها، دينها، كرامتها، مستقبلها في الآخرة، حتى المستقبل في الآخرة، يجب أن يحضر في الحسابات، وفوق كل شيء، وفوق كل شيء؛ لأنه المستقبل الأبدي، ونحن أمةٌ مسلمة، تؤمن بالله واليوم الآخر، تؤمن بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، ونؤمن بالحساب والمصير إلى الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى".
عندما نتأمل على مستوى الواقع، هو أيضاً الموقف الضروري، الذي لابدَّ منه، الخيار الضروري والصحيح؛ لأننا بين خيارين فقط:
- هذه الأمة إمَّا أن تكون أمةً مستسلمة، خانعة، مستباحة، وتدفع الثمن الهائل في ظل ذلك.
- وإمَّا أن تتحرك وفق الموقف الصحيح، ووفق تعليمات الله تعالى، وتحظى بتأييد الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى"، وتحافظ على حُرِّيَّتها وكرامتها، بل وأن يكون اتِّجاهها الصحيح عاملاً في بنائها؛ لأن جزءاً من الكلفة التي تدفعها الأمة، هو نتيجة لما كانت قد وصلت إليه الأمة، في إطار تقصيرها وتفريطها، وإهمالها لمسؤولياتها الكبرى.
المسؤولية الكبرى التي حمَّل الله هذه الأمة إياها، كأمة تنتمي لرسالة الله، ولدين الله الحق (الدين الإسلامي)، وتتحرك في إطار المشروع الإلهي، كأمةٍ ورثت إرث كل أنبياء الله، وإرث كلِّ رسل الله، الرسالة الإلهية، الدين الإلهي بمبادئه، بقيمه العظيمة، بمشروعه العادل، بحضارته الراقية، التي تعتمد على المبادئ والأخلاق والقيم، الأمة فرَّطت على مدى زمنٍ طويل في ذلك؛ فوصلت إلى ما وصلت إليه، وأصبحت فيما هي فيه من الضعف، والشتات، والفرقة؛ ولــذلك سنعاني كأحرار ومجاهدين نتحرك في ظل الوضع الذي كانت قد وصلت الأمة إليه، لكن هذا التحرك يبنينا، يقوِّينا، يجعلنا في إطار رعاية من الله، ومعونة من الله، وتأييد من الله، وفي إطارٍ بنَّاء، نبني فيه قدراتنا، نبني فيه كل عناصر القوة، التي نسعى لامتلاكها، نسعى فيه لأن نكون بمستوى التحديات، فيتحول التحدي إلى فرصة، وتتحول المخاطر نفسها إلى حوافز ودوافع للبناء والنهضة، وهذا شيءٌ مهمٌ جداً.
عندما نتأمل في واقعنا، أمتنا على مدى عقود من الزمن تستغيث بالأمم المتحدة، ماذا فعلت لها الأمم المتحدة؟! حتى لو أصدرت قرارات؛ لا تنفَّذ، ولا يكون لها حتى قيمة الحبر الذي كُتِبت به، ماذا أفادها مجلس الأمن؟! وهو مجلس أمن المستكبرين، وليس مجلس أمن المستضعفين والمظلومين، لا حرمة لهم، ولا التفات إليهم، ولا اهتمام بهم، ولا إنقاذ لهم، هو لا يفعل لهم أي شيء، ماذا فعلت محاكم العدل، الجنايات... غيرها، مؤسسات على أساس أنها مؤسسات معنية بإقامة حقٍّ، أو عدلٍ، أو إنصاف مظلوم؟! لم تفعل أي شيءٍ لأمتنا، ها هي القضية الفلسطينية، والمظلومية الفلسطينية، لما يقارب مائة وخمسة أعوام، جزءٌ منها في إطار الظلم والاحتلال البريطاني، والجزء الأكثر وريثه الصهيوني.
[الله أكبر/ الموت لأمريكا / الموت لإسرائيل/ اللعنة على اليهود / النصر للإسلام]
كلمة السيد القائد/ عبد الملك بدر الدين الحوثي
حـــول آخـــر التطـــورات والمستجـــدات الأسبوعيـــة
الخميس 28 ربيع الثاني 1446هـ 31 أكتوبر 2024م