د. فؤاد عبدالوهَّـاب الشامي
تعملُ الدولُ الكبرى على تكريس ثقافة الانهزام في أوساط المجتمعات التي تستهدفها حتى تتمكّنَ من السيطرة على الدول التي ترغب بالسيطرة عليها دون مقاومة، وذلك من خلال استخدام وسائل عديدة، من أهمها اختراق التعليم والثقافة الدينية والوطنية للمجتمعات المستهدفة والتي تعتبر من أكبر المحفزات لمواجهة أي خطر قد تتعرض له أية أُمَّـة.
فكما نعرف جميعاً أنه خلال النصف الأول من القرن الماضي تمكّنت شعوب عديدة من تحرير بلدانها ونيل استقلالها وطرد المحتلّين من أراضيها، وذلك بإمْكَانيات محدودة، أي أن الشعوب وقفت في وجه محتلّيها بالإمْكَانيات المتاحة ولم تكن تنتظر توفير السلاح أَو اجتماع الناس حول الهدف المرجو، وحتى أن بعضَ الشعوب الأفريقية كانت تواجهُ محتلّيها بأسلحة بدائية وبعدد محدود من المقاتلين، ولكن في النهاية تمكّنت تلك الشعوب من تحرير بلدانها مع فارق الإمْكَانيات بينها وبين عدوها، وكان سلاحهم الرئيسي هو الرغبة في العيش بحرية وتعتبر هذه الرغبة غريزة إنسانية وضعها الله سبحانه وتعالى في نفس كُـلّ إنسان.
وبعد أن خرج المحتلّون وعلى رأسهم أمريكا ودول أُورُوبا من الدول التي كانت تحتلها لجأوا إلى تغيير سياساتهم وعملوا على السيطرة على الشعوب التي يستهدفونها من الداخل عن طريق إيجاد نخب حاكمة تدين بالولاء لتلك الدول، ومن خلال نشرِ ثقافة الهزيمة عن طريق اختراق التعليم وثقافة الشعوب المستهدفة ليتم تنشئة المجتمع على التفكير بالقدرات المادية وتناسي قدرات الشعوب الذاتية وعمل المقارنات بين قدرتها وقدرات أعدائها الذين يملكون قدرات مادية هائلة في العدة والعتاد ودائماً ما تكون المقارنة في صالح الأعداء، وبذلك تقتنع الشعوب بعدم قدرتها على الوقوف في وجه التدخلات الأجنبية في بلدانها وتعلن استسلامها للأعداء قبل بدء المعركة نتيجة الثقافة والتعليم الذي يتلقاه الفرد في المدرسة والجامعة وفي وسائل الإعلام المختلفة، وبهذه النتيجة شعرت الدول المعادية بالأمان في ظل هذا الوضع.
ومما يؤكّـد القدرةَ على إفشال تلك السياسات ما قام به الشعبُ اليمني عندما رفض القياساتِ الماديةَ واستعان بالثقافة القرآنية في مواجهته لتحالف العدوان وعلى رأسهم أمريكا وأدواتها في المنطقة، وأعد ما استطاع إليه من قوة وحقّق انتصارات كبرى لم يتمكّن الأعداء من استيعابها والقادم أعظم.
.. خيارُ شعوب الأرض
نشر في أغسطس 20, 2022
موقع أنصار الله ||مقالات ||عبد القوي السباعي
يقولُ الرسولُ الأعظمُ -صلى الله عليه وآله وسلم-: (أتاكم أهلُ اليمن مثل السحاب خيارُ من في الأرض)، هكذا كان الشعبُ اليمني، وما يزال، وهكذا سيظل أكرمَ شعوب الأرض وخيارَها وأكثرَها عزةً ومروءةً ونخوة وشهامة، وأعرقها مقاماً، وأشجعها اجتراحاً للمآثر والبطولات.
فاليمنُ الميمونُ هو التجسيدُ الحقيقي للأصالة والحضارة والتاريخ، هو القوة والبأس الشديد، هو موطن الإيمان والحكمة، هو أرضُ الكرامة، وبلد المحبة والسعادة، هواؤه حرية.. ونسيمُه عزة.. وترابُه كرامة.. وكلّ ذرةٍ في ثراه الطاهر ينبعث منها عبير الشموخ والأنفة والإباء.
ولو عددنا فضائلَ اليمن وشعبِها على مر الزمن، سواءً في الكتب السماوية، أَو كُتُبِ التاريخ وكتابات العلماء والفلاسفة وتوصيفات المتحدِّثين أَو في أقوال الحبيب المصطفى -صلى الله عليه وآله وسلم-، لا يمكن لنا أن نحصيَ لها عدداً، ليس لأنها (بلدة طيبة) فحسب، بل ولاعتبارات كثيرة، كما جاء في قوله (ص): (إذا هاجت الفتنُ فعليكم باليمن فإنها أرضٌ مباركة)، ليأتيَ مصداقاً لكل ذلك، واقعُ كيف أن الشعبَ اليمني الذي عاش ويعيش على مدى ثماني سنوات من تحالف عدواني وتكالب أعرابي دولي عليه؟، قد أثبت خلالها على أنه شعبٌ جديرٌ بأصالته وخيريته، وهو يقارع البغي والعدوان والحصار والطغيان بثباتٍ راسخ رسوخ جباله، وصبر لم يفتر أَو يتزعزع، وعزم لم يَلِنْ، وإرادَة لم تقهر، وأثبتت الأرض أَيْـضاً على أنها مباركة.
وهكذا.. أرضٌ أثبتت طيبتَها وبركتَها، وشعبٌ أثبت بحق أنه خيارُ شعوب الأرض، إذ واجه العدوانَ الكوني بكل شراسته ووحشية ترسانته الحربية، وتحمّل علاوةً على ذلك، الحصارَ الظالمَ وآثارَه وتداعياته وانقطاعَ المرتبات ونتائجَها وترادف الأزمات المتوالية عليه، دون أن يركع أَو يستسلم للمعتدي الغاشم والغازي الأرعن، بل ضحّى ويضحّي كُـلّ يوم بالغالي والنفيس، فينزفُ من دمائه ودماءِ فلذات أكباده بغزارةٍ لا منّاً ولا فضلاً، فسقى الأرضَ عزةً وكرامة حتى ارتوت.
وها هي اليمن، اليوم كما كانت بالأمس وستظل قبلةَ الأخيار، بلادَ الأحرار وموطنَ الأبرار وخيرة الخيرة من بني البشر في هذا الزمان، وكلّ الأزمان، تمضي ويمضي فيها شعبٌ عظيم في ظل قيادة عظيمة، قيادة يمنية ثورية حرة ومجاهدة، نحو المجدِ والنصر بكل إيمان وثقة، وبكل إصرار وتَحَــدٍّ.
شعبٌ جديرٌ بكل هذه الفضائل وحَمْلِ كُـلِّ هذه الصفات، إلا أنهم يوماً لا ولن تنتابهم حالةٌ من العجب والغرور، أَو الزهو والتعالي والفخر على غيرهم، لعلمِهم أن الفضلَ في الدين لا يزيدُ صاحبَه إلا تقًى وتواضُعاً، كالشجرة المثمرة التي تدنو أغصانُها لتعطيَ أجودَ الثمر، فلا تشمَخُ كالشجرة العاطلة من الثمر.. حفظ اللهُ اليمنَ واليمنيين من كُـلّ مكرٍ ومكروه.