عبدالفتاح حيدرة
لابد من تفسير واعي لقدرة خطاب فخامة الرئيس اليمني المشير مهدي المشاط اليوم بمناسبة الذكرى الـ33 للوحدة اليمنية على ملامسة سر وحدة الشعب اليمني الحقيقية ، ووحدة الأمة العربية والاسلامية، فقد بعث فخامته في هذا الخطاب روحية كل الجبهات في الوعي و الإدراك اليمني ككل لأهمية وضرورة الوحدة اليمنية أرضا وشعبا ، مستدعيا كل تلك الجبهات التي تواجه اليمن شعبا وأرضا من عمق مؤامرة ومأساة العدوان والحصار على اليمن وبرعاية ودعم ما قال عنهم الخطاب "يفترض ان يكونوا أشقاء لليمن" ومن هذا المنطلق نجد ان الخطاب في عمقة السياسي والاستراتيجي - قصير وبعيد المدى - يناقش في ثناياه وبشكل جدي في العقل والضمير اليمني ككل موضوع إستئناف الثورة اليمنية ضد التبعية والإرتهان وكل أشكال الخيانة والعمالة والارتزاق للخارج ، واضعا خطوط عريضة في الفكر والسياسة لإمكانية البداية في كتابة مسودة عمل لتصالح شعبي وسياسي " يمني - يمني " بدون اي تدخل خارجي و اجنبي ..
تضمنت عبارة الرئيس " ان عيد الوحدة يأتي في خضم هائل من الأحداث والمتغيرات المتسارعة، لتظهر لنا كشعب يمني مدى الحاجة للاعتصام بحبل الله ومبادئ السلام والتسامح التصالح، و نأمل من الجميع سرعة المراجعة والتصحيح قبل فوات الأوان لأن التاريخ لا يرحم، واليمن أيضا لن يرحم " وهذه العبارة بحد ذاتها تدل على استشراف واضح لمرحلة اليمن القادمة ومكانتها الاستراتيجية في النظام العالمي الجديد، وتعد هذه العبارة تدشينا مباشرا لمشروع الوعي بالذات اليمنية الحرة والمستقلة لبناء مرحلة تصحيحية، تدحر أولا كافة حالات التبعية والإرتهان والعمالة والارتزاق ، وهذا وعي عالي وكبير بالذات اليمنية وإيمان كلي بالقدرة على تغيير حركة التاريخ لصالح اليمن الواحد والموحد ، ومن هنا أكد الخطاب على ثبات النظام الجمهوري اليمني الوحدوي واستقراره واستعدادة لضم الجميع تحت راية اليمن الموحد ، وانه مكسب مكتسب في اليد اليمنية لا سواها..
كما تضمنت عبارة خطاب الرئيس الذي أكد فيها للشعب اليمني كله " أن اليمن اليوم هو المقياس الصحيح لتصحيح المواقف، وهو الفلتر الحقيقي لبيان الصدق من الكذب" داعيا في الوقت نفسه جميع الفرقاء اليمنيين وكل الخصوم في شمال الوطن وجنوبه إلى " مغادرة مربع الخارج المعتدي على أهلهم وبلدهم، والالتقاء بعد ذلك على كلمة سواء" ، و هذا يعني ان التحدي المتمثل في تحقيق التوافق والقبول بدعوة فخامة الرئيس على مبدأ مشروع الحرية والاستقلال و العدالة الاجتماعية في اليمن لا يزال يراوح مكانه ومرتبطا بطبيعة تبعية وإرتهان أدوات العمالة و الارتزاق للمعتدي والغازي الاجنبي، وهنا تبرز ضرورة وجود تفكير جديد لدى الفرقاء اليمنيين في إطار هذه الحقيقة التي تشير إلى فشل كل محاولات صنعاء النهوض بالوحدة اليمنية ككل ، ومن هنا يتضح للوعي الشعبي اليمني كله وبلا استثناء أهمية وجود القائد اليمني الحقيقي المتمثل في السيد القائد الداعي للعدالة الاجتماعية و ضرورة الارتقاء من حالة الوعي بالذات اليمنية دينيا ووطنيا وتاريخيا وصولا إلى حالة الوعي بالذات القومية العربية والاسلامية..
صحيح ان بداية خطاب فخامة الرئيس تطرقت لمخاطبة العقلية العربية المأساوية المرتهنة للخارج في التواطؤ على العدوان والحصار على اليمن والإصرار على تقسيمة وشرذمته ، و من خلال القمة العربية المنعقدة في السعودية والمسماة "قمة جدة" ، وإن دل ذلك على شئ حقيقي وملموس، فإنه يدل على أن القيادة اليمنية الحرة والمستقلة في صنعاء قد بدأت فعليا ومنذ وقت مبكر جدا بمخاطبة الوعي بالذات القومية العربية أو العقل العربي الكبير الذي يمثل حالة الحرية والاستقلال و الوفاق الموضوعي مع الحقيقة التاريخية حول ضرورة التكامل في الموقف السياسي والعسكري والاقتصادي والطبيعي في الوطن العربي والتي تمثل مقومات دولة عربية واحدة ، وان التمسك بضرويات تصحيح الوحدة اليمنية هو المدخل الأول لجموع العقل العربي الكبير لقراءة العلاقة بين مفهوم الأمة الحرة والدولة المستقلة على النحو الذي يقود العرب لمشروع حضاري قومي واسلامي، يتم الانتقال من خلالة إلى وجود اتفاق موضوعي ثابت ودائم حول الدور الديني و الأخلاقي والاجتماعي للوحدة اليمنية والوحدة العربية والوحدة الاسلامية في مواجهة كل الصعوبات والتحديات..
ختاما ان الوعي بكل هذه الأسرار يعني ان هناك لبنات أساس متين وقوى لبناء مركز ومقام يمني حر ومستقل و جديد و كبير ومؤثر في النظام العالمي الجديد ، بمعية مشتركة وفق المشترك الديني و الثقافي والسياسي والإجتماعي بين كل من المشروع الإسلامي العربي والقومي العربي واليمني اليمني ، وبناءاً على كل أسرار هذه الخطوط والمسارات في خطاب فخامة الرئيس المشاط، لا بد أن نتحمل نحن اليمنيين جميعا مسئولية ايجاد جيل يمني وعربي واسلامي تعاوني جديد يفهم بداية الفارق الحضاري بين الحضارة العربية والحضارة الغربية، والوعي والادراك ان الحضارة الغربية قامت على الفصل الحضاري عبر عقل وجودي شيطاني نمت في داخله الفلسفة المادية بشقيها الاجتماعي والفردي في مقابل حضارة يمنية و عربية واسلامية قائمة على الوصل الحضاري الديني والثقافي والإجتماعي يتصل فيها الإنسان بالأرض و العقل بالروح و العروبة بالإسلام..