اليوم الثامن-الدرس الثالث - الجمعة / 8 رمضان - البرنامج الرمضاني- برنامج رجال الله.
عناصر الدرس:
(الدرس الرابع عشر- معرفة الله - وعده ووعيده)
- الغلاء المستمر في الأسعار مظهر من مظاهر الحرب والعقوبة الإلهية في الدنيا.
- اليهود معروفون بالربا وهم من يعملون على نشره في أوساط المسلمين ولا أحد يستنكر.
- خطورة الرباء وأضراره في الحياة على مختلف الجوانب.
- اليهود يستخدمون أسلوب الترويض للمسلمين حتى أصبح الربا مستساغا.
لنعود إلى هذه الآيات يقول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ} (البقرة: من الآية279) ماذا يعني هذا؟ عقوبة في الدنيا أليس كذلك؟ بل حرب الله سبحانه وتعالى سيتجه إلى طرف يحارب عباده إذا لم يدَعوا الربا، إذا لم يذروا الربا.
{وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا} بعباراتنا: "الوجه ابيض" إشعار، (نحيطكم علما بأننا سندخل في حرب معكم). وحرب الله إذا ما دخل في حرب مع الناس له جنود السماوات والأرض، يحاربك من كل جهة، من حيث تشعر ومن حيث لا تشعر، يحاربك في نفسك، يحاربك في داخل أسرتك، يحاربك في سيارتك، يحاربك في مضختك، يحاربك في مزرعتك، يحاربك داخل مصنعك، يحاربك في كل شيء، ألسنا نرى آثار الربا حتى فيما يتعلق بالتصنيع؟ ألم يهبط مستوى الإنتاج، مستوى الجودة؟ هبط مستوى الجودة في الإنتاج فأصبح ما في أسواقنا منتجات مما نسميها (تقليد) مما كان قد لا يقبله الإنسان قبل زمان ولا بالمجان، غابت المنتجات الجيدة، وتدنت مواصفات المصنوعات في مختلف المجالات، والغلاء أصبح منتشرا في الدنيا كلها، غلاء منتشر، لم يفهموا ما هي أسبابه؟
في [اليابان] نفسها التي هي من الدول المصنعة الكبرى، يقال إن الغلاء في [طوكيو] نفسها في العاصمة وصل ببعض البلدان الضعيفة أو الصغيرة أنها لم تستطع أن تستأجر لأنفسها سفارات داخل طوكيو وإنما خارج، غلاء شديد في كل بقعة في العالم. وعندنا أليس هناك غلاء؟ وكل سنة ترتفع الأسعار، لماذا؟ من أين جاء هذا؟ والمعيشة تتدنى، ألم نر الأشياء تصغر؟ ألم تصغر علب الحليب تحول إلى قراطيس صغيرة، علب (الشامبو) كثير من المنتجات صغرت، صغرت؟ أليس كذلك؟ والصابون بدأ ينتج في قراطيس صغيرة وهكذا تصغر، تصغر فنصبح كما كان زمان يوم لم يكن هناك في الأسواق مشمعات، كان الشخص يذهب يأخذ له "المعوي" من عند [الجزار] ويعبِّئه (قاز) ويعود إلى البيت هل أحد منكم يذكر هذا؟
كنا قد وصلنا إلى أن نشتري القاز أو نشتري المحروقات بمختلف أنواعها في "جراكل" الآن الأشياء تتدنى إلى أسفل وأسفل! كان الناس زمان يأخذون أكياس البر، من يأخذ خمسة أكياس، عشرة أكياس دفعة واحدة، أليس كذلك؟ ثم كيساً واحداً رغماً عنا، ثم نصف كيس، وكانوا يستحيون من أن يأخذوا نصف كيس قبل فترة أليس كذلك؟ أصبح هو السائد نصف كيس، ثم نزل أيضاً فأصبح ربع كيس، والآن بدأ بيع الدقيق بالكيلو، يشتري كل وجبة "قٌبَالَها" ألسنا في حرب؟ لأن كل المنتجات يمول شراؤها بأموال مدنسة بالربا.
وكما يقال بأنه: في آخر الزمان لا تجد درهماً حلالاً. فالنقود التي في جيوبنا من أين تأتي؟ من البنوك، البنوك هي من تتعامل بالربا، تتعامل في الداخل وتتعامل في الخارج بالربا، كل ما نأكل مصبوغ بالربا، كل النقود التي في جيوبنا مصبوغة بالربا كيف نعمل؟ ماذا نعمل؟
تأملوا جيداً لنرى الحرب التي يشنها الله على الناس؛ لأنهم استساغوا الربا، المسلمون أنفسهم استساغوا الربا، وهذا من آثار عمل اليهود، اليهود بخبثهم، اليهود هم المعروفون بالربا من مئات السنين، لكن بطريقتهم الخبيثة بالإضلال: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتَابِ يَشْتَرُونَ الضَّلالَةَ وَيُرِيدُونَ أَنْ تَضِلُّوا السَّبِيلَ} (النساء:44)
لكن هكذا بطريقتهم الخبيثة حتى يصبح الربا مستساغاً في أوساط المسلمين، ومستساغاً في التعامل بين تجار المسلمين وفي بنوك أموال المسلمين، ويصبح طبيعياً ولا حتى الاستنكار الكثير من جانب علمائنا، من جانبنا كطلاب علم أيضاً، لم يعد هناك قضية تدفعنا الى الاهتمام أن نستنكرها. والربا شديد جداً، الربا من أكبر الجرائم.
أوليس شيئاً مرتبطاً بالجانب الاقتصادي؟ هذا مما يؤكد أن الإسلام يهتم جداً فيما يتعلق بالمسلمين بالجانب الاقتصادي لعباد الله، بالجانب الاقتصادي للمسلمين.
الربا أضراره كثيرة جداً، في واقع الحياة بالنسبة للمسلمين يؤدي إلى تفكيك العلاقات فيما بينهم.
جاء الإسلام ليقضي على الربا، ويضع بدلا عنه أجراً عظيماً على القرض، القرض المشروع الذي لست ملزما فيه بأن تدفع فوائد إضافية، رأس المال ترده، أقرضك مائة ألف تعيد إليه مائة ألف، فجعل القرض بمثابة صدقة كل يوم إلى أجله المحدد، ثم إذا أضفت أجلا لصاحبك باعتباره معسراً يعتبر بمثابة صدقتين في اليوم الواحد عن كل يوم.
القرض جعل الله عليه أجراً كبيراً لينطلق المؤمن لمساعدة أخيه، لإعطائه رأس مال ليستطيع أن يتحرك فيتّجر أو يزرع، وهو يرى نفسه ليس ملزما بأكثر من رأس المال.
الفوائد تكفل الله بها هو للمقرضين، لكن الربا قد ترى الفائدة نسبة بسيطة 5% أو 2.5% أو حتى 1% فإذا بك ترى نفسك بعد سنين قد تصبح الفوائد نفسها أكثر من المبلغ، وترى نفسك مرهقاً وأنت تعمل على أن تتخلص من الفوائد الإضافية، أما رأس المال فهو ذاك لا يزال قائما ولا يزال ينتج لا يزال يحملك إضافات كل سنة، كل سنة.
من الذي سيحمل ودا أو يرى جميلا لذلك الشخص أو لذلك البنك الذي أقرضه على هذا النحو؟ من هو؟ ألست ستلعنه، وترى نفسك في حالة أنه أرهقك بهذا التعامل؟ لكن ذلك الذي يقرضك قرضاً حسناً، قرضاً لا ربا فيه سترى له الجميل، وترعى له الجميل، وتقدر له ما عمل وترتبط به، فيكون ذلك من أهم الروابط فيما بين المسلمين وهم يعطفون على بعضهم بعض، أما الربا فإنه هو الذي يحطم العلاقات فيما بين المسلمين ناهيك عما يؤدي إليه من تكديس الأموال في فئة محدودة كما هو ظاهر، وتكديس الأموال في فئة محدودة وهي هي من تستطيع أن تتغلب على كل شيء، ثم تتحكم في الموقف والقرار السياسي للأمة.
الربا شديد حتى ورد في الحديث ((لدرهم من ربا أعظم عند الله من خمسة وثلاثين زنية، أهونها أن تزني بأمك عند الكعبة)) درهم واحد من ربا، لماذا؟ لأن الجانب الاقتصادي بالنسبة للمسلمين مهم في أن يستطيعوا أن يقفوا في مواجهة أعدائهم، في أن يستطيعوا أن يقوموا بواجبهم وبمسئوليتهم أمام الله من العمل على إعلاء كلمته ونصر دينه، ونشر دينه في الأرض كلها.
الإنسان إذا كانت معيشته صعبة، المجتمع إذا كانت معيشته قلقة يكاد هذا هو ما يصرفه حتى أن يرجع هو نفسيا إلى الله، منشغل بكيف يوفر لأهله القوت، كيف يوفر لأسرته حاجياتهم، ولا يفكر بأن يستمع إلى مواعظ إلى أن يهتدي إلى أن يحضر إلى مجلس علم، أو يحضر إلى مدرسة يستفيد منها، بل تأتي لتعظه وذهنه مشغول، ذهنه مشغول، تأتي الأمة في زمن كزماننا هذا فترى أعداءها يهددونها وترى الضربات داخلها هنا وهناك ثم ننظر إلى أنفسنا فإذا بنا لا نستطيع أن نقف على أقدامنا، الجانب الاقتصادي لنا منهار.
لأهمية المال في بناء الأمة، وفي أن تنطلق الأمة في مواجهة أعدائها وأن تنطلق الأمة في القيام بمسئوليتها، ولأثر الربا السيء فيما يتعلق بهذا الجانب الله قال: إنه سيحارب، أليس هذا أقصى ما يمكنك أن تصل إليه مع الطرف الآخر الذي بينك وبينه خلاف حول قضية ما؟ [إما أن تترك وإلا فالوجه ابيض] أليست هذه العبارة هي آخر شيء؟ يدل على أن هذا الشيء مهم لديك، هذه القضية لا أتسامح فيها أبداً، هل يسمعها أصحاب البنوك؟ هل يسمعها التجار؟ هل يسمعها الناس جميعاً؟ هل يرون آثارها في أنفسهم وفي الحياة؟ آثار الحرب الإلهية؟ نحن نرى آثار الحرب الإلهية في كل شيء.
{فَأْذَنُوا} إيذان أي: إعلام {بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ} أليست المعيشة كل عام تكون أصعب؟ والبركات كل عام أقل؟ والنفوس كل عام أشد تبايناً؟ والقلوب أشد اكتظاماً وأشد ضيقاً؟ الصدور تضيق، النفوس تتباين، المعيشة تشتد، والمنتجات تتدنى تتدنى، و[الحَب] هذا نفسه الذي لا نحصل عليه إلا من الخارج نرى أنفسنا نرى الكثير لا يستطيع أن يشتري إلا نصف كيس، وهو كل ما يملك داخل البيت، هل هناك احتياط من الحبوب داخل البيوت؟ لا. بل ولا كيس واحد، نصف كيس دقيق، ثم ربع كيس ثم سيصل الناس إلى الكيلو، وقد بدأ البيع بالكيلو للدقيق.
ثم أين البدائل؟ هل هناك في أموالنا، هل هناك من محافظات أخرى داخل بلادنا منتجات أخرى؟ نحن أصبحنا نحارب حتى في قوتنا، من الذي أوصلنا إلى هذا؟ هم المرابون الذين ثقفهم اليهود والذين استساغوا الربا على أيدي اليهود. ونحن قلنا أكثر من مرة: أن اليهود يعملون هكذا يضلوننا من حيث لا نشعر، يضربوننا من حيث لا نشعر، يفسدوننا من حيث لا نشعر، يدوسوننا بأقدامهم ونحن لا نحس بشيء. هذا هو ما يحصل.
كيف لو بعث رسول الله (صلي الله عليه وعلى آله وسلم) من جديد إلى هذه الحياة ورأى أمته هذه المنتشرة في متخلف بقاع العالم تأكل ربا وتتعامل بالربا؟ كيف سيكون شعوره؟ كيف سيكون شعوره أمام هذه الأمة؟ سينظر: هل ربما أن القرآن غير موجود، ربما هم لم يطلعوا على آية كهذه؟ ثم يرى أن القرآن أيضاً لا يزال داخل بيوت أعضاء المجالس الإدارية للبنوك، أو مجموعة من التجار أصحاب بنك يتعاملون بالربا، المصاحف داخل بيوتهم وهم من يبنون أيضا حجرات خاصة للصلاة في بعض البنوك، وفيها مجموعة من المصاحف داخل مبنى البنك! يحصل هذا في بعض البنوك.
أين نحن من آية: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ} (البقرة:279) وقد أصبح الربا عندنا مستساغاً، وأصبح شيئاً مألوفاً لدينا، هذا هو الترويض من قبل اليهود الذين يروضوننا شيئاً، فشيئاً، فشيئاً إلى أن يصبح كل فساد من جانبهم مستساغاً، ويلطموننا لطمة بعد لطمة، صغيرة، ثم أكبر منها ثم أكبر ثم أكبر حتى تصبح الركلة بالقدم مقبولة ومستساغة، خبثهم شديد.
لاحظوا كيف يسيرون على هذه الطريقة حتى في فلسطين، الانتفاضة من يوم ما بدأت: شهيدان ثلاثة، واحد، أربعة، يومياً، يومياً وهكذا، لا يأتي بعدد يثير الآخرين، ولا يتوقف، وهم يعرفون بأنه اثنين كل يوم ثلاثة كل يوم كم سيكون عدد القتلى في السنة؟ وكم وصل إلى حد الآن قتلى الانتفاضة داخل فلسطين كم؟ تقريباً أكثر من ثلاثة آلاف شخص.
لو جاءوا يضربوا ضربة يقتل فيها ثلاثمائة شخص أليس هذا سيزعج العالم؟ لكن لا. طيب هل انزعجنا يوم ما رأينا ثلاثة آلاف، رقم ثلاثة آلاف انزعجنا؟ لا. لكن لو قتلوا ثلاثمائة شخص دفعة واحدة، ربما كان سننزعج ويحصل استنكار شديد اللهجة ويحصل مظاهرات وتحدث أشياء كثيرة.
إذاً فواحد على اثنين على ثلاثة يومياً وهكذا، وسيرى هؤلاء الناس الذين نروضهم على أن يقبلوا هذا التعامل سيرون في الأخير أرقاما كبيرة ثم لا تثيرهم، وهذا أفضل فنسمع عن إحصائيات ثلاثة آلاف قتيل وجرحى بالآلاف هل استثارنا خبر هذه الإحصائيات؟ لا. طبيعي هكذا يعملون في كل شيء.
ومن هنا نعرف: كيف أن اقتراف الأمة لمعصية من هذا القبيل كالربا أن الأمة ستنال عقوبة من الله على ارتكابها، هذا هو وعيد وجانب من الوعيد في الدنيا.
[الله أكبر/ الموت لأمريكا / الموت لإسرائيل/ اللعنة على اليهود / النصر للإسلام]
دروس من هدي القرآن الكريم
(الدرس الرابع عشر- معرفة الله - وعده ووعيده)
ألقاها السيد/ حسين بدر الدين الحوثي / رضوان الله عليه.
بتاريخ: 24 من ذي القعدة 1422هـ
الموافق:6 /2/2002م
اليمن – صعدة.