يتجلَّى أهمية وضرورة أن يكون في واقع الناس ما يمثل حمايةً لهم، ما يوفر حمايةً لهم من ذلك ابتداءً، كما قال الله تعالى بعد تلك الآيات مباشرة، في سياقها، عَقِب أن قدَّم لنا ذلك النوع، الذي نرى أكبر مصاديقه، وما تنطبق عليه تلك المواصفات في عصرنا، في الأمريكي والإسرائيلي ومن يدور في فلكهم، بعد تلك الآيات مباشرةً يُقدَّم لنا النموذج الذي يُشكِّل حمايةً للأمة، وصمام أمان؛ لوقايتها من شر ذلك النوع الإجرامي المفسد، تلك المواصفات عنهم، في أفعالهم الإجرامية، ونهجهم الإجرامي: (أَلَدُّ الْخِصَامِ، إِهلَاك الحَرْثِ وَالنَّسل)، نرى مصاديقها في الواقع بشكلٍ تام، فالله قال عَقِبَ ذلك: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ}[البقرة:207]، هذا النموذج الذي يقف بوجه أولئك، من الناس من تنطبق عليهم تلك المواصفات الإجرامية، ونراهم في عصرنا بكل وضوح، في مقابل أولئك، من يتصدى لهم، من يقف بوجه شرهم، من يحمي الأمة منهم؛ لأنهم يشكِّلون خطورةً حقيقيةً فعليةً على الناس، والشواهد واضحة، ملء سمع الدنيا وبصرها، من يشكِّل ضمان للأمة، حماية للأمة، سنداً للأمة، هو هذا النموذج العظيم الذي قال الله عنه: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ}[البقرة:207].
والمسألة كانت من البداية، يعني: لو بقي هذا النموذج، وأتى في واقع الأمة ليسود هو التوجه في واقع الأمة؛ لما وصلت الأمور إلى ما وصلت إليه، منذ بدايات استقدام العصابات الصهيونية الإجرامية اليهودية إلى فلسطين المحتلة، بحمايةٍ بريطانية، وإشرافٍ بريطاني، لو قام العرب واتَّجهوا هذا التوجه القرآني الإيماني: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ}[البقرة:207]، أوجدوا هذا النموذج، ودعموه، وساندوه؛ لحمى هذه المنطقة بشكلٍ عام، وحمى فلسطين، وحمى الشام بكلها، وحمى محيطها القريب: مصر، والتي تكبَّدت الخسائر الكبيرة جداً من العدو الإسرائيلي، سوريا، لبنان، وهكذا الأردن... وهكذا بقيت المناطق العربية، والشعوب العربية، والبلدان العربية، العالم الإسلامي؛ لما وصلت الأمور إلى ما وصلت إليه.
هي تحرَّكت آنذاك، لكنه لم يكن تحركاً لا بحجم المسؤولية، ولا بمستوى التحدي والمخاطر، ولا وفق رؤية صحيحة، كانوا يتحرَّكون كردة فعلٍ لحظية، يفشلون وانتهى الأمر، ثم يتحرَّكون في مرحلة أخرى تحركاً لحظياً، ليس مدروساً، ولا مسنوداً، ولا وفق رؤية صحيحة، ويفشلون، ولا من منطلق صحيح، مثل هذا المنطلق: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ}[البقرة:207]؛ ولــذلك كانوا يفشلون.
وهنا يتجلَّى أهمية أن تكون الانطلاق إيمانية وجهادية في سبيل الله؛ لأنه يتوفر الدافع الكبير والقوي جداً، وكذلك التقديس للمسؤولية، والبصيرة، والوعي، والاستعداد العالي للتضحية، والصبر؛ ولــذلك قدَّم القرآن الكريم النموذج الراقي، الذي يمثل الأمل والخلاص، والسِّدَّ المنيع في مواجهة قوى الشر الإجرامية، في هذه الآية: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ}[البقرة:207].
أولئك الذين ينطلقون وفق هذا المنطلق القرآني، ينطلقون بهذه الانطلاقة المقدَّسة العظيمة: من أجل الله، الغاية هي: ابتغاء مرضاة الله، ليست غاية مادية، ولا غاية سياسية، ولا انتهازية، ولا استغلال للشعوب، هي غاية مقدَّسة، غاية عظيمة، تجعلهم محط رعاية الله، وتأييد الله، ومعونة الله، ويتحرَّكون وفق تعليماته "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى"، وبالقيم الإيمانية الراقية، وهكذا بالأخلاق الإيمانية العظيمة، التعليمات الإلهية القيِّمة، التي تميِّز انطلاقتهم، ويحملون الدافع العظيم، فهم يتجنَّدون مع الله لحماية عباده، فهم حماة الأوطان، حماة الأعراض، حماة الممتلكات، حماة الأمة، ودرع الأمة الحقيقي، وذُخر الأمة، الذين يجب أن تلتف حولهم، هم يتحرَّكون لمصلحة الناس، في سبيل الله، وسبيل الله هو حماية للأمة، إنقاذ للمستضعفين، دفعٌ لشر الأشرار والمجرمين، السقف العالي في منطلقهم لعطائهم هو: بذل النفس في سبيل الله تعالى، تقديم الروح؛ ولــذلك فهم يقدِّمون أيضاً كل شيء: الجهد، المال، العمل، التحرك الفاعل جداً؛ لأن من ينطلق بهذه الروحية، لتقديم نفسه في سبيل الله، وبذل حياته في سبيل الله، سيكون على مستوىً عالٍ من الفاعلية في كل الأعمال، ودون ذلك (دون ما هو في مستوى العطاء بالنفس والحياة) سيقدِّمه بكل رحابة صدر، فهم ينطلقون بفاعلية عالية، بسقفٍ عالٍ، بصبرٍ عظيم، بثباتٍ كبير، بتماسك، ويحظون برعايةٍ من الله، وعونٍ من الله، وفق ما وعدهم في القرآن الكريم، يحررهم أيضاً هذا السقف العالي من القيود والمخاوف، يرقى بالأمة إلى مستوى مواجهة المخاطر والتحديات مهما كان حجمها، ومهما امتلك الأعداء؛ لأن من ينطلقون هذا المنطلق لا يُقيَّدون ويُكبَّلون بالخوف والرُّعب والذِّلة من المواجهة، ومن نتائج المواجهة، يواجه وهو مستعد أن يستشهد في سبيل الله.
والأمة بحاجة إلى هذا، في مقابل التحديات التي كَبُرت إلى ما وصلت إليه؛ لأن الأمة تخاذلت لزمنٍ طويل، وفرَّطت لزمنٍ طويل، حتى تمكن العدو مما وصل إليه، ولأن الأمة تراجعت عن الكثير من مبادئها، وقيمها، وأخلاقها، حتى وصلت إلى ما وصلت إليه، الأمة بحاجة إلى النموذج الإيماني الجهادي القرآني، الذي ينطلق ببصيرة ووعي، يعرف من هو العدو، ومن هو الصديق، واتِّجاه الأعداء هو مستمر في الاستهداف للأمة، السياسات الأخرى، الخيارات الأخرى لن تقي الأمة من شرهم، العرب جرَّبوها كثيراً وفشلت، كم هناك من مبادرات، كم هناك من تنازلات، كم هناك من قمم، كم هناك حتى من اتفاقيات برعاية أمريكية وأوروبية... وغيرها، وكلها فشلت، ولم تمثل أي حماية للأمة.
[الله أكبر/ الموت لأمريكا / الموت لإسرائيل/ اللعنة على اليهود / النصر للإسلام]
كلمة السيد القائد/ عبد الملك بدر الدين الحوثي
حـــول آخـــر التطـــورات والمستجـــدات الأسبوعيـــة
الخميس 19 جمادى الأولى 1446هـ 21 نوفمبر 2024م