كثيرةٌ هي التناقضات التي نعيشها في زمننا هذا،
زمن الأقنعة وتعدد الوجوه!
زمن تجزّأت فيه المبادئ والقيّم، وتباينت فيه المعايير التي يُنظر بها إلى ذات القضية، وأيُّ قضية هي أعظم وأسمى من قضية "الإنسان"التي من المفترض أن تكون القضية الجامعة لكل بني البشر، والمحور الذي يتفق عليه جميع من في الأرض ويتساوى فيه الجميع بعيدا عن كل الاعتبارات والمُسميّات الأخرى.
وأيُّ ظلمٍ أكبر، عندما يكون من يظلمك هو أقرب المقربين إليك، من يتشارك معك في أهم الثوابت والمُسلَمات كالدين واللغة وغيرها الكثير من القواسم المشتركة، والأهم من ذلك أن تجتمع معه تحت مظلةٍ كبيرةٍ سامية ألا وهي "الإنسانية".
لن أطيل الحديث عليكم أعزائي القراء، ولكني سأترك الحكم لكم من خلال هذه الأسطر، التي ستلمسون من خلالها وستوضح لكم بشكل أكبر ما قصدته بالحديث أعلاه.
ولن نذهب بعيداً بل سنسافر معكم إلى إحدى الدول الشقيقة ونتعرف سوياً كيف تنظر من خلال مندوبها لدى الأمم المتحدة إلى قضية ومظلومية بحجم مظلومية اليمن والشعب اليمني، وما هو دورها تجاه هذه القضية والتي لم يعد يختلف أحد على وجه الأرض من أقصاها إلى أقصاها أو ينكر أنها باتت تمثل الأزمة الإنسانية الأسوأ على مستوى العالم في التاريخ القديم
والمعاصر.
وما أكثر المواقف التي تبين ذلك ولكننا سنكتفي هنا بالتعريج على بعضها، فهي كافية لأن تظهر الصورة مكتملة وبشكل واضح.
فمن المتعارف عليه أن الدفاع عن النفس ضد الباغي والمعتدي أمر كفلته جميع الأديان والشرائع والقوانين الدولية، بل والفطرة الإنسانية السويّة.
وهذا ما حمله على عاتقه منصور العتيبي مندوب دولة الكويت لدى الأمم المتحدة، الذي أفشل إصدار مشروع قرار قدمته الإدارة الأميركية إلى مجلس الأمن يدين حق الشعب الفلسطيني في المقاومة والدفاع عن نفسه المكفول دوليا،
ولكن في الوقت ذاته يعلم الجميع وبإعتراف من أمريكا نفسها ومن مجلس الشيوخ فيها بأن من يدعم إسرائيل في حربها على فلسطين هو ذاته من يدعم بل ويقود دول تحالف العدوان في حربهم على اليمن.
فكيف كان موقف "العتيبي" في الأمم المتحدة من الحق المكفول لليمنيين في دفاعهم المقدس ضد أبشع عدوان شنته ولا تزال تشنه جارة السوء السعودية عليهم والتي كانت من ابتدأ هذا العدوان ولا تزال توغل فيه يوما عن الآخر، وقد تسببت في دمار البنية التحتية لليمن بشكل كامل وقتل وجرح الآلاف المؤلفة من أبنائه، مع استمرار جرائم دول تحالف العدوان بشكل يومي، ناهيك عن التجويع والحصار للملايين منهم، الأمر الذي بات يشكل مصدر قلق لجميع المنظمات الحقوقية والدولية مما صارت وستصير إليه الأوضاع الكارثية هناك والتي تزداد سوءا كل يوم.
للأسف أن الجواب كان صادما ومليئا بالكذب والتدليس، فقد قام العتيبى في مجلس الأمن، الإثنين الموافق 26 مارس 2018
"باستنكار استهداف من أسماهم بمليشيات الحوثيين على السعودية، بل وطالب مجلس الأمن بأن يكون له موقف موحد وواضح لوقف هذه الهجمات التى تهدد السلم والأمن الإقليمي على حد قوله ، مؤكدا على تأييد بلاده التام لكل قرارات السعودية التى تتخذها للحفاظ على أمنها."
وقال أيضا"وبالرغم من إعلان التحالف وقف عملياته العسكرية لاستعادة مدينة ميناء الحديدة لتكون تحت سلطة الحكومة اليمنية الشرعية إلا أن مليشيات الحوثي واصلت استهدافها المتعمد للمواقع المدنية والمأهولة بالسكان في المملكة العربية السعودية بالصواريخ الباليستية والمقذوفات المتفجرة نحو أهداف مدنية".
وأشار إلى أن "المليشيات الحوثية تمارس أنماطًا جديدة من التحدي والتهديد لإرادة المجتمع الدولي من خلال استهدافها لسلامة الملاحة البحرية الدولية في مضيق باب المندب والبحر الأحمر سواء بزرعها للألغام البحرية أو استهداف السفن التجارية والنفطية." مشددا أمام مجلس الأمن على أن جماعة الحوثيين تمثل تهديدا لدول الجوار وسلامة الملاحة الدولية في باب المندب والبحر الأحمر وهو انتهاك خطير للقانون الدولي والقانون الإنساني الدولي وتهديد صريح للسلم والأمن الاقليمي والدولي، على حد قوله.
فهل جانبت الكويت الصواب بذلك، أم أن اعتبارها تقرير فريق الخبراء الدوليين والإقليميين حول حالة حقوق الإنسان في اليمن هو من جانبه الصواب، وقد يطول الحديث عن حقيقة الأوضاع الإنسانية في اليمن ما لا يتسع المجال لذكره هنا، لكننا سنركز على الموقف الكويتي منه، حيث جاء ذلك فى كلمة الكويت التى ألقاها مندوب الكويت الدائم لدى الأمم المتحدة والمنظمات الدولية الأخرى فى جنيف أمام الدورة 39 لمجلس الأمم المتحدة لحقوق الإنسان، فى إطار الحوار التفاعلي مع مفوضية الأمم المتحدة لحقوق الإنسان، بشأن تقريرها حول الأوضاع فى اليمن، الذي انتقدته بشدة، وكان مما قالته "إن التقرير قد جانبه الصواب فى نقاط عدة، منها على سبيل المثال لا الحصر، الادعاءات والمزاعم الواردة فيه، والتى تتناول استهداف قوات التحالف للمدنيين، والقيود المفروضة على وصول المساعدات الإنسانية ".
فهل استهداف التحالف للمدنيين في اليمن يعتبر مجرد ادعاءات حسب تعبير الكويت، أم أنها تعيش في كوكب غير الذي نعيش فيه!
كما تحدث سفير كويتي آخر وهو الغنيم حينها أمام مجلس الأمم المتحدة عن حرص دول التحالف على ضمان تفادي وقوع أية إصابات بين المدنيين، وعن الدور الكبير الذي تقوم به دول التحالف العربي التي تسعى إلى إعادة الأمل للشعب اليمني الشقيق لينعم بالاستقرار والتمتع بحياة كريمة".كما أعرب عن قناعة الكويت بأن" تمكين الحكومة الشرعية من بسط سيطرتها عبر تنفيذ قرارات الشرعية الدولية هي الوسيلة الوحيد لإنجاح الجهود السلمية وتلبية الاحتياجات الإنسانية وتحقيق الاستقرار والأمن في اليمن الشقيق".
فهل أصابت الكويت في ما قالته، أم أنها كانت من جانبت الصواب تماما حين غضت الطرف عن كل ما خلّفه التحالف من كوارث و ويلات، وهل الاستهداف المباشر للمدنيين والمباني الخدمية والأسواق والمستشفيات ومحافل الأفراح والأتراح وكل ساكن ومتحرك في اليمن وحصار الملايين وقتلهم جوعاً هو الذي سيجلب الحياة الكريمة والاستقرار للشعب اليمني، وأين إعادة الأمل من هذه الممارسات الإجرامية التي تمارسها السعودية على أبناء اليمن ومن يتستر عليها ؟
بل أن الكويت ذهبت إلى ما هو أبعد من ذلك حين قامت بتحميل كامل المسئولية في هذه الانتهاكات لطرف هو في الأصل المُعتدى عليه، حيث لم يفرق العدوان بين أحد من اليمنيين ولم يرحم أحدا، بقولها" ان الانتهاكات التي ترتكب بحق الشعب اليمني الشقيق والتي تمس كل جوانب حياته اليومية قامت بها جماعة انقلبت على إرادة الشعب اليمني على الشرعية المدعومة بالمبادرة الخليجية وآلياتها التنفيذية ومخرجات مؤتمر الحوار الوطني".!!
وفي الوقت نفسه الذي أشارت فيه إلى الأزمة المالية التى تواجهها وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشعيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) والتى اعتبرتها أكبر أزمة تواجه المنظمة منذ انشائها عام 1949، تتجاهل الوضع الإنساني في اليمن الذي سببه الحصار الخانق وانقطاع المرتبات بفعل نقل دول تحالف العدوان البنك المركزي اليمني من صنعاء إلى عدن، بموافقة من الأمم المتحدة، ناهيك عن الآثار الكارثية للأزمة الإقتصادية الحادة التي ألقت بظلالها على الملايين من أبناء الشعب اليمني وهذا إنما يدل على مشكلة كبيرة في ازدواجية المعايير الإنسانية لديها!
ومما لا شك فيه ومن المعطيات بالساحة، بأن القضية الفلسطينية هي القضية الأولى لكثيرين وللشعب اليمني على وجه الخصوص ولا يستطيع أحد المزايدة على ذلك، بل وأن موقف الشعب اليمني تجاه القضية الفلسطينية والقدس، وموقفه المناهض لإسرائيل والسياسية الأمريكية تجاه قضايا الأمة وعلى رأسها فلسطين، كان السبب الأول وراء هذه الحرب الكونية عليه.
وعلى الرغم من أن الإعتداءات الإسرائيلية ضد فلسطين والشعب الفلسطيني تعود لأعوام طويلة وبالرغم من كل ما تنطوي عليه من مأساة وبشاعة، إلا أن جرائم تحالف العدوان الأمريكي السعودي الإماراتي وحلفائه باليمن وبتأكيد من جميع المراقبين وخلال أربعة أعوام من بداية العدوان عليه، قد فاقته بمراحل طويلة جُرما وبشاعة، فما لهؤلاء القوم لا يكادون يفقهون حديثا!
ففي الوقت الذي دعت فيه دولة الكويت مجلس الأمن من خلال مندوبها لديه لإنفاذ قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة حول حماية المدنيين الفلسطينيين، وطالبت بتنفيذ القرار 2334 الذي أكد على أن الإستيطان الإسرائيلي يشكل انتهاكا صارخا للقانون الدولي، تحفظت على مشروع القرار البريطاني المقدَّم في مجلس الأمن بشأن اليمن، حيث سلمت بريطانيا مسودة مشروع قرار لأعضاء مجلس الأمن الدولي - لم يكن قد تم التصويت عليه بعد - يدعو إلى إعلان هدنة فورية في ميناء الحديدة،
كما يدعو مشروع القرار أيضا الأطراف إلى وقف "الأعمال العدائية" في محافظة الحديدة وعلى جميع الجبهات، ووقف الهجمات الصاروخية وبالطائرات المسيّرة ضد دول المنطقة، وتسهيل تدفّق المساعدات الإنسانية والأدوية والوقود.
وعوضا عن تأييدها للقرار، طالبت الكويت بإجراء "بعض التعديلات التي سيتم بدء التفاوض عليها بشأن القانون، خاصةً عدم إشارته إلى قرار مجلس الأمن السابق رقم 2201".
حيث كان مجلس الأمن قد أصدر قراره 2201، في 15 فبراير 2015، وطالب جماعة "الحوثي" بسحب مسلّحيها من المؤسسات الحكومية، والانخراط في مفاوضات السلام التي يرعاها المبعوث الخاص للأمم المتحدة إلى اليمن.
ورغم تأكيدها على أن الأزمة اليمنية لا يمكن أن تحل عسكريا بل سياسيا، لكن الكويت شددت عبر مندوبها الدائم لدى الأمم المتحدة على "أن أي خطة سلام في اليمن لا تستند إلى المرجعيات الأساسية الثلاث المرتكزة على المبادرة الخليجية وآلياتها التنفيذية ومخرجات مؤتمر الحوار الوطني الشامل وقرارات مجلس الأمن ذات الصلة وخاصة القرار رقم 2216، ستسهم بتعقيد الأوضاع وإطالة أمد الأزمة مما سيكون له آثار خطيرة على الأمن والاستقرار الإقليمي والدولي." وهو ما فتأت أن كررته مرارا وفي جميع الفرص والمناسبات.
وكان العتيبي قد أكد في جلسة لمجلس الأمن أنه من غير المقبول "تهديد الحوثيين للملاحة الدولية واستخدامهم المواطنين دروعا بشرية في اليمن".حسب قوله معتبرا أن سيطرة "الحوثيين" على الحديدة يبدد أية مقاصد في اتجاه جهود الإغاثة.
وأمام هذه الادعاءات علق رئيس اللجنة الثورية العليا على خطاب مندوب الكويت منصور العتيبي في الجلسة الخاصة باليمن في مجلس الأمن، واصفاً إياه بـ"الكاذب، وكأنه ذباب إلكتروني".
وقال الحوثي، إن سذاجة مندوب الكويت بمجلس الأمن، "تؤكد أنه يعمل بخلاف السياسة الأميرية، وأنه قد تخلى عن لباقة ساسة الكويت".
وعلى الرغم من أن مواقف منصور العتيبي في مجلس الأمن تبدو مساندة للقضية الفلسطينية والتي كان آخرها يوم الثلاثاء الموافق 18_ديسمبر_2018، حيث اعتبر العتيبي أنه يجب على مجلس الأمن أن لا يقف مكتوف الأيدي أمام جرائم إسرائيل في الأراضي المحتلة، وطالب إسرائيل كقوة احتلال بوقف جميع إجراءاتها في الأراضي المحتلة، فقد كان له مواقف سابقة كما ذكرنا، ومنها دعوته مجلس الأمن إثر اندلاع مواجهات بين فلسطينيين والجيش الإسرائيلي على الشريط الحدود بين قطاع غزة المحاصر وإسرائيل أثناء مشاركتهم في "مسيرة العودة الكبرى"، واحتجاجا على نقل السفارة الأمريكية إلى القدس، وسقوط ضحايا من الفلسطينيين، إلى إقامة جلسة طارئة وطالب بمشروع قرار يدعو لإجراء تحقيق مستقل وشفاف في قتل الجيش الإسرائيلي عشرات المتظاهرين الفلسطينيين في غزة، وتقديم الحماية للفلسطينيين، لكنه أعلن لاحقا أنه لم يؤدي إلى نتيجة، وقد يرجع ذلك أيضا إلى أن الإدارة الأمريكية ممثلة بـ"نيكي هيلي" استخدمت حق "الفيتو" ضد مشروع القرار الكويتي.
وكما كشفت الكويت أيضا أنه لا مانع من التطبيع مع الكيان الصهيوني الغاصب لكن وفقا لشروط معينة، حيث قالت أنها "تجدد دعمها لحل الصراع العربي_الإسرائيلي وفق قرارات الشرعية الدولية والقانون الدولي ومبادرة السلام العربية لعام 2002 بكافة عناصرها والتي نصت على أن السلام الشامل مع إسرائيل وتطبيع العلاقات معها يجب أن يسبقه إنهاء احتلالها للأراضي الفلسطينية والعربية المحتلة منذ عام 1967" حسب قولها.
من كل ذلك نلمس تناقضات الموقف الكويتي تجاه مظلومية الشعبين اليمني والفلسطيني، رغم فارق الجرائم البشعة التي ترتكبها دول العدوان الأمريكي السعودي الإماراتي وحلفائها على اليمن، والحصار الغاشم الذي فاقم معاناة اليمنيين وأودى بالملايين منهم إلى شفا المجاعة.
إن موقف الكويت عبر مندوبها لدى الأمم المتحدة تجاه الأزمة الإنسانية اليمنية يظل موضع تساؤل، وعلامة فارقة في ازدواجية المعايير الإنسانية عندما تتطلب المصلحة لذلك.
ـــــــــــــــــــــــــ
بقلم / د.أسماء الشهاري