فيجب أن تترسخ في أذهاننا هذه القضية، وعندما نرجع إلى القرآن الكريم نجد بأنها من أهم ما دار حوله القرآن الكريم هو شد الناس إلى الله، وشدك أنت إلى الله، فلم يقدم كتابه بديلاً عنه، ولم يجعل رسوله (صلوات الله عليه وعلى آله) بديلاً عنه، بل رسول الله أليس هو - وقد هو رسول الله بنفسه - كان يهتدي بالله، يلتجئ إلى الله، يرجع إلى الله، ويهتدي بهدي الله؟. فلم يكن رسول الله بدلاً عن الله، ولا رقم ثاني ننظر إليه منفصلاً عن كتاب الله، وعن الله.
فمن يعتصم بالله على هذا النحو فقد هُدِيَ إلى صراط مستقيم، تلاحظ أن المسألة هي أنك تعتصم بالله يهديك أنت إلى شيء؛ ولهذا قال: {فقد هُدِيَ}، أي أن اعتصامي بالله هو على النحو الذي أريد منه أن يهديني إلى كيف أعمل.
الإنسان الذي لا يتحرك، الذي لا يعمل هل يحتاج إلى هداية؟ أنت لا تحتاج إلى أن تسير إلى القرية الفلانية هل أنت في هذه الحالة تحتاج إلى من يهديك إليها؟ لا, أنت عندما تتحرك، وتريد أن تسافر إلى بلد معين، وأنت في الطريق تحتاج إلى من يهديك، وتبحث عمن يهديك. فقوله: {فقد هُدِيَ} فعلاً يفيد بأنه قد اهتدى وعبارة {هدي} أي أن هذا طرف اعتصم بالله من منطلق أنه ينطلق في ميدان العمل، فهو يحتاج إلى أن يهديه الله إلى كيف يعمل عملاً، كيف يتحرك.
{فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} (آل عمران: من الآية101) طريق واضحة، طريق تؤدي إلى النجاة، تؤدي إلى الفوز، تؤدي إلى الغلبة، تؤدي إلى العزة، تؤدي إلى الرفعة والمكانة، تؤدي إلى الفلاح، {صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} قَيِّم ليس فيه عوج، ما فيه [مطبّات] قد تقفز من فوقه يحطم نفسك فيوقعك في الضلال.
طريق لا تضل وأنت تسير عليه، طريق لا تخزى وأنت تسير عليه، طريق لا تُقهر ولا تذل وأنت تسير عليه، وهو في نفس الوقت مستقيم، قَيِّم، ذو قيمة، يجعلك أنت تستغني عن أي طرق أخرى متى ما سرت عليه، لا تحتاج إلى الالتجاء إلى أي طرف آخر متى ما سرت عليه، يستطيع أن يقف بك على قدميك، يستطيع أن يقف بالأمة السائرة عليه على قدميها، مستغنية عن أي قوى أخرى، مستغنية عن أي طرق أخرى، مستغنية عن أي خبرات لتهديها نحو الطرق التي توصلها إلى الفلاح والفوز والنجاة.
عندما كانت البلاد العربية مستعمرة من قِبَل البريطانيين، والفرنسيين، والإيطاليين، وغيرهم كيف كان يحصل؟ كان معظم ما يحصل - عندما كانت النظرة كلها منعدمة نحو الثقة بالله سبحانه وتعالى، الثقة بالله منعدمة في نفوس المسلمين - كان من يريد أن يتحرر من هذا البلد يلجأ إلى هذا، يتحرر من بريطانيا يلجأ إلى روسيا، يتحرر من روسيا يلجأ إلى بريطانيا، يتحرر من إيطاليا يلجأ إلى فرنسا، من فرنسا يلجأ إلى إيطاليا وهكذا. ما هي النتيجة في الأخير؟ ما هي سواء؟ تخرج من تحت بريطانيا تدخل تحت روسيا، كله واحد.
الله سبحانه وتعالى أراد أن يعلمنا بأن دينه يستطيع أن يجعلنا أمة مستقلة، تقف على قدميها، عزيزة، رافعة رأسها، تقهر الأمم الأخرى، ما الذي يحصل الآن؟ أليس كل العرب يتجهون إلى أمريكا لتفكهم من إسرائيل؟ ولو أن أمريكا هي المحتلة وإسرائيل هناك للجئوا إلى إسرائيل تفكهم عن أمريكا! يلجئون إلى أمريكا وروسيا راعيتا السلام أن تفك فيهم من إسرائيل.
النظرة القاصرة التي أراد الله أن يمسحها من أذهان العرب - لو تربوا على دينه، لو تربوا على نهج نبيه (صلوات الله عليه وعلى آله) , لو عرفوا سيرته وهو في جهاده من بدر إلى آخر غزوة لم يلجأ إلى طرف آخر، لم يلجأ إلى الفرس، أو يلجأ إلى الروم، وهما القوتان التي كانت تمثل القوى العظمى في العالم في ذلك العصر لم يلجأ إلى الفرس ليساعدوه ضد الروم، ولا إلى الروم ليساعدوه ضد الفرس، ولا إلى الفرس ليساعدوه على قريش، ولا إلى الروم ليساعدوه على قريش، ربى الأمة تربية توحي لها بأن في استطاعتها أن تقف على قدميها وتقارع الأمم الأخرى.
وكان أبرز مثال على هذا ما عمله هو في ترتيبات [غزوة تبوك]؛ لأنه كان رجلاً قرآنياً (صلوات الله عليه وعلى آله) يتحرك بحركة القرآن، ويعرف ماذا يريد القرآن أن يصل بالأمة إليه في مناهجه التربوية وهو يربي نفوسهم كيف تكون كبيرة، كيف تكون معتزة بما بين يديها من هذا الدين العظيم فلا تحتاج إلى أي قوى أخرى.
حتى نحن على مستوانا في أعمالنا لدينا مثلاً مراكز صيفية، نقول: [لننظر إلى المؤتمر إذا كان سيساعدنا، أو ننظر إلى ذلك الطرف إذا كان سيعيننا أو ننظر إلى هذا أو ذاك] تصبح حالة سائدة لدينا حتى كمواطنين من عند الكبار كمسئولين وحكام، ثم إلى عند المواطنين حتى إلى عند الدعاة في سبيل الله، الذين هم دعاة في سبيل الله يجب أن يفهموا أولاً ما يدعوهم إليه الله، في كيف يكونون معتمدين على أنفسهم حتى لا يقعوا في أحضان هذا الطرف أو أحضان هذا الطرف فتصبح في الأخير تخدم هذا أو تخدم هذا، ولم تخدم دينك بشيء، الأمر الذي يؤدي بالأمة إلى أن تضحي بدينها.
دروس من هدي القرآن الكريم
سورة آل عمران الدرس الثاني / ص - 7.
{وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ}
ألقاها السيد/ حسين بدر الدين الحوثي / رضوان الله عليه.
بتاريخ: 9/ 1/2002م
اليمن - صعدة.