هنا يعطينا فهماً بالنسبة للولاية في الإسلام، عندما نقول: السلطة في الإسلام كيف هي؟ عندما تعود إلى القرآن الكريم ترى في سور كثيرة، في آيات كثيرة، وعندما تعود أيضاً إلى واقع الحياة، تتأمل في السموات والأرض وما بينهما من خلق الله تجد أن ولاية الله سبحانه وتعالى هي ولاية رحمة، ولاية رعاية، ولاية تربية، ليست مجرد سلطة هكذا، سلطة قاسية، أوامر ونواهي فقط، ولاية رحمة بكل ما تعنيه الكلمة. عندما تأتي إلى الرسول (صلوات الله عليه وعلى آله) وتتعرف عليه من خلال القرآن الكريم، ومن خلال ما نعلمه من سيرته (صلوات الله عليه وعلى آله) تجد أيضا أنه كان يجسد هذه الولاية {لَقَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ} (التوبة: 128) . عندما تأتي إلى ولاية الإمام علي نفس الشيء.
إذًا فهذا هو مفهوم الولاية في الإسلام، وهذه هي مهام الولاية في الإسلام، ليست فقط سلطة تنفيذية، سلطة أوامر ونواهي جافة، وتجبر وتسلط وقهر، وأشياء من هذه.. أبدًا ؛ لأنه فعلا يحصل تساؤلات كثيرة حول النظام السياسي في الإسلام، أو حول السلطة السياسية في الإسلام، وأشياء من هذه، هو أساسا السؤال من أصله غير صحيح؛ لأنه في واقع الناس ليس هناك فصل ما بين سياسة، واقتصاد، واجتماع، وثقافة، وتربية، ورعاية، وأشياء من هذه، ليس هناك فصل فيما بينها. من أين جاء ترسيخ السلطة وكأنها فقط ما نسميها: سلطة سياسية فقط، سلطة تنفيذية لأوامر ونواهي وتسلط فقط؟! .
إنما جاءت عندما برز في الحياة هذه النوعية فعلا، وعندما كان من يتزعمون البشر في مختلف مراحل التاريخ من النوعية التي لا تمتلك أي رؤية أخرى، ولا قدرة أخرى فيما يتعلق بالرعاية، والتربية، والتثقيف وغيرها، لا يمتلكون شيئا، لا يمتلك إلا القهر والسلطة، أمر ونهي وسجن وقتل ونفي ومصادرة، وأشياء من هذه ، هذا عمل يستطيع أي واحد يعمله ، أليس أي واحد يستطيع أن يعمله؟ لا يحتاج حتى إلى حنكة سياسية ـ كما يقولون ـ، معاوية استطاع أن يحكم الأمة عشرين سنة، ومعاوية لم يكن يمثل شيئا؛ لأنك بالطريقة هذه تستطيع أن تحكم العالم، هذا بوش نفسه أليس متجها إلى أن يحكم العالم؟ وهو عندما تتأمل منطقه، ملامحه، حركاته تجد أنه إنسان غير طبيعي، وغير متزن، لكن ما أيسر السلطة، وما أسهلها عندما تكون على هذا النحو: أو أمر ونواهي، الذي يقول لك: تمام، لا بأس، تعطيه كيفما أردت دون أن تلحظ حقوق الآخرين، والذي يرفض، سجن وقتل ونفي، وأشياء من هذه .
إذًا الولاية في الإسلام، السلطة في الإسلام هي أرقى بكثير مما عليه واقع البشر، أرقى بكثير في مهام من يلي أمر الأمة. تجد أنه عندما تتأمل ولاية الله سبحانه وتعالى لشئون عباده فولاية من يلي أمر الأمة هي امتداد لولاية الله، يجب أن يكون عنده رحمة، يجب أن يكون عارفا كيف يربي الأمة، يجب أن يكون عارفا كيف يبني الأمة، كيف يطور حياتها، كيف ينمي اقتصادها، كيف يزكي أنفسها، كيف يواجه أعداءها، أشياء واسعة جداً، جداً.
تجد هذه ألم تكن هي أبرز الأشياء بالنسبة للرسول (صلوات الله عليه وعلى آله) والإمام علي؟ ما الذي كان بارزا بالنسبة لشخصيتهم كأولياء لأمر الأمة؟ هل كان البارز موضوع التسلط والقهر، أو هذا الجانب الآخر، جانب الرعاية والتعليم والتزكية؟ {وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ}(البقرة من الآية: 129) جانب تربيتهم؛ لينشئوا أمة على مستوى عالي، هذه المهمة هي التي كانت بارزة في شخصية الرسول (صلوات الله عليه وعلى آله) في ممارساته وسلوكه مع الناس الذين هو أولى بهم من أنفسهم {النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنفُسِهِمْ}(الأحزاب: من الآية: 6) ولهذا قال الله عنه: {لَقَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ}(التوبة من الآية: 128) يعز عليه ويؤلمه أي مشقة تلحقكم، هذه صفة هامة جداً {عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ} أي مشقة تلحقكم {حَرِيصٌ عَلَيْكُم} بكل ما تعنيه الكلمة، حريص عليكم بأن تنشؤا أمة مستقيمة، بأن تكونوا أمة قوية، بأن تنشؤا رجالا حكماء، أصحاب نفوس زاكية، أصحاب نفوس عالية، حريص أن لا يلحقكم أي ضر مهما كان {بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ} .
إذاً عندما ترجع تتصفح القرآن الكريم بالنسبة لله سبحانه وتعالى أليس هذا ظاهراً، وليس فقط نقول: ملموس ، ظاهر من خلال القرآن الكريم مظاهر رحمته ، رأفته ، رعايته ، أنه فعلا بالنسبة لعباده هم محط عناية كبيرة جداً تساوي {حَرِيصٌ عَلَيْكُم} ما نمتلك عبارة بالنسبة لله نقول: هكذا، لكن مثلما قرأنا في الآية السابقة {إِنَّمَا جَزَاء الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ} (المائدة من الآية: 33) وكثير من الآيات غيرها، هذه الجوانب الهامة جداً هي الجوانب التي يحتاج إليها الناس، وهذه هي الجوانب التي لا يمكن أطرف الناس أن يعملها، أما الجانب الآخر فبإمكان أي شخص يفوز بانتخابات، أو بانقلاب عسكري، أو عن طريق وراثة، أو بأي طريقة كان فيصل إلى الحكم، ويمارس الحكم، ويجلس ولو أربعين سنة، ولكن هل تجد له أثراً في تربية الأمة، رعايتها، تنشئتها، بناءها بناء صحيحا، لا تجد إلا العكس.
إذاً فقبل أن نتساءل عن ما هو النظام السياسي في الإسلام كنظام هيكلية الدولة، اسأل عن مهام الدولة في الإسلام، مهام السلطة في الإسلام ما هي ؟ هي هذه، وليس فقط: هل هو شخص واحد، أو مؤسسات؟ هل عن طريق انتخابات، أو عن طريق اختيار، أو عن طريق شورى أو..أو ..إلى آخره ، في المقدمة ما هي مهام الدولة في الإسلام؟
الإمام علي (صلوات الله عليه) هل كان إنسانا ضعيفا نفسيا؟ لم يكن ضعيفا نفسيا على الإطلاق، كان قويا، كان بإمكانه أن يخضع أهل العراق، ويخضع الجزيرة هذه، ويخضع كل البلاد الإسلامية، ويدير الأمور بشكل أقسى مما عمل معاوية، أليس هو يستطيع أن يعمل هذه؟ لكن اقرأ ما الذي ترك معاوية، وما الذي ترك الإمام علي، عندما تقرأ في نهج البلاغة تجد كيف ترك حتى فيما يتعلق بالوعي السياسي للناس، ترك تراثا هاما جداً، مثل عهده إلى مالك الأشتر، تجد نصوص خطبه وتوجيهاته ـ مع أنه قد يكون فقط قليل، ما وصل إلينا في نهج البلاغة قليل ـ كيف هو فعلا عمل الإنسان الذي يفهم السلطة في الإسلام ما هي، يفهم الدين من حيث هو بالنسبة للإنسان ما هو دوره، أن الله كرم الإنسان {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ} (الإسراء من الآية: 70) فيجب أن يكون الحكم للناس بالشكل الذي يسمو بهم، يكون متناسبا مع تكريم الله لهم، وليس بالشكل الذي يحطهم، ويقهرهم، ويذل نفسياتهم؛ ولهذا أصبح جانب كبير من المسئولية على نفس الأمة، على نفس الناس؛ لأن القضية هنا إضافة إلى خبرة إدارية، وخبرة تربوية، وتوجيهية بالنسبة لمن يلي أمرها لازم بالنسبة لها هي أن يكون لديها وعي، هو أن تعرف بأن من الأفضل لك أن تعيش في سلطة فيها مثل الإمام علي (صلوات الله عليه) لا تخاف أنه يمكن أن يظلمك، لا تخاف أنه بمجرد وشاية معينة إليه يمكن أن يسجنك، أو يقتلك، لا تخاف أن جواسيسه بعدك أينما ذهبت، لا تلمس أي خوف في نفسك، ولا أي شعور بقهر وإذلال ممن يحكمك ، أليس هذا الذي يتناسب مع كرامة الإنسان؟.
يجب أن تكون فاهما أن على الإنسان نفسه أن يكون واعيا وفاهما ؛ لأنه فعلا المسألة، أو تقول نصف الموضوع هو يتوقف على الناس؛ ولهذا كان الإمام علي والرسول من قبله (صلوات الله عليه وعلى آله) يوجهون الناس يوجهونهم على أساس يفهمون هم، ينطلقون هم، يتحركون هم، لا يرضون لأنفسهم أن يكونوا من النوعية التي لا تتحرك إلا إذا سيقت بالعصا، لا تتأدب إلا إذا ضربت بالأسواط .
الإمام علي تعب جداً في هذا الموضوع، وكان باستطاعته أن يمارس السلطة، واحد من جماعته وليس هو ، واحد من جماعته باستطاعته أن يمارس السلطة بأرقى مما عمل معاوية ، لكن معاوية ما الذي ترك ؟ ما الذي سمعنا عن سلطته عن إدارته لشئون الأمة ؟ وماذا عمل ؟ سمعنا بقهر ، بإذلال ، بتدمير ، بسفك للدماء ، بتضليل رهيب للأمة ، تحريف لقيم الدين ، إذلال للأمة ، ومن أخطر الأشياء على الأمة أن تذل بواسطة من يحكمها، لكن الأمة إذا لم تكن واعية، إذا لم تكن واعية فعلا، تكون هي التي تعبر عن نفسها بأنها ليست جديرة إلا بمن يسوقها بالعصا، ويذلها ويقهرها .
الإمام علي أوكل المسألة إلى الواقع بعد أن فهمهم، وبين لهم، ووضح لهم، ووجههم، وحذرهم من العواقب، ما قبلوا، ولم يرضوا أن يتحركوا، ويتفاعلوا بالشكل المطلوب، ذاقوا العاقبة من بعد، ألم يذوقوا الأمرين عندما تسلط عليهم بنوا أمية من بعد؟ معاوية ومن بعده يزيد ومن بعده بنوا أمية واحد بعد واحد. الأمة هذه مسئوليتها كبيرة ، الهدى الذي قدم إليها مهمته بالنسبة لبناء النفسية مهمة عالية جداً، يصل بالنفس إلى مستوى عالي جداً، مهمتها في حركة هذا الدين لإيصاله إلى الأمم الأخرى، تحتاج إلى أن تربى على هذا النوع، تحمل نفوسا كبيرة، نفوسا كريمة، نفوسا عزيزة، نفوسا أبية، لا يكون قد أذلها، وحطها القهر، قهر التسلط .
لاحظ الآن عندما حكم العرب الكثير من حكامهم، الكثير منهم بسياسة القهر والتسلط، أنت هنا ضربت الأمة، لم تعد هذه الأمة صالحة لأن تدافع عن نفسها ، ألفت القهر، ألفت الإذلال ، ضعفت نفوسها، انهارت معنوياتها؛ لهذا يكون هناك أثر سيء جداً، جداً للتسلط على الناس؛ لأنه يؤدي إلى قهر أنفسهم فيضعفون في مواجهة العدو، ويضعفون عن حمل الرسالة العظيمة هذه التي أوكلت إليهم.
هذه القضية من أهم الأشياء، حتى نعرف هل للإسلام رؤية سياسية ـ كما يقولون ـ هل الإسلام فيه ولاية أمر، أو ليس فيه شيء؟ كيف نظرة الإسلام إلى هذه القضايا التي يتكالب عليها الناس، ويتسابق عليها الانتهازيون؟ لا يمكن أن تفهم القضية إلا أن تبدأ من عند الله سبحانه وتعالى فتعرف وهو يقول عن نفسه بأنه الملك، ألم يقل بأنه ملك؟ انظر إلى كيف ملكه هو، كيف ملكه، هل هو ملك تسلط وقهر وجبروت، أو ملك رعاية وتربية؟ وفي الأخير ـ فعلاً ـ لمن لا ينفع معهم أي شيء يضربهم، أليس هذا الذي نلمسه في القرآن بالنسبة لله سبحانه وتعالى؟
انظر إلى ولاية الله سبحانه وتعالى لأمر عباده، واعرف أن ولايته هنا عن طريق رسوله، أو الذين آمنوا، إنما هي امتداد لولايته، ويجب إذا لم تكن على هذا النحو، فليست امتدادا لولايته، إذا لم يكن من يلي أمر الأمة يتعامل مع الناس بالشكل الذي يلمسه من خلال مظاهر ملك الله، مظاهر ولاية الله سبحانه وتعالى على عباده، معنى هذا ماذا؟ أنه لا يعتبر امتداداً لولاية الله أبداً، هو مفصول عن الله، وسيترك آثاراً سيئة في نفوس الناس، وفي واقع الحياة. حصل الخطأ الكبير حتى عندنا نحن الزيدية، عند الزيود، ما بالك بالآخرين الذين جعلوها جائزة، من قفز على كتف، وعلى كاهل هذه الأمة تجب طاعته، وإن قصم ظهرها، وإن لعب بأموالها، وإن داسها، تجب طاعته! أيضاً قدموا عندهم الفكرة هذه: ما هي ولاية الأمر؟ قالوا في الأخير هي: [رئاسة عامة] يجيش جيوشا، ويعين ولاة، ويعزل ولاة، ويقيم حدودًا، ويستلم زكاة، وانتهى الموضوع.
القضية أوسع من هذا بكثير، وإذا لم نفهم المسألة على هذا النحو، معنى هذا أننا جاهلون فعلا بالله، وجاهلون بمثل هذه الآية نفسها {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ} وليكم، أليست بعبارة مفردة {الله وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ} أي بالتأكيد أن ولاية رسوله وولاية الذين آمنوا ـ الذي هو الإمام علي ومن كان كمثل الإمام علي ـ تعتبر امتداداً لولاية الله، هنا ستعرف أهمية ولاية الأمر في الإسلام بالنسبة للأمة، وأهميتها بالنسبة للدين، وأهميتها بالنسبة لإقامة الدين، ليست القضية هل يجوز أن يكون من هؤلاء، أو هل يجوز أن يكون بشورى، أو يكون بانتخابات، أو أن يقفز بانقلاب عسكري، أو بأي طريقة كانت، ليست القضية حول هذا، هل يكون واحدًا، أو عشرة، أو عشرين أو .. إن الإسلام لديه رؤية ـ إذا صحت العبارة ـ أن يحكم الأمة بكلها ، البشر بكلهم، قدم رؤية أرقى رؤية لحكم العالم بكله فضلا عن إقليم من الأقاليم .
عندما يقول البعض: أبو بكر ماذا فيه من عيب؟ أليس البعض يقول هكذا؟ أبو بكر هو هذا سير جيشا إلى الشام، وقاتلوا كذا، وأشياء من هذه، هذه كلها تكون نتيجة قصور في فهم ولاية الأمر في الإسلام ما هي، بالنسبة للأمة، أو بالنسبة للدين بكله ما هي، تراها قضية واسعة جداً، جداً؟ لا يستطيع مثل أبي بكر، ولا مثل عمر، ولا مثل عثمان أن ينجح فيها على الإطلاق، لا يستطيع حتى وإن حاول أن يُخلِص، ليست قضية تعود إلى أنه مخلص أو غير مخلص، وإن أخلص، وقد أوضح الرسول (صلوات الله عليه وعلى آله)) للناس وضرب مثلا يبين للناس بأن هؤلاء غير جديرين بقيادة الأمة عندما ولاهم في خيبر، أعطى الراية في يوم من الأيام أبا بكر رجع منهزما أمام اليهود، أعطى الراية عمر فرجع منهزما أيضاً من جديد أمام اليهود.
ثم تعود إلى هذا الدين وإذا هو يعطي هذه الأمة مهمة عالمية وكبيرة جداً، جداً حركة جهاد في العالم، إيصال هذا الدين إلى كل أنحاء العالم، أليس هذا بالتأكيد يتطلب قيادة عالية؟ فالذي انهزم أمام اليهود، وليس قبيلة عربية، ربما لو كانت قبيلة عربية الأمر أهون، لأن القبل العربية أقوياء، لكن اليهود هم أذلة، انهزم أمامهم، هذا يعطي مؤشراً واضحا بأن مثل هذا ليس جديراً بقيادة أمة مجاهدة، وتربى على أساس أن تكون مجاهدة، وتحمل هذه الرسالة إلى العالم كله . نحن نعتبر بأنه تراجع الدين، وتراجعت الأمة تراجعاً كبيراً جداً، جداً من أيام أبي بكر إلى الآن .
لكن إذا أنت فاهم فقط أن ولاية الأمر فقط تعني: واحد يرتكز يجيش جيوشاً، أيّ واحد يستطيع يجيش جيوشا، ويعين محافظين، ويزيل محافظين، أو أمراء، أو ولاة، على حسب منطق السلطة في أي زمن كان، أليس باستطاعة أي واحد، وباستطاعة أي واحد يقسم الأموال لهذا، وهذا، وهذا، باستطاعة أي واحد أنه يحاول يسترضي كبار العشائر، يعطيهم أمولا كبيرة، والباقين في ستين داهية، أليس باستطاعة أي واحد يعمل هذه؟ أليست هذه مظاهر تتنافى مع ولاية الله؟
إذًا فبالتأكيد أنه ليست قضية الولاية قضية فقط نختلف حول: هل واحد أو اثنين أو أن يكون واحد فقط، أو يكون هناك مؤسسات، أو تكون الطريقة هكذا، أو تكون الطريقة هكذا، حول ما يسمى نظام، أو هيكلية، حول المهام ما هي أولاً.
{إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ} (المائدة: 55) في كثير من المواضع يأتي بالكلام عن الصلاة والزكاة وكأنهما نموذج للمجالين الرئيسين في العبادة ـ مثلما يقولون ـ عبادة روحية، وعبادة بدنية مالية. هذه الآية المشهور فيها أنها نزلت في الإمام علي (صلوات الله عليه) عندما تصدق بخاتمه وهو راكع، ومثلما قلنا في درس سابق: أن هذا فعلا يعطي مؤشراً هاماً جداً، الإمام علي عندما دخل فقير يسأل ولم يعطه أحد أشر إليه بخاتمه ليأخذه.
إذاً قضية الخاتم أليست تبدو قضية بسيطة؟ لكن ماذا تدل عليه؟ تدل على نفسية ثانية، نفسية تهتم بالناس، أليس هذا مؤشرا كبيرا؟ نفسية رحيمة، ونفسية تهتم بالناس، وليس يهتم كيف يأخذ حق الناس، يهتم بالناس، فأعطاه الخاتم، معناه: أن الأمة إذا لم تكن على هذا النحو: تتولى الله ورسوله وتتولى الذين آمنوا ستنهار، وفعلا قد تصبح فيما بين واحد من اثنين: إما أن تكون متولية لليهود والنصارى، أو متولية للذين آمنوا، فعلاً أن المسألة تصل إلى هذا أعني: لا تلحظ في كثير مما يقدم في القرآن في أجواء تبدو وكأنها أجواء مقارنة إلا ومعنى هذا أنه إذا ما حصل تقصير هنا سيكون الطرف الآخر هو البديل، إذا حصل تقصير في تولينا لله ورسوله والذين آمنوا سيكون اليهود والنصارى هم البديل ، أليس هذا واقع الآن ؟ واقع.
هذه الآية هي نزلت في الإمام علي فعلاً، وقلنا في درس سابق: بأن الآية هي نفسها تشهد، وتدل على أنها نزلت في قضية خاصة، بداية نزولها قوله: {يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ} لا يمكن أن نفسر راكعون بمعنى: مصلون، إذ كيف يمكن يقيمون الصلاة وهم مصلون، ويؤتون الزكاة وهم مصلون، هذا لا يصح في التعبير العادي فضلا عن القرآن الذي أحكمت آياته، ولم يأت فيما نعرف كلمة: راكعون بمعنى: خاضعون، يأتي بكلمة: ساجد ، ساجدين، أو قانتين، هذا الذي نعرفه من خلال القرآن، فالآية نفسها هي فعلا تدل على أنها نزلت في قضية، في واقعة خاصة، لشخص خاص، في بداية نزولها، وما تزال، ولنعرف مثلا لماذا أنه تأتي مثل هذه الآية في سياق الحديث عن بني إسرائيل، ويظهر من خلال الواقع: أن الأمة بحاجة إلى تولي الله ورسوله، وتولي المؤمنين في المقدمة الإمام علي من بعد رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله) .
أن هذه القضية لا بد منها حتى تهتدي بالقرآن، وحتى تكون بعيدة جدا عن أي محاولة قد تكون بها قريبة من تولي اليهود والنصارى، وحتى تكون بشكل أخير على مستوى عالي، تعتبر حزب الله، وحزب الله كما قال :{هُمُ الْغَالِبُونَ} كما قال بعد في آخر الآية أنهم هم الغالبون؛ لأن الإمام علياً ، وهذا هو منطق الإمام الهادي هو يعتقد أن ولاية الإمام علي هي قضية واجبة على المسلمين، قد تكون القضية مختصة بالإمام علي أساساً، قد يكون بعده أئمة متأخرين قد لا تكون تعرفهم، قد لا تكون مسئولاً أمام الله بأنك لماذا لم تعرفهم، وتتولاهم بالتحديد، الإنسان يتولى المؤمنين بشكل عام ، بشكل عام يتولى أولياء الله، ويدين الله بولايته لأوليائه، وحبه لأوليائه، لكن الإمام علياً هنا يشكل ضمانة، ويشكل نموذجاً يقدم، قدم كنموذج لكيف يجب أن تكون ولاية الأمة من بعد رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله) إلى نهاية التاريخ .
الإمام علي نفسه قدم لهذه الأمة نموذجاً فمن يكون متوليا للإمام علي فعلا سيرى ولاية الأمر في الإسلام أنه يجب أن يكون من يلي أمر الأمة يتحلى بقيم، بروحية شبيهة بما لدى الإمام علي، أليس هذا حاصلا لدى الشيعة؟ ألم تبق عند الشيعة هذه الرؤية؟ بقيت هذه الرؤية عند الشيعة لماذا؟ لأنهم متولين للإمام علي، من يكون متوليا للإمام علي يكون في نفس الوقت يدين ويعتقد ـ لأن هذا معنى ولايته ـ أن هذا الدين لم يترك القضية فراغ، ولم يتناول موضوع ولاية أمر الأمة، أن الإمام علياً، هو أول شخص من بعد رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله)، عينه الرسول (صلوات الله عليه وعلى آله) يعني ماذا؟ أنك تدين بأنه ليس هناك فراغ على الإطلاق، وأن رسول الله مات وترك الأمة هكذا تبحث لها لمن ترى، أو من قفز فوق كاهلها فحياه الله.
تتجلى الصفات المعاكسة الآن، أليست تتجلى في واقع الأمة الآن عند من يلي أمر الأمة هذه؟ وعلى الرغم من أهمية هذا الزمن، وكثرة الإمكانيات فيه، والوسائل التي كانت تؤهلهم لأن يبنوا الأمة، لو كان هناك رحمة، وهناك رعاية، وهناك حرص، وهناك من هذه المواصفات العالية، ألن يكون واقع الأمة بشكل يختلف عما هي عليه الآن؟ إذاً ما الذي فقدت الأمة فيمن يلوا أمرها الآن على اختلاف بلدانهم؟ ما الذي فقدته؟ ألم تفقد صفات في هؤلاء؟ ألم تفقد صفات هي مرتبطة بالأمة هذه، مرتبطة بهذا الدين؟ هذا الذي فقدتها، لما كانوا فاقدين لها فقدتها الأمة، أصبحت الأمة في وضعية سيئة جدا، أليس هذا الذي هو معروف الآن؟
كما قلنا سابقا بالنسبة لقول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ...} (المائدة: 54) إلى آخر الآية، ألم يأت بصفات في هؤلاء؟ ثم يأتي بعدها: {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ} (المائدة: 55) بالتأكيد يجب أن يكون هؤلاء متولين لله ورسوله وللذين آمنوا والإمام علي في مقدمة الذين آمنوا بعد رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله) قضية أساسية، وإلا فلن يهتدوا بالقرآن، ولن يحملوا تلك المقومات، والصفات الهامة. ولاحظوا أن القضايا كلها عملية في الإسلام، والولاية ليست فقط أن تحب له كما تحب لنفسك، وتكره له كما تكره لها، يجب على الأمة أن تتولى، المؤمنون يجب أن يتولوا الله ورسوله والذين آمنوا؛ لأن مهمتهم كبيرة، والخطورة عليهم كبيرة، متى ما تولوا الله ورسوله والذين آمنوا أصبحوا حزب الله؛ ولهذا قال بعد: {وَمَن يَتَوَلَّ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ فَإِنَّ حِزْبَ اللّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ} (المائدة: 56) يعني: فهؤلاء سيكونون حزب الله، وحزب الله هو الغالب لا شك في ذلك.
أليس هذا يعني: بأنها قضية ضرورية بالنسبة للناس، بأن يكونوا غالبين في مواجهة هذا العدو الذي يشكل خطورة كبيرة عليهم؟ أليس الناس كلهم بحاجة إلى مثل هذه الآيات؟ هم الآن في حاجة إلى من ينقذهم من هذا العدو ما بالك بأن يغلبوا، كل العرب الآن حكوماتهم وشعوبهم، الأمة هذه كلها، المسلمون بحاجة الآن إلى من ينقذهم من أمريكا، تجلس محلها، وهم يجلسون محلهم! بينما هنا تجد في القرآن الكريم أنه يقدم ما يجعلهم إلى درجة أن يكونوا غالبين لهؤلاء الأعداء. إذاً أليست تعتبر خسارة كبيرة: أن لا يعودوا إلى القرآن الكريم، وأن لا يكونوا على ما يهدي إليه؟! عندما يقول واحد: أنه لماذا لم يذكر عليا؟! أليس البعض يقول هكذا؟ لماذا لم يذكره باسمه؟ القضية ليست بهذا الشكل، القرآن يقدم أسساً، مبادئ، مقاييس، مواصفات هي فوق مجرد اسم، فوق مجرد اسم، عندما يكون هذا الدين هو لهذه الحياة إلى آخر أيام الدنيا فهل معناه لازم أن يقدم قائمة بالأسماء: فلان بن فلان، وفلان بن فلان.. إلى آخره، ثم لا تدري إلا وكل واحد يسمي ابنه بذلك الاسم، ألم يحصل هذا عندما يقولون: أن المهدي سيكون اسمه: محمد بن عبد الله؟ جاء الكثير ليسموا أولادهم محمد بن عبد الله، محمد بن عبد الله على أساس ربما يكون المهدي، وهكذا.
إن القضية الأساسية هي: أن يبين كيف يجب أن يكون من يلي أمر الأمة، كيف يجب أن يكون، ثم إن المسألة هي أعلى من مجرد أن يكون اسمه فلان، أو فلان، هذه قضية مرتبطة بالله هو الذي يختار ويصطفي ويؤهل هو ، لا يعطي قائمة معينة من الأسماء، هنا القضية متميزة في القرآن أدق من الأسماء فعلاً، القضية وفق رؤية القرآن متميزة أدق من الاسم، أما الاسم فممكن يطلعون لك عشرات الأسماء، وكل واحد يدعي بأنه هو فلان يقدم لك قائمة: فلان بن فلان، وفلان بن فلان، ألم يحصل ادعاءات للمهدوية على طول التاريخ هذا؟ من جاء واسمه محمد بن عبد الله قال : المهدي ، وهكذا، وتكون الأمة منتظرة للاسم، منتظرين الإسم، أن يكون اسمه كذا، فيكون هذا متحرك بالاسم هذا، وذلك من هناك متحرك هو بالاسم هذا، قال ذلك : أنه المهدي ، وذلك قال: لا بل هو ، قال: أنا أسمي: محمد بن عبد الله، قال ذلك : وأنا اسمي: محمد بن عبد الله، أو أحمد عبد الله أو .. أسماء، أحمد، أو محمد كما يقولون !!.
لا، المسألة قدمت بأدق من التسمية، مبدأ التكامل، وأن القضية مرتبطة بأن تعرف الله في المقدمة، تعرفه هو سبحانه وتعالى، ثم تعرف كيف ولايته التي هي عن طريق أحد ممن يصطفيهم من أنبيائه، ورسله، أو من أوليائه، كيف ستكون ولايتهم، وكيف يجب أن تكون ولايتهم، أنها امتداد لولايته، فتجد في القرآن تشخيص ، تشخيص بأدق من الاسم، أدق من الاسم، هذه قضية تقدم للأمة كتثقيف، تثقف بالرؤية القرآنية، وستميز المسألة بأدق من التسمية ، ولهذا نحن نقول: غير صحيح عندما يقول الإثناعشرية: واحد، فلان ابن فلان، وواحد، فلان ابن فلان، قدموهم مسلسل، نجح عليهم المسلسل في نصف القرن الثالث إلى مائتين وخمسة وخمسين، في الأخير [يحنبوا] إلى الآن على مدى أكثر من ألف ومائة سنة .
أن يذكر الاسم مثلا أليس الناس سيكونون بعد الاسم، منتظرين للاسم، وسيحصل تزييف عن طريق الأسماء، لكن هنا في القرآن قدمت المسألة فيما يتعلق بولاية الأمر، وفي منهم الذين يمكن أن يخلفوا رسول الله في أمته، قدمت بالشكل الذي لا يحصل التباس فيها على الإطلاق، ولا يحصل اختلاف؛ ولهذا كان الإمام الهادي يقول: ( لن يشتبه اثنان ) نهائيا عندما قالوا: [فإن كان ذلك عالم والثاني عالم وهذا كذا] في الأخير قال: ( هذه مجاراة وإلا لن يلتبس اثنان في المسألة) لكن يكون تميزاً واضحاً، اختياراً إلهياً، اصطفاء إلهيا، وليست مسألة تأهيلية، كل واحد من عنده، بالاسم، أو بالتأهيل، أو بشهادة جامعية، أو بشهادة أزهر، وأشياء من هذه، فيكونون متنافسين على من الأعلم، من الأورع، من الأزهد، من الأكبر من الأصغر وهكذا.
لاحظ كيف ضرب مثلاً لبني إسرائيل أنفسهم، ومثل للأمة كلها، أليس عيسى بن مريم بعدما ولدته أمه ذهبت به إلى قومها طفلا بين يديها، طفلا، والكنائس مليئة بالحاخامات حقهم، وربما كل واحد منهم عنده أنه لو ينزل وحي من السماء لما نزل إلا عليه، والثاني مثله، وهكذا، يأتي طفل تقدمه أمه: أن هذا هو الذي سيكون رسولا، سيكون رسولا، وينتظرون حتى يكلم الناس كهلا، كلمهم في المهد بقي طفلا إلى أن أصبح شابا، ثم أوحي إليه بتبليغ الرسالة، والنهوض بالرسالة.
ومع هذا وتطبيقا لمثل هذه الآية التي ستأتي بعد، ألم يعلن بالاسم، وهل أفادهم الاسم بعد أن أعلنه يوم الغدير ((فهذا علي مولاه)) ألم يقل هكذا (صلوات الله عليه وعلى آله)؟ : (( فمن كنت مولاه فهذا..)) بالإشارة، أليس تعيينا وهو ممسك له بيده ((علي)) ألم يذكره باسمه ((مولاه))، وفي الأخير يطلعوا بدلا عنه واحد اسمه: أبو بكر! ألم يطلعوا شخصا آخر باسم آخر؟ لأنهم لو فهموا المسألة بالشكل المطلوب، لو كانوا يتفهمون فعلاً، لو كانوا يتفهمون، ولذلك نقول: التفهم زيادة على مجرد قضية الإيمان، ويجب أن نفهم هذه، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ آمِنُواْ} (النساء من الآية: 136) أليس هذا إيمان داخل إيمان؟ لو كانوا متفهمين بالشكل المطلوب للمسألة بكلها، ولو عرفوا مسئوليتهم في الالتزام أمام رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله) لما قبلوا غير علي على الإطلاق؛ لأن مواصفاته واضحة، كماله معروف، وبالتعيين أيضاً. فعندما يقول لك: لماذا لم يذكره هنا في القرآن، ذكره بأدق من الاسم، ثم انظر أنت هل نفع الاسم معهم؟! إذا لم ينفع الاسم مع أولئك الذين كانوا تلاميذ رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله) هل سينفع الاسم من بعدهم؟.
ولأن القضية هي بيد الله ـ كما قلنا أكثر من مرة ـ أن موضوع إقامة دين الله ، موضوع قيادة الأمة، وتربيتها لتكون على مستوى عالي في النهوض بمسئوليتها، أنها قضية تختص بالله، وأنها القضية التي لا يمكن للناس أن يختلفوا فيها إذا فهموها؛ لأن بقاءها بيد الله يشكل ضمانة للأمة، تبعدهم عن التزييف، تبعدهم عن الادعاءات الكثيرة، تبعدهم عن التضليل، تبعدهم عن القهر والتسلط والإذلال، تبقى القضية بيد الله، وهذه هي سنة الله، أنه هو الذي يصطفي ويختار {وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ} (القصص من الآية: 68) {ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا} (فاطر من الآية: 32) .
ولاحظ هنا في القرآن الكريم، ألم يقدم موضوع ولاية الأمر قضية تتركز بشكل أساسي على موضوع الكتاب، على موضوع الهداية، والتربية، وبناء الأمة، ليست الأشياء التي يسمونها الآن سلطة تنفيذية إلا جوانب قد تكون ربما لا تمثل إلا عشرة في المائة، قد لا تمثل فعلاً باعتبارها تنفيذية، إلا عشرة في المائة من مهام ولاية الأمر، في الإسلام، وأن هذا الجانب هو الجانب الذي سيخفق فيه أي شخص ليس ممن اختاره الله كائنا من كان، سواء من داخل أهل البيت، أو من خارجهم، سيخفق فيه، الجانب الآخر هذا مهما كان، أما الجانب الثاني: السلطة التنفيذية فيمكن أي واحد [يديول] لكن في الأخير انظر كيف آثار هذه الديولة في تاريخ الأمة من ذلك الزمن إلى الآن، كيف أصبحت الأمة هذه!؟.
مثلما قلنا سابقا في درس ربما قد يكون من أول الدروس في الموضوع، في [يوم القدس العالمي] اعتقد بأنه فعلا أن القرآن يقدم القضية بالنسبة للأمة هذه أمام أعدائها، أمام هذا الخطر الكبير الذي يدهمها الآن لا مخرج لها على الإطلاق إلا العودة إلى هذه الآيات، إلى هذا القرآن، التولي لله ورسوله والذين آمنوا، وفي مقدمة المؤمنين علي بين أبي طالب، قضية أساسية ...
في الأخير قدمت ولاية الأمر بشكل آخر فلم تعد تعني إلا السلطة التنفيذية، حتى أصبحت المسألة بأنه إذاً لم يعد معناها إلا ما يسمونه احتكار، أو استبداد، أو بأي عبارة، عندما قدمت ولاية الأمر بالشكل الذي يمكن أن يكون من أهل البيت أو من غير أهل البيت، ألم تقدم هكذا؟ وإذا لم يبرز موضوع أن يكون من أهل البيت إلا قضية شكلية، الآخرون رأوا بأنها ليست منطقية هذه، فقط أن يكون من هؤلاء لمجرد السلطة التنفيذية ....
{قَالَ لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ} (البقرة من الآية: 124) وإن كان من ذريته، وإن كان من آل إبراهيم، أو من آل محمد، لا ولاية له على الإطلاق، ولا يصح أن يعهد الله إليه نهائيا؛ لأنها قضية هامة جدًا، وواسعة جداً، وليست بالشكل الذي يقول الإمامية: هيمنة على ذرات الكون، ويجب أن يعلم الغيب.. لا، على النحو القرآني، من يخلف رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله) يجب أن يكون على هذا الأساس على النحو القرآني تماماً.
يأتي بالآية هذه، ألم يأت بها ثم يذكر في نهايتها: {وَمَن يَتَوَلَّ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ فَإِنَّ حِزْبَ اللّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ} (المائدة: 56) في إطار الحديث عن بني إسرائيل من قبل الآية ومِن بعدها.
إذًا أليس هذا يعتبر من أبرز مظاهر رحمة الله بعباده؟ لكن هم الذين يظلمون أنفسهم هم، يعني: لا يزال أمام العرب، أمام المسلمين الآن أن يبحثوا كيف يسلمون شر هذا العدو الكبير، أليس لديهم هنا ما يجعلهم غالبين على العدو؟ [ الدرس الثالث والعشرين من صفحة [ 1 ــ 8] ]
[الله أكبر/ الموت لأمريكا / الموت لإسرائيل/ اللعنة على اليهود / النصر للإسلام]
دروس من هدي القرآن الكريم
ألقاها السيد/ حسين بدر الدين الحوثي / رضوان الله عليه.