وعن أهمية هذه المناسبة يقول السيد القائد عبد الملك رضوان الله عليه في خطاب يوم الولاية لعام 1437هـ: نفهم من هذه المناسبة بمضمونها وحدثها التاريخي أن يوم الثامن عشر من شهر ذي الحجّة شَهِدَ حدثاً تاريخياً إسْـلَامياً عظيماً ومهماً وأساسياً ذلك كان أثناءَ عودة النبي (صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِ وعلى آله) من حجة الوداع، وحجّة الوداع هي كما أسماها النبيُّ (صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِ وعلى آله)، ودَّعَ فيها أمته، وقال في خطبته الشهيرة وهو في الحج يخاطب أمته «ولعلي لا ألقاكم بعد عامي هذا»،
كما قال أَيْضاً في خطبته في مناسبة الغدير: «إني أوشك أن أدعى فأجيب» فالنبيُّ (صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِ وعلى آله) كان يعيشُ في أدائه الرسالي بحركته في الأُمَّـة في خطاباته وَاهتماماته وتوجُّهاته يعيشُ في وجداًنه الاستعدادَ للرحيلِ من هذه الحياة، وهو فيما يقدم للأمة وفيما يوجّه به الأُمَّـة وفيما يتخاطبُ به مع الأُمَّـة هو في المراحل النهائية لتمامِ الرسالة الإلهية في تبليغه (صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِ وعلى آله) ونشاطه التبليغي في أوساط الأُمَّـة، وكان يحسسُ الأُمَّـة بهذا حينما يقولُ «ولعلي لا ألقاكم بعد عامي هذا»، حين يقول «إني أوشك أن أدعى فأجيب» فأجيب الله وارحل إلى جواره ويستضيفني إلى رحمته، ويحسسُ الأُمَّـة إنما سأقدِّمُهُ لكم وما أقولُه لكم هو في غاية الأَهميَّة لما بعد رحيلي من هذه الحياة، لما بعد ارتقائي وعروجي إلى رحمة الله سُبْحَانَه وتَعَالَى، أي أن ما كان يقدمه في المرحلة الأخيرة والمحطة الأخيرة من محطاته الرسالية هو مهمٌّ جداً لما بعد ولمستقبل الأُمَّـة.
ولذلك الرسول (صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِ وعلى آله) وَأثناء عودته من مكة من الحج وفي طريقه إلى المدينة وفي منطقة بالقُرب من الجحفة في منطقة في وادي غدير خم، في تلك المنطقة نزل عليه قولُ الله سُبْحَانَه وتَعَالَى :
(يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ)
نصُّ مهم جداً وساخن يدلل على أمر في غاية الأَهميَّة لحيوية الرسالة بكلها، للحفاظ على الرسالة في مستقبلها، لإعطائها الواقع والدافع العملي والفعال في الحياة لاستمراريتها بالشكل الصحيح والنقي. الآية المباركة لا تعني بأي حال من الأحوال أن النبي (صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِ وعلى آله) كان يتردد في التبليغ نهائياً، هو لا يخشى في الله لومة لائم وهو معروف (صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِ وعلى آله) بتفانيه في سبيل الله.
وَهو أساساً قد تجاوز مراحل صعبه جداً في تبليغ الرسالة تناول أهم القضايا الحساسة جداً، بلغ التوحيد وواجه حالة الشرك التي كانت ثقافة باطلة مترسخة يتعصب لها المجتمع على أشد حال من العصبية، وبلَّغ أمور الإسْـلَام جملةً وتفصيلاً في كُلّ الاتجاهات، الجوانب العقائدية، والجوانب العملية، كذلك الموقف الإسْـلَامي الموقف القرآني من كُلّ حالات الانْحرَاف السائدة في واقع الحياة في الأرض، الموقف من الانْحرَافات السائدة في أوساط الوثنيين، الانْحرَافات المنتشرة في أوساط اليهود وفي أوساط النصارى وفي أوساط كُلّ حالات الانْحرَاف في الأرض، وقدم مشروعه الرسالي، مشروع الله سُبْحَانَه وتَعَالَى، دين الله الحق الذي يمثل الصراط المستقيم والتصحيح الفعلي والحقيقي والسوى لواقع البشرية، والذي يعالج كُلّ اشكالات البشر. أَيْضاً على مستوى الصراع الآية هذه في آخر حياته ما قبل وفاته قد تكون بأقل من ثلاثة اشهر في شهر ذي الحجة أواخر السنه العاشرة للهجرة، وهو توفي على اختلاف الروايات في السنه الحادية عشرة، إما في شهر صفر أَوْ في أول ربيع على حسب اختلاف الروايات.
على كُلٍّ في آخر حياته يأتي هذا النص، تُرى ما هو هذا الذي له كُلُّ هذه الأَهميَّة وأهميته مرتبطة بحيوية الرسالة كلها بمستقبل الرسالة بكلها بفاعلية الرسالة في أثرها بالناس وأثرها بالحياة؛ لأن قوله ( وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ)، يعني بأن هناك مسألةٌ مهمةٌ، بلاغُها وتمسُّكُ الأُمَّـة بها يعطي حيويةً لكل رسالة الله، يعطي نجاحاً للمشروع الإلهي بكله، عدم تبليغها أَوْ تبليغها وعدم تفاعل الأُمَّـة معها له مردود سلبي يعود عكسياً في إضعاف الدور الديني، الأثر النافع والمفيد لرسالة الله في واقع الحياة، الفاعلية لبقية تعاليم الإسْـلَام.
أمرٌ كهذا له هذه الأَهميَّة، عليه هذا التأكيد وأحيط بضمانة إلَهية لتمكينه من تبليغ هذا الأمر في وسط بات وسط الأُمَّـة الإسْـلَامية بات الوسطَ الذي سيبلغ فيه هذا البلاغ وسطاً إسْـلَامياً الشرك انمحى آنذاك من الجزيرة العربية بكلها (وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ) كضمانة لتمكينه من التبليغ وإقامة الحُجَّة لله على عباده.
النبيُّ (صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِ وعلى آله) توقف على الفور وعمل على إعادة مَن قد تقدم من الجموع الغفيرة التي كانت معه في رحلته إلى الحج واستقر حتى تلاحَقَ المتأخرون واجتمع الكل في منطقة غدير خم في خمٍ رصت أقتاب الإبل وكان الوقت في الظهيرة أثناءَ الحرارة الشديدة وفي جو مشمس وواضح، وجمع الجميع، واستقروا في ذلك الجو، في كُلّ ما يوحي بأَهميَّة الموقف وأَهميَّة ما سيقدم للأمة، إنه أمر استثنائي فاصل ومهم وليس مجرد أمر عادي وبسيط نهائياً تحت حرارة الشمس في الصحراء في مكان مكشوف لا ظلالَ فيه إلا خمس شجرات دوحات أزيل ما تحتهن ورصت أقتاب الإبل ليصعدَ من عليها الرسول (صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِ وعلى آله).
وهناك تقدم النبي (صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِ وعلى آله) وَالجموع الغفيرة كلها تنظر إليه ترى ما هو هذا الذي قد نزل، ما هو هذا الأمر المهم الذي اقتضى سُرعة الإبلاغ على هذا النحو وإعطاء عملية الإبلاغ جواً يوحي بالأَهميَّة القصوى لما سيقدم، الكل انصتوا والكل سكتوا وجلسوا في تلك الحرارة الشديدة والكل ينظر باتجاه الرسول (صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِ وعلى آله) الذي صعد على أقتاب الإبل ليراه الجميعُ بوضوح وأصعد معه علي بن أبي طالب عليه السلام فوق أقتاب الإبل وتحدث بخطبته الشهيرة التاريخية المهمة جداً، وهي كذلك خطبة الوداع، في واقع الحقيقة في واقع الأمر، وهو قال فيها: «إني أوشك أن أدعى فأجيب» يعني سنة الله معي هي سنته مع الأنبياء من قبلي، الكل رحلوا من هذه الحياة (إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ)، (وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِّن قَبْلِكَ الْخُلْدَ)، (وَمَا مُحَمَّدٌ إِلا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ)، سنةُ الله معه وسنته مع من قبله من الأنبياء إلا أن هناك فارقاً كبيراً جداً في مسألة حسَّاسة للغاية، الأنبياء الآخرون السابقون ما قبله كانت يعقبُهم مراحلُ وفترات أنبياء يذهب نبي بعد فترة يأتي نبي آخر أَوْ رسول آخر وهكذا، أما النبي محمد (صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِ وعلى آله) فهو خاتم النبيين ولا نبي بعده، وأمته آخر الأُمَـم والبشرية من بعده ستعيش الحقبة الأخيرة على الأرض والمرحلة الأخيرة للبشر على الأرض والقيامة والساعة اقتربت.
ولذلك فليس هناك اعتبار أن نبياً آخر سيأتي أَوْ أن هناك كتاباً غير القرآن سينزل في مرحلة من المراحل أَوْ أي شيء آخر، لا، الرسول (صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِ وعلى آله) هو خاتم الرسل والأنبياء والقرآن الكريم خاتم الكتب الإلهية والمهيمن عليها، وَلكن هل سيترك النبي (صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِ وعلى آله) ما بعده فراغاً تاماً خصوصاً والتاريخ البشري في مراحله الأخيرة لربما من أهم مراحل التاريخ، ولربما هو خلاصة عن كُلّ مراحل التاريخ بكل ما فيه من تطوُّرات مهمة ومتغيرات كبيرة وواقع جديد وأمور مهمة جداً وتطور كبير في واقع البشرية وأحداث ساخنة ومتغيرات كثيرة... إلى آخره.
الرسولُ (صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِ وعلى آله) قَدَّمَ في خطابه في ساحة الغدير مسألتين مهمتين قال: «وإني تارك فيكم الثقلين ما إن تمسكتم به لن تضلوا من بعدي أبداً» يعني إني حينما ألحق بجوار الله لن أترككم عبثاً لن أترككم مهملين، لن أترككم بدون دليل ومعالم على الحق والهدى، لا، أنا تارك في أوساطكم ضمانة لأن تستمروا في طريق الهدى وفي طريق الحق وأن لا تتيه بكم وتتفرق بكم السبل المعوجة، وأن لا تتيهوا وتضلوا وتضيِّعوا كتاب الله، (وحَثّ على كتاب الله ورغّب فيه وسمّاه الثقلَ الأكبرَ وعترتي أهل بيتي إن اللطيف الخبير نبّأني أنهما لن يفترقا حتى يردا عليَّ الحوض).
واستمر في خطابه وأكد عليهم الإقرارَ لهم بتبليغ الرسالة وبكمال التبليغ وبإجابة الحُجَّة عليه، ثم أعلن إعلاناً مهماً جداً تاريخياً استثنائياً، وقال قد أنصت الجميع، والكل مركِّز الجو كله يساعد حتى على أَهميَّة التركيز وإعطاء المسألة أَهميَّة، «يا أيها الناس إن اللهَ مولاي وأنا مولى المؤمنين وأولى بهم من أنفسهم فمَن كنتُ مولاه فهذا عليُّ مولاه» أخذ بيد علي عليه السلام ورفع يده أمام الجميع حتى يسمع الجميع ويشاهدوا وفي الروايات أنه رفع يده ويد علي عليه السلام حتى بان بياض إبطيهما، «فمن كنت مولاه فهذا علي مولاه اللهم وال من ولاه وعاد من عاداه وانصر من نصره واخذل من خذله».