درس يوم الأحد
تابع...معرفة الله...وعده ووعيده. الدرس الثاني عشر
ألقاها السيد حسين بدر الدين الحوثي رضوان الله عليه
- نقاط هامة للمراجعة وربطها بالواقع
- هناك صور عديدة من صور العلمانية ولكن عند المسلمين أذكر بعضا منها.
- هناك حكومات متعددة داخل البلاد الإسلامية لا تعمل بالقرآن، بل هي من أبعدت نفسها وأبعدت شعوبها عن تدبير الله، وتحكم شعوبها بعقلية العلمانية.
- تشهد على الإنسان مواقفه، تشهد على الإنسان ضرورياته التي يعترف بها في الحياة أنه بحاجة شديدة إلى شرع الله ودينه.
- ما يجب على الإنسان هو أن يؤمن بأن التشريع هو لله وحده، أن الهداية هي لله وحده، من الله وحده وأن يكفر الإنسان بكل تشريع من عند غير الله، هذا ما لا بد منه.
- تحدث عن خطورة وأبعاد استخدامنا لكلمة (القانون) باستمرار.
- مع الدرس نسأل الله الهداية
أليس هذا موقفاً غريباً منا جميعاً، من الناس جميعاً بما فيهم المسلمون، المؤمنون بهذا القرآن العظيم؟ أليسوا هم الآن من يصيغون لأنفسهم دساتير وقوانين؟ أليسوا هم من أبعد أنفسهم عن الله فيما يتعلق بالجانب المهم، جانب الهداية، جانب التشريع، جانب الإرشاد، جانب الإنذار؟ ثم هم من نزلوا قاعدة: (لا علاقة للدين بالحياة، لا علاقة للدين بالدولة،
نحن سنضع شخصاً منا هو الذي يدبر شؤوننا، وهو الذي سيشرع لنا، أنتم وقرآنكم ابقوا هناك بعيداً داخل مساجدكم، داخل بيوتكم، على علماء الدين أن يبتعدوا هناك، نحن سنتولى تدبير شأن الأمة، ونحن سنضع الدساتير، ونحن سنصيغ القوانين، ونحن أعرف بمتطلبات العصر، ونحن أعرف بالمصالح لأمتنا ووطننا).
هكذا يقول الناس المؤمنون بالقرآن الكريم، وفي بقية الأمور يطلبون من الله أن يدبرها: أنزل لنا مطراً، أنبت لنا شجراً، اعمل لنا كذا وكذا وكذا.. إلى آخره. أليس هذا من الجحود بالله؟ أليس هذا من التنكر لله سبحانه وتعالى؟ أليس معنى هذا أن يتحول الله - كما قلنا أكثر من مرة - إلى مجرد عامل معنا؟ مجرد عامل معنا، لا بأس دبر الأشياء تلك من أجل أن توفر ذلك لنا لأننا لا نستطيع أن ننبت الشجر لأنفسنا أنبتها. لكن قيمتها وتصريف قيمتها أين تسير؟ نحن الذين سنتولاها.
أوليس هناك الملايين من الدولارات، الملايين تسير في الإفساد في الأرض؟ ومن أين جاءت هذه الملايين؟ جاءت من البترول الذي خلقه الله وأودعه للناس في الأرض، جاءت من مختلف المصادر التي هي أساساً من مخلوقات الله سبحانه وتعالى، من المعادن، من الثمار، من مختلف وسائل الإنتاج التي هي من مخلوقات الله سبحانه وتعالى.
فنحن قلنا لله: حقول البترول نحن نؤمن بأنها منك، هذه المزارع الكبيرة هي منك ونريد منك أن ترعاها، لكن فيما يتعلق بتصريف منتجاتها نحن الذين سنصرفها كما نشاء. أولسنا نحن المسلمين فيما يتعلق بالزكاة ننظر هذه النظرة؟
نقول لله في واقعنا: [أنبت لنا (قات) أنبت لنا (بُن) أنبت لنا (حبوب) أنبتها] ومتى ما أصبحت نقوداً في أيدينا أعرضنا بوجوهنا عنه، وقلنا: [هذا إلينا أنت لا تتدخل من الآن فصاعدا لا تتدخل في شأننا] أليس هذا صحيحاً؟ متى ما قال: {آتوا الزكاة} قلنا: لماذا نعطي الزكاة؟ نحاول أن نتهرب منها، والزكاة كم هي 10% أو 5% أو 2.5% نسبة بسيطة جداً. يقول لنا: أنفقوا في سبيلي، نقول: لا.
{قُتِلَ الْإِنْسَانُ مَا أَكْفَرَهُ} (عبس:17) قتل الإنسان ما أجحده! ما أبعده عن معرفة ربه! {ظَلُومٌ كَفَّارٌ} (إبراهيم: من الآية34) كما وصفه الله في القرآن الكريم.
كلنا نحن بني البشر: يهود ونصارى، ووثنيين، ومسلمين نظرتنا إلى الله - تقريباً – واحدة، أليس هناك حكومات متعددة داخل البلاد الإسلامية؟ هل هي تعمل بالقرآن، وتسير على نهج القرآن؟ لا.
هي من أبعدت نفسها وأبعدت شعوبها عن تدبير الله، وكما أسلفنا: أن تدبير الله للإنسان يختلف عن تدبيره للمخلوقات الأخرى، تدبيره لنا يتمثل جانب كبير منه - جداً في جانب الهداية، توجيهات، وإرشادات، وتشريعات، أليس هذا هو الجانب الأكثر الذي نحتاج إليه؟ ومما يشهد على أن هذا هو الجانب الأكثر: أن كل الشعوب من مختلف أجناس البشر كلهم ينطلقون لوضع تشريعات لأنفسهم، أليس كذلك؟ لأنهم يشعرون أنهم بحاجة إلى وضع دساتير ووضع قوانين ووضع لوائح، أليس هذا هو الذي يحصل؟ أي بنو البشر مسلِّمون على أنهم بحاجة ماسة إلى تشريعات تنظم شؤونهم، تكون هي في واقعها تدبيراً لشأنهم الواسع، بل تتردد الكلمات ونسمعها كثيراً: أنه لا يستقيم وضع الشعب إلا إذا مشى على ماذا؟ وفق القانون، أليس كذلك؟ أي أن نلتزم جميعاً بالدستور، أليس هذا الذي يحصل من توجيهات الرئيس، وتوجيهات الملك، وتوجيهات أي زعيم في أي بلد آخر؟ يوجه بالالتزام بالقانون، الالتزام بالدستور من أجل استقرار اقتصادي، من أجل التنمية، من أجل استقرار سياسي، من أجل سعادة الأمة، أليس هذا ما يقولون؟
وهذا هو ما سيكون شاهداً علينا بين يدي الله سبحانه وتعالى؛ لأننا ما من شيء مما وجهنا الله إليه ومما طلبه منا إلا ونحن نشهد على أنفسنا بأننا بحاجة ماسة إليه، هذا واحد من الشواهد.
كلنا بنو البشر مجمعون على أننا بحاجة إلى تشريعات، ودساتير، ولوائح، وأنظمة على مستوى الشعب الواحد، ثم على مستوى المجموعة الواحدة الآسيوية أو العربية، ثم على مستوى الدول كلها، القانون الدولي أليس هذا حاصل؟
هناك حتى قوانين دولية تنظم شؤون الدول كدول. ألسنا نشهد على أنفسنا أننا بحاجة إلى هذا الجانب، وأن هذا الجانب، هو الجانب المهم الذي تستقيم به الحياة في كل مجالاتها؟
طيب. إذاً فنحن شهدنا على أنفسنا بما يريد الله منا أن نعترف به له، فلماذا ننكره إذا كان من جانب الله ونراه ضرورياً إذا ما كان من جانبنا؟! الله الذي يدبر الشؤون لمخلوقاته الواسعة على هذا النحو الواسع: {فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ} (السجدة: من الآية5) نتنكر له أن يدبر شأننا، هذا الذي نرى أنه ضروري.
هذه من الشواهد، تشهد على الإنسان مواقفه في الحياة، يشهد على الإنسان ما هو مسلّم به في الحياة أنه لماذا تسلم بهذا فيما يتعلق بنفسك إذا كان من جانبك فضروري، أما أن يأتي من جانب الله فـ(لا)؟! تشهد على الإنسان مواقفه، تشهد على الإنسان ضرورياته التي يعترف بها في الحياة، يشهد على الإنسان لسانه، يشهد عليه جلده، تشهد عليه أيديه وأرجله، وما أكثر الشواهد!
ألم يتضح لنا هذا الموضوع الآن؟ أننا وضعنا أنفسنا بديلاً عن الله في الجانب المهم، وأننا كفرنا بالله أن يدبر شأننا هو؟ وتدبير شأننا هو المهم في الحياة كلها؛ لأن شأن الإنسان هو الذي إذا استقام فاستقام الإنسان فستستقيم الحياة كلها.
لو أن المسألة بالنسبة لنا أن نقول: لسنا بحاجة إلى تدبير شأن إطلاقاً لكانت القضية أهون، لكننا من نشهد على أنفسنا بأننا بحاجة إلى أنظمة ودساتير ولوائح وقوانين، إذاً فلماذا لا نرجع إلى الله؟ أليس الله هو أعلم بنا وأعلم بهذا الكون كله من القانونيين؟ من الاقتصاديين، من فلاسفة القانون، من فلاسفة الاقتصاد، من فلاسفة النظم السياسية؟
أليس الله هو الذي يعلم السر في السماوات والأرض؟ وهو الذي خلقنا وبدأ خلقنا من طين كما قال هنا: {الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ} (السجدة: من الآية7) الذي أحسن كل شيء خلقه أليس بإمكانه أن يدبر شؤون ما خلقه على أحسن تقويم؟ بلى، بلى هو الذي يستطيع وهو وحده الذي يستطيع أن يدبر شؤون مخلوقاته بما فيها الإنسان وهو المخلوق المهم على أحسن تقويم، وكيف لا يعرف أن يدبر شؤونك وهو الذي خلقك وبدأ خلقك من طين (آدم) {ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ} (السجدة:8).
فالله الذي خلقنا على هذا النحو ورأينا أنفسنا وعلمنا من خلال ما نشاهده في قضية التوالد أننا نمر بمراحل متعددة، فإذا ما استكملنا قوتنا، متى ما اتجهنا إلى الحياة، أليس الإنسان عندما يبلغ يتجه نظره إلى الحياة كلها؟ يريد هذا، ويريد هذا، ويبعد هذا، ويقرب هذا، ويجمع هذا، ويفرق هذا. يلتفت إلى الحياة كلها.
أفي هذه المرحلة بعد أن كنت في جميع مراحل حياتك السابقة تخضع لتدبير الله من يوم أن كنت ماء مهينا في رحم أمك فلما اشتد ساعدك وأصبحت نفسك تنظر إلى الحياة بنظرتها الواسعة وبمجالاتها الواسعة، قلت لربك: هذا لا يستطيع أن يدبر شأني، لا علاقة للدين بالحياة؟ الدين هو دين الله، أليس كذلك؟ دين الله هو هدايته، أي لا علاقة لله بالحياة؟!
ولأن الإيمان بأن التدبير لشؤون الإنسان كلها، ولشؤون الحياة كلها بما فيها جانب الهداية، الدين هذا هو للحياة كلها، هو للحياة بكل شؤونها، هو لحركة الإنسان في هذه الحياة في كل مجالاتها، وعلى أوسع نطاق في كل مجال من مجالاتها، الإيمان بهذا الجانب مهم جداً.
وقد تحدثنا في درس سابق كيف أن الله قال للمؤمنين: إنهم فيما إذا أطاعوا المشركين وهم يجادلونهم {وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ لِيُجَادِلُوكُم} (الأنعام: من الآية121) فيما يتعلق بقضية الميتة، عندما كان العرب يأكلون الميتة، فجاء الإسلام فحرمها، ولم يبح إلا ما ذكيتم كما قال: {إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ} (المائدة: من الآية3) قالوا: كيف ما قتل الله (محرما) وما نقتله نحن (حلالاً)؟ أليست هذه شبهة منمقة، تبدو منمقة؟ قال الله: {وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ} (الأنعام: من الآية121) على هذا النحو: {وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ} (الأنعام: من الآية121).
أنت أطعتهم في حكم واحد فيما يتعلق بالموقف من الميتة، هل يحل الأكل منها أم لا وفي الفارق فيما بينها وبين الذبيحة المذكاة {وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ}.
إذاً يجب أن نكفر بكل تشريع ليس من قبل الله، هذا هو ما يجب على الإنسان: أن يؤمن بأن التشريع هو لله وحده، أن الهداية هي لله وحده، من الله وحده {إِنَّ عَلَيْنَا لَلْهُدَى} (الليل:12) كما قال هو، وأن يكفر الإنسان بكل تشريع من عند غير الله، هذا ما لا بد منه، وألا نكرر دائما كلمة: [قانون قوانين].
بعض الشعوب التي اتجهت لصياغة تشريعاتها بشكل قوانين، أصبحت كلمة: [قانون] هي البديل عن كلمة: [شريعة الله]، عن كلمة: [دين الله]. [امش على القانون يا أخي، أنت يا أخي التزم بالقانون، يجب أن نلتزم بالقانون جميعا، ضروري أن نسير على القانون] مثلما يحصل في مصر وبلدان أخرى، ونحن هنا في اليمن بدأنا نتروض، نروض أنفسنا على استخدام كلمة [قانون وقوانين ودستور ودساتير] وهكذا.
يجب أن يكون حديث الناس كله بالشكل الذي يوحي بالارتباط بشرع الله وهديه ودينه، كلمة: قانون وقوانين ودستور هي توحي للإنسان بمنهجية أخرى وبمصدر آخر لتنظيم شؤون الحياة غير الشريعة، حتى وإن كانت كما يقال بشكل تقنين لأحكام الشريعة، لكن لماذا لا نستخدم كلمة: [دين الله شريعة الله] أو أن شريعة الله، ودين الله هي قاصرة عن أن تحتوي أو تشتمل على ما تشتمل عليه القوانين؟ هذا ما يوحي به ترديدنا الكثير لكلمة [قانون ودساتير] ونحوها. وهذا هو ما يمهد لإبعاد الناس عن القرآن، لإبعاد الناس عن الإسلام، لإبعاد الناس عن شريعة الله، لإبعاد الناس عن دين الله.
نتروض قليلاً قليلاً في أذهاننا على الارتباط بالقانون والقوانين [قانون السلطة المحلية، قانون كذا، قانون .. إلى آخره] فإذا ما قيل لنا في يوم من الأيام: هذا القرآن إرهابي، نرى أنفسنا لا نحتاج إلى القرآن في أي شيء، كنا نقرأه فقط على أمواتنا، كنا نقرأ منه آيات قصيرة في صلاتنا، لا بأس سنقرؤها في صلاتنا، في الأخير نرى أنفسنا لا حاجة بنا إلى هذا القرآن، الدساتير فيها الكفاية، القوانين فيها الكفاية! هذا كله من عملية ترويض الأمة من جانب أعداء الله على إبعادهم عن الدين قليلا قليلا قليلا.
[الله أكبر/ الموت لأمريكا / الموت لإسرائيل/ اللعنة على اليهود / النصر للإسلام]
دروس من هدي القرآن الكريم
(معرفة الله وعده ووعيده - الدرس الثاني عشر)
ألقاها السيد/ حسين بدر الدين الحوثي / رضوان الله عليه.
بتاريخ:22من ذي القعدة1422 هـ
الموافق: 4/2/2002م
اليمن – صعدة.