هو ذلك الصوت الذي مزق ظلمات الخوف وأرعب دويه ضجيج الباطل في هذه الدنيا، وهو كلمة الحق في وجه الطاغوت الجائر وهو كما قدّم له العلم القائم في كتيب "الشعار/ واستراتيجة المواجهة" يقول السيد عبدالملك بدرالدين الحوثي قائد الثورة الحكيم يحفظه الله: "بدافع الشعور بالمسؤولية أمام الله، ومن واقع أمتنا الإسلامية في منطقتنا العربية وغيرها، من خلال الواقع المأساوي المثقل بالجراح والآلام والمعاناة، تحرّك السيد الشهيد القائد/ حسين بدرالدين الحوثي (رضوان الله عليه) بالمشروع القرآني النهضوي الحر متحسسًا آلام الأمة، حاملًا همّها، وتطلعاتها، وآمالها بالاستناد إلى القيم والأخلاق التي ينتمي إليها. هذا الرجل كمسلم انطلق بهذا المشروع العظيم، مشروع نهضوي بنّاء لمواجهة التحديات والأخطار، وكان عنوان هذا المشروع هو (الصرخة في وجه المستكبرين): هتاف الحريّة، وشعار البراءة، وتحرك متوكلًا على الله، معتمدًا عليه، في ظل هذا المشروع الواضح الحق العادل، لم يتحرك أشرًا، ولا بطرًا، ولا غرورا، ولا كبرياء، ولا عبثا، ولا لهثا، وراء أي أهداف أو أطماع أو مكاسب شخصية أبدًا". خلفية انطلاق الصرخة /ص3
وفي كتيب (مع الشهيد القائد: مسيرة جهاد وتضحية) تحدث عن البداية، والزمان والمكان، وما قاله الشهيد القائد بهذا الصدد، وتحت عنوان: "الصرخة سلاح وموقف" ورد فيه:
في يوم الخميس ١٧ يناير ٢٠٠٢ م ومن مدرسة الإمام الهادي عليه السلام بمران: السيد حسين يعلن بداية مرحلة جديدة، مرحلة العزة والحرية والكرامة، مرحلة المواقف المشرفة، من هناك يخاطب العالم ويقول في محاضرة "الصرخة في وجه المستكبرين" : "نعود من جديد أمام هذه الأحداث لنقول: هل نحن مستعدون أن نعمل شيئًا؟! فما هو الجواب على من يقول: ماذا نعمل؟ أقول لكم أيها الإخوة: اصرخوا، ألستم تملكون صرخة أن تنادوا: الله أكبر.. الموت لأمريكا.. الموت لإسرائيل.. اللعنة على اليهود.. النصر للإسلام؟ أليست هذه صرخة يمكن لأي واحد منكم أن يطلقها؟ بل شرف عظيم لو نطلقها نحن الآن في هذه القاعة فتكون هذه المدرسة، وتكونون أنتم أول من صرخ هذه الصرخة التي بالتأكيد - بإذن الله - ستكون صرخة ليس في هذا المكان وحده، بل وفي أماكن أخرى، وستجدون من يصرخ معكم - إن شاء الله - في مناطق أخرى: الله أكبر.. الموت لأمريكا.. الموت لإسرائيل.. اللعنة على اليهود.. النصر للإسلام. هذه الصرخة.. أليست سهلة؟ كل واحد بإمكانه أن يعملها وأن يقولها. إنها من وجهة نظر الأمريكيين - اليهود والنصارى - تشكل خطورة بالغة عليهم". المصدر ص80-81
إذن هذه النبذة المختصرة عن الشعار لخصت جانبًا مهمًا حول الشعار الذي أطلقه الشهيد القائد (سلام الله عليه) ومن مدرسة الإمام الهادي (عليه السلام) ذلك العلم البارز من أعلام أهل بيت النبوة، والذي كان له دور كبير في زمنه ومرحلته في التصدي للباطل وإزهاقه ومقارعة الطاغوت وفضحه، وفي إرساء دعام العدل وإيضاح معالم الهدى والصلاح، وهدم دعائم الجور وتعرية معالم الزيغ والفساد، وربما كان الشهيد القائد (سلام الله عليه) قد اختار هذا المكان (مدرسة الإمام الهادي) في إشارة منه إلى أن هذه الانطلاقة تأتي من داخل مدرسة ذلك الإمام العظيم على الأساس الذي وضعه والأركان التي أقام بناءه عليها في الجهر بالحق، والصدع بالأمر على هدى رسل الله وأنبيائه الذي جسده مسك ختام الرسالات وتمام عدة النبوات جده المصطفى محمد (صلوات الله عليه وعلى أهل بيته الأطهار)؛ فكانت حركته قرآنية تتوسم خطى الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) وعلى ضوئه خطى أعلام العترة المطهرة الذين كانوا هم والقرآن سبب الهدى والرشاد، وسبب العصمة من الضلال والفساد، هذا السبب الذي وضعه المصطفى (صلى الله عليه وآله وسلم) بين يدي أمته لتتمسك به ولا تفلت يدها منه لتأمن من الضياع والشقاء، ويكون دليلها إلى رضوان الله ورحمته حيث ظل رحمته في بحبوحة جنته كما جاء في الحديث الصحيح المتواتر الصريح: "إني تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي أبدا؛ كتاب الله وعترتي أهل بيتي، إن اللطيف الخبير نبأني أنهما لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض".
وفي حدود دائرة الهدى هذه دار الشهيد القائد ومشروعه تمسكًا بالكلمة العليا، واعتمادًا على المعايير والمقاييس الإلهية، وانطلاقًا على ضوء (الثقافة القرآنية) حيث وضوح الرؤية وبلسم العلل ودواء كل داء وعلاج المشاكل والحلول لكل التعقيدات التي قيدت الأمة وأقعدتها عن النهوض، فكان الشعار (صرخة في وجه المستكبرين) في وجه الذين يهلكون الحرث والنسل ويسعون في الأرض فسادا، في وجه طغيان الأمريكيين - اليهود والنصارى - الذين يفرضون ثقافة الشيطان، بل لقد فاقوا في زيغهم ونهجهم وسلوكهم وتعاملهم مع الآخرين في إفسادهم وإضلالهم بأسوأ مما عمله الشيطان نفسه. وحين تلفت حوله وشاهد ذلك السكون المخيف أمام هذا الطاغوت الذي يملي الباطل والاستعلاء الذي يفرض الفساد والانحراف والتردي، ويستهدف الإسلام والمسلمين ومقدسات الأمة؛ أدرك أنه من ذلك البيت الذي تتوجب عليه مسؤولية الصدع بالأمر والجهر بالحق في وجه طغيان اليهود الذي لا صوت يرتفع على صوته ولا مشروع يجابه مشروعه عدا ما بدأه الإمام الخميني (رحمة الله عليه)، وما تحرك على ضوئه من جهة حزب الله، أما باقي عالم المليار والأكثر من مليار فكان يخيم عليه الصمت، وزعماؤه كأن على رؤوسهم الطير، فأطلق صرخته في وجه المستكبرين (وبرز الإيمان كله، للشرك كله)، فهو حفيد علي (عليه السلام) الذي برز في ميدان صال وجال فيه مرحب، وعمرو بن ود، وأبو سفيان، وأبو جهل، وأسمع العالم كله صرخة البراءة. صدع بها في وجه فرعون وهامان، وزلزل بها عرش النمرود وبيت الأوثان مدركًا تباعاتها إلا أنه انطلق من واقع الشعور بالمسؤولية الذي حتّم عليه النهوض بهذا التكليف الذي اعتبره شرفًا وفضلًا، وفترة من فترات الاختصاص والسبق لولي من أولياء الله، وفريق من صلحاء عباد الله يغمرهم برحمته وكرمه، ويتفضل عليهم ليكونوا هم أهل السبق إلى مضمار السبق وميدان الشرف والعزة والكرامة، وفتح لهم باب الاختصاص والاصطفاء والتفضيل ليختاروا ما اختار الله لهم، ويقبلوا كرامته التي أرادها لهم وشرفهم بها، وانتدبهم ليكونوا على رأس من يقوم بمسؤوليتها وفي طليعة من يكونون من حملتها، وأول الناهضين بثقل تكاليفها، وفي مقدمة من بعثهم لدحر قوى الجور والعناد والزور والحياد والفجور والفساد، ليكونوا هم على رأس من وعد أن يأتي بهم وهم القوم الذين يحبهم ويحبونه، وتوعد من يرتد على أن يستبدل بهم عباده الذين أخلصوا له الدين وعبدوا أنفسهم له.
وكان الشهيد القائد (سلام الله عليه) قد استوعب كل ذلك، وهدي إلى الأمر الذي خفي على الكثير من الناس، فصمم على الوقوف في وجه طواغيت الجاهلية الأخرى التي هي شر من أولاهما ليرفع شعار ( الله أكبر/ الموت لأمريكا/ الموت لإسرائيل/ اللعنة على اليهود / النصر للإسلام )، ليكون الموقف والسلاح معلنا عن المضمون الحضاري لمشروعه وحركته، ويعري بذلك أدعياء الحضارة واحترام الحقوق والحريات، ويكشف بشعاره زيف شعاراتهم من منطلق : "ما دام أنه يحق لي كمواطن أن أنتقد حكومة بلدي وأعارض سياسة ساسة بلادي، وأن أعبر عن انزعاجي وغضبي حيال ذلك، فبطريق الأولى كل دولة أجنبية تتدخل في شؤوننا وتريد أن تفرض إرادتها علينا وتملي على حكوماتنا ما تراه على سنة فرعون بالأولى أن أتوجه بالتعبير عن غضبي وانزعاجي من تلك الجهة الخارجية التي تريد تعميم ما يتنافى مع كل ما نؤمن به، ما دامت التشريعات في بلادي تكفل لي حق معارضة حكومة بلدي". فاتجه الشهيد القائد (رضوان الله عليه) نحو أئمة الكفر فكان الشعار موقفًا وسلاحًا بكل ما حمله من دلالات ومعاني ومضامين وما يعطيه من شعور بالعزة والكرامة والحرية والاستقلالية وامتلاك القرار والقدرة على التعبير عن الإرادة الصلبة، والمواقف القوية التي أزعجت قوى الشر والطغيان والفساد، وعلى رأسهم أمريكا الشيطان الأكبر وإسرائيل الغدة السرطانية.
انطلق الشعار فتصدعت جدران الصمت ومادت الأرض تحت أقدام طوابير النفاق، انطلق في الوقت الذي كانت فيه الأمة تغرق في موجات الجدل المذهبي، والجدل السياسي، والجدل القومي، والمناطقي، وبعضها سحبته الأمواج وتقاذفته ليغيب وينفصل بوعيه وفكره ونظرته واعتقاده وارتباطاته وتطلعاته عن ساحتها وبيئتها وثقافتها وتراثها وحضارتها إلى مستوى التنكر لها. وفي خضم ذلك الهيجان اللاواعي والجلبة الصماء نتيجة انعدام الرؤية وغياب المشروع، انطلق الشعار وانبثق المشروع ليخرج الأمة من واقع تلك الظلمات الموحشة، ظلمات بعضها فوق بعض تراكمات لركام ثقافات مغلوطة جاءتها من خارج دائرة النور لتدفنها في لحود عداوات الشقاق البعيد، وتلقي بها في ساحات الصراع الضار غير المفيد تحت راية كل جبار عنيد، وفي سبيل كل شيطان مريد أو تجرها إلى تيه الحيرة الشديد.
فدوت الصرخة في فضاء ذلك العالم الذي كان في أغلبه لا يكاد يصغي، ولا يسمع، ولا يبصر، ولا يعقل، ولا يلتفت إلى من يبصره ويهديه بسبب طغيان صوت المصالح وارتفاع جلبة الأهواء، لكن الصوت الذي حمل ذلك الشعار والمضمون والمحتوى الذي فيه أحدث زلزلة شديدة في محيط بيت إبليس ووكره في واشنطن وتل أبيب وحول ساحات عروش الباطل والفساد، فارتبك الشيطان وحزبه وانتبه كل إنسان سلمت له فطرته حين رأى الشعار يوجه البوصلة نحو العدو الحقيقي حينما كانت العدوات فيما بينها ترتكز على شفى حفرة من النار، فقام الشعار على دعامة النور الذي حدد للأمة عدوها، ورسم لها منهجها، ودلها على أعلامها، وأرشدها إلى سبيل كرامتها، وهداها إلى طريقة مواجهة عدوها بقيادة من اختارهم لها من أطايب أهل بيت النبوة ومهبط الوحي وقبلة النور. فهنيئا لمن جعلهم الله في المكان والزمان والموعد ممن امتن الله عليهم حين فتح الباب فاختصروا الطريق إلى عالم الفوز، والرضا، ونعيم الفردوس، وكريم الرزق، وجزيل الثواب في مقعد صدق عند مليك مقتدر.
الحديث عن الشعار والمشروع يعني الحديث عن الناهض والصادع به، فكلاهما يدل على الآخر وهو حديث عن الصرخة في زمن الصمت والثورة في زمن الركود، والوعي في زمن انعدام الوعي والبصيرة، في زمن العمى والحرية، في زمن العبودية والقوة، في زمن الضعف والسمو، في زمن الانحطاط والرقي، في زمن التردي وفضاء وفلك عالم الفضائل رحب الأبعاد بعيد الآفاق واسع الأعماق متعدد الضفاف مترامي الأطراف لا يدركه إلا رجال الأعراف، فأرجوا الله بهذا أن أكون من أهل الشهادة بالحق والانصاف، واعذروني عن التقصير فلا يعلم بمبلغ ما يستحقه أهل ولاية الله من عظيم الأوصاف إلا هو، فاقبلوا هذا الاعتراف وائذنوا لي بالمغادرة والانصراف.. ولا حول ولا قوة إلا بالله، وصلى الله وسلم على رسول الله وعلى أهل بيته الطيبين الطاهرين..
ــــــــــــــــــ
بقلم / محمد القعمي