عبدالحافظ معجب
الحرب الهجينة ليست كما يظن البعض مجرد مصطلحات نظرية بل هي في الحقيقة واقع عملي يدمج بين المواجهة العسكرية التقليدية ووسائل ناعمة تظهر في الضغوط الاقتصادية، والهجمات السيبرانية، وحملات التضليل الإعلامي المصممة لزعزعة ثقة الجمهور بمؤسسات الدولة. المتخصصون يعرفون هذا النمط كتهديد متعدد الأبعاد يعتمد التزامن بين أدوات مختلفة لإضعاف قدرة الدولة على الصمود دون إعلان حرب تقليدية واضحة.
المنطق الاستراتيجي لأصحاب هذه الطريقة واضح وهو تحقيق أهداف سياسية أو اقتصادية بتكلفة منخفضة نسبياً وبأساليب ملتوية وغامضة تجعل رد الدولة وقيادتها ومؤسساتها متردداً. لذلك ينتج ما يمكن تسميته بالحالة الرمادية حيث تتداخل الأحداث المتفرقة لتخلق شعوراً عاماً بأن الواقع أصبح خارج سيطرة الداخل، سأشرح هذه النقطة بمثال واقعي فعندما يتسبب الخنق الإقتصادي وغياب الموارد السيادية بتراجع قدرة الحكومة ومؤسساتها على توفير بعض الخدمات الأساسية يتولد لدى المواطن إحساس بعدم الجدوى، ويتنامى لديه شعور اليأس والإحباط ما يؤدي الى تضاءل القدرة الوطنية على مقاومة الضغوط.
الأدوات عملياً متعددة ومتكاملة وتأتي في مقدمتها الضغوط الاقتصادية والعقوبات التي تستهدف موارد الدولة أو قنوات التجارة والتحويل، كما أن استهداف الموانئ أو منع استثمار الموارد السيادية يولّد ضائقة مالية تؤثر على قدرة الدولة في تمويل الخدمات والأمن. ثانياً استهداف البنى التحتية الحيوية كالكهرباء والموانئ وشبكات الاتصالات يلقي بضلاله على الاقتصاد الوطني ويرسل رسالة رمزية عن ضعف في أداء واجبات الحماية الوطنية. ثالثاً العمليات المعلوماتية وهي عبارة عن حملات منظّمة للتشويه والإسقاط تستهدف قادة الدولة والرموز الوطنية وتستخدم مزيجاً من المنصات التقليدية والرقمية لخلق روايات بديلة، والنتيجة بطبيعة الحال أن هذه العمليات قد تُسهِم بشكل مباشر في نشر حالة اليأس أو تقسيم المجتمع إلى فصائل متخاصمة.
العنصر الرابع والحاسم هو الإستخدام الخارجي لوكلاء محليون وشبكات سياسية أو تنظيمية أو قبلية ذات تأثير داخل المجتمع تُستغل بمغريات مادية أو وعود سياسية لتقديم غطاء شرعي داخلي للتدخل الخارجي. هذه الشبكات تحوّل الخلافات الداخلية إلى أدوات لتمرير أجندات خارجية، وتضعف مناعة المجتمع أمام الحملات الإعلامية. خامساً العمل السيبراني الذي يستهدف قواعد بيانات أو أنظمة مالية يمكن أن يؤدي إلى شلل مؤقت أو ثغرات معلوماتية تُستثمر في التضليل.
كيف يمكن للمواطن العادي إدراك هذه الآليات؟ ببساطة عبر الأسئلة التالية: هل هذا الحدث جزء من نمط متكرر؟ من المستفيد من ورائه؟ وما مصادر التمويل أو الترويج لهذا الخطاب؟ التحقق من الأخبار واعتماد المصادر الرسمية الموثوقة أمر في غاية الأهمية والبحث عن تتبعات مالية أو شبكات تضخ الرواية، كلها أدوات بسيطة لكنها فعّالة لتمييز الحدث العابر عن حملة استراتيجية.
المعركة ضد الحرب الهجينة تتجاوز العمل العسكري وتحتاج الى أدوات معرفية فاعلة، وتتطلّب إدارة اقتصادية مرنة ومؤسسات شفافة وقضاء مستقلاً، إضافة إلى إعلام وطني جامع قادر على التحقق وشرح الآليات للمواطنين بصورة بسيطة ومستمرة. الإعلام الوطني ونشطاء المجتمع ورجال الدين والنخب المثقفة والأكاديميين يمكنهم معاً بناء مناعة معرفية تنقل وعي المجتمع إلى خط دفاع متقدم ضد محاولات التفكيك الداخلي التي تهدف إلى تحويل الخلافات إلى أدوات تقويض.

.jpg)



.jpg)