ولذلك رسول الله -صلوات الله عليه وعلى آله- اهتم على نحوٍ واسع في التحريض كما يأمره الله: {حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ}، {وَحَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ}، فكانت الكثير من خطاباته، الكثير من إرشاده الديني، الكثير من نشاطه التوعوي يصب في إطار الاستنهاض للمؤمنين، الدفع بهم نحو الجهاد في سبيل الله، لم يكن يفعل كما يفعله البعض اليوم من الذين يقدِّمون أنفسهم: إما باسم علماء دين، أو باسم مرشدين في الإرشاد الديني، أو باسم خطباء في التعليم الديني، أو معلمين في التعليم الديني، ممن يشطبون هذه المسألة بالكامل، وكأنه لا أساس لها من الدين، ولا وجود لها في الإسلام بكله، وكأنها لا تحتل تلك المساحة الواسعة جدًّا في القرآن الكريم، وفي حركة الرسول -صلوات الله عليه وعلى آله-.
رسول الله -صلوات الله عليه وعلى آله- كانت مساحة الاهتمام بأمر الجهاد، بأمر الحركة في سبيل الله لإنقاذ المستضعفين، لإنقاذ البشرية، للتصدي لقوى الطاغوت والشر والإجرام، كانت المساحة في اهتماماته أكبر مساحة، في الموعظة، في الاستنهاض، في الأعمال المتنوعة، الأعمال التي تأتي عادةً في التحضير والإعداد لعمليات عسكرية، أو لأعمال وأنشطة ذات أهمية كبيرة تصب في إطار الموقف من الأعداء، ثم كذلك الأعمال الجهادية والقتالية التي أدارها، والتي حركها، ما بين الغزوات، ما بين السرايا، الرسول -صلوات الله عليه وعلى آله- في الإحصاء التاريخي في السير لأنشطته العسكرية بلغت في فترة وجيزة (في سني الهجرة النبوية) نحواً من ثمانين سرية وغزوة، بل كان في كثيرٍ من أنشطته واهتماماته يحث الناس ويحرضهم ويرغبهم على نحوٍ واسع، ويشتغل عملياً لإنجاز الكثير من المهام والأعمال هذه والتحضير لها والترتيب لها، لدرجة أنه -صلوات الله عليه وعلى آله- حتى وهو في الرمق الأخير من حياته على فراش الموت، وهو يتحضر للقاء الله -سبحانه وتعالى- والانتقال من هذه الحياة، وهو لا يزال يرتب لعملية عسكرية، ويتابع العمل على إنجازها، على التحرك فيها، وهو يقول: (أنفذوا بعث أسامة)، وقد أعد جيشاً بقيادة أسامة بن زيد، وهو يحثهم على سرعة الإنجاز للتحرك في هذه المهمة والانطلاقة فيها، وهو على فراش الموت، اهتمام مستمر حتى في تلك اللحظات الأخيرة من حياته -صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله-.
عندما نأتي للحديث عن الجهاد في سبيل الله وهو حديثٌ بالطبع لا يرغب الكثير في استماعه، والكثير من عامة الناس، وبالذات ممن تعودوا على أن يسمعوا نمطاً معيناً من الخطاب هادئاً ولا يتحدث عن المسؤولية، وعن الجوانب المهمة، وعن القضايا الحساسة؛ ينفرون من الحديث عن هذا الموضوع، ومن الاستماع لهذا الموضوع، وألفوا أن يسمعوا حديثاً حول مواضيع عادية وصغيرة وبسيطة، ولكن هذا لا يفيدهم شيئاً لا في الدنيا ولا في الآخرة ولا يوم القيامة، يوم السؤال، يوم الحساب، يوم الجزاء الذي سيحاسبنا الله فيه على المسائل المهمة أيضاً، على القضايا الكبيرة، على توجيهاته الكثيرة التي أتت في كتابه الكريم، على ما أتى من خلال نبيه -صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله- في توجيهاته، في إرشاداته، في تعليمه، في حركته العملية، وهو القدوة، وهو الأسوة، قبل أن يكون قدوتك ذلك العالم الجامد، وذلك المرشد الذي هو مفرط ومقصر وعاصٍ لله -سبحانه وتعالى- يتجاهل أموراً مهمة من دين الله لا نجاة إلا بها، ولا فوز إلا بها، ليكن قدوتك هو رسول الله -صلوات الله عليه وعلى آله- الذي تنجو باتباعه والاقتداء به، {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً}[الأحزاب: الآية21].
[الله أكبر/ الموت لأمريكا / الموت لإسرائيل/ اللعنة على اليهود / النصر للإسلام]
دروس من هدي القرآن الكريم
من كلمة السيد القائد/ عبد الملك بدر الدين الحوثي / حفظه الله.
(2) غزوة بدر الكبرى
الجهاد وموقعه في الحياة الإنسانية والدينية
سلسلة المحاضرات الرمضانية 1440هـ المحاضرة الثامنة عشر
مايو 26, 2019م