لقد ختم الله رسالته بعد سلسلة طويلة من الرسل [عشرات الآلاف من الأنبياء والرسل] برسوله الخاتم محمد (صلى الله عليه وعلى آله وسلم) ، رسولًا ونبيًّا إلى العالمين، في المرحلة الأخيرة والحقبة المتبقية لحياة البشرية، واقتراب الساعة، وقد اصطفاه الله ومنحه المؤهلات العظيمة ليكون بمستوى مسؤوليته العالمية: زكاءً عظيمًا، وخلقًا عاليًا، فكان أعظم وأنجح قائد عرفه التاريخ، رسولًا حكيمًا بما منحه الله من الحكمة، ورحيمًا وحريصًا على هداية الناس وسعادتهم، قال الله تعالى:
{ لَقَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ }[التوبة:128].
رسول يحمل الرحمة لهذه الأمة، ويعز عليه أن يلحق بها أي ضرر، كل سعيه، كل جهده، كل اهتمامه فيما يفيد هذه الأمة، فيما يدفع عن هذه الأمة الشر، إرشاداته كذلك هي على هذا النحو، ويحمل الرحمة، وبالرحمة يتحرك في أمته مرشدًا وهاديًا ومربيًا، يحمل الحرص الكبير والتألم على واقع البشر، يحرص على أن يهتدوا وأن يؤمنوا وأن يفلحوا، ويحرص على نجاتهم؛ ولذلك قال الله عنه:
{ لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ أَلَّا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ }[الشعراء: 3].
لم يكن الرسول (صلى الله عليه وعلى آله وسلم) متجبرًا على أمته، بل يعامل أمته على أساس الخير والرحمة، وعلى أساس الحرص على ما فيه صلاحها وسعادتها، ويتحرك على أساس هذه القيم، وبهذه الروح كرحمة من الله
{ فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ }[آل عمران: 159]
، وفي الوقت نفسه يتحرك في مواجهة الأشرار، وفي مواجهة الطاغوت، وفي مواجهة الظالمين والمفسدين، يتحرك بعزيمة عظيمة وبعزة قال عنها الله:
{ وَللهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ }[المنافقون: 8]
.فمحمدٌ ذلك الرجل العظيم الرحيم الكريم كان عزيزًا يأبى أن يخضع لباطل، ويأبى أن يُذَل، ويأبى لأمته أن تذل، وربى أمته على أساس العزة ومفاهيم العزة، ألَّا يكون لديها القابلية للإذلال والقهر والاستعباد؛ فتحرك تحت راية الله، لم يتحرك في حروبه لا ظالمًا ولا متجبرًا ولا مستكبرًا ولا طاغيًا، حمل راية الله، وتحرك على أساس العدل، ولأجل الحق، وبالحق قاتل، وبالحق تحرك، وواجه الطاغوت عند العرب وعند اليهود وعند النصارى، وخاض المعارك تلو المعارك، وحرَّك فرق الجيش الإسلامي في السرايا والغزوات والحروب حتى رست راية الحق، وتحقق العدل، وعمَّ الخير، وانتشر نور الله؛ فأصبح واقع أمتنا العربية واقعًا عظيمًا، أمة استبدلت من الذل العز، أصبحت أمة عزيزة، وأمة كريمة، وأمة لها قضية عظيمة، ولها مشروع عظيم يوصلها بالله ويكسبها رضوان الله، ويوصلها إلى جنة الله.
هكذا كانت حركة الرسول (صلى الله عليه وعلى آله وسلم) وهكذا كان وهو في موقع قيادة الأمة، لا متجبرًا ولا ظالمًا ولا طاغيًا، وتحرك كعبدٍ لله.
عندما كان قائدًا للأمة، ومصحوبًا بالنصر الإلهي، ومسددًا من عند الله لم يكن همه أن يستعبد الناس، ولا أن يفرض عليهم إرادة شخصية، أو أن يفرض عليهم هوىً من نفسه، كان يقول كما علمه الله:
{ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ }[الأحقاف: 9]
{ فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَن تَابَ مَعَكَ وَلاَ تَطْغَوْاْ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ }[هود: 112]
وتلقى تعليمات الله ، وتقبل تعليمات الله التي تقول له:
{ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللهَ وَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ إِنَّ اللهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا وَاتَّبِعْ مَا يُوحَى إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ إِنَّ اللهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ وَكَفَى بِاللهِ وَكِيلاً } [الأحزاب:1-3]
، هذه بعض الجوانب من أخلاقه وصفاته، وإلا فالحديث عنه حديث يرتبط بكل هذا الدين؛ لأن هذا الدين يربطنا به في كل مجال من مجالات الحياة.
وبتلك المؤهلات التي أوصلته إلى منتهى الكمال البشري نهض قائمًا بمسؤوليته العالمية التي يترتب عليها سعادة البشرية
{ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ }[الأنبياء:107]
وبالحق
{ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ بَشِيرًا وَنَذِيرًا } [البقرة:119]
يهدي إلى الصراط المستقيم
{ وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ }[الشورى:52].