مـرحبـا بكم في موقع دائرة الثقـافـة القـرآنيــة

بالمكتب التنفيذي لأنصار الله

د. عبدالغني عبدالله جغمان

تناول السيد القائد في خطابه بمناسبة الذكرى السنوية لاستشهاد الشهيد القائد موضوعاً مهماً وعالمياً ألا وهو البيئة والحفاظ عليها والأثر السيئ الذي قد يصيب الإنسان في حال أهملها، لأن القرآن الكريم قد افادنا في الكثير من آياته عن النظرة القرآنية لمفهوم البيئة، حيث استوعبت آياته الكريمة جميع مجالات علم البيئة التي هي مورد أبحاث العلماء المهتمين بشؤون البيئة، ومن إعجاز القرآن الكريم أن تصف آية واحدة ما أصاب البيئة اليوم من تلوُّث وفساد، وللمرة الأولى نجد أن الإنسان قد أسهم في تغيير مناخ العالم، والآية المعجزة هي قول الحق تعالى: ﴿ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ﴾ [الروم: 41].

لقد خلق الله الأرض وكل ما عليها وفيها ومنها .. وهيأ فيها عز وجل بيئة مناسبة لمعايش الناس قال تعالى، {هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ}]الملك: الآية15]، هذه البيئة أحكم الله خلْقَها، وأتقن صُنْعَها كمًّا ونوعًا ووظيفة؛ قال تعالى: ﴿صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ ﴾]النمل: 88]، وقال – جل شأنه -: ﴿ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا ﴾ [الفرقان: 2]، وقال أيضًا: ﴿ إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ ﴾ [القمر: 49]، حيث تعتمد الحياة البشرية على الأرض للمعيشة ولتوفير سبل كسب العيش، فالحياة النباتية على الأرض توفر 80 % من الغذاء البشري، كما يعتمد البشر على الزراعة كمورد اقتصادي هام وكأحد أهم وسائل التنمية، وتعد المحيطات – من خلال درجة حرارتها وتركيبتها الكيميائية وتيارات المياه فيها وما تحويه من ثراء حيوي– أحد أهم مكونات النظم الطبيعية التي تجعل الأرض صالحة لسكن للبشرية، ومن ثم فإن كيفية إدارة هذا المورد الحيوي الهام يعد أمراً ضرورياً لبقاء البشرية جمعاء، ولموازنة آثار تغير المناخ.. وتعتمد سبل عيش أكثر من ثلاثة مليارات من سكان الأرض على التنوع البيولوجي البحري والساحلي، ولكننا نشهد اليوم استغلالا مفرطا لحوالي (30 %) أي ثلث الأرصدة السمكية في العالم، ينحدر بها إلى ما دون المستوى الذي يمكن أن تحافظ فيه على انتاج مستدام.

وقد أدرجت أدبيات الأمم المتحدة فيما يسمى بأهداف التنمية المستدامة ثلاثة أهداف (الهدف الثالث عشر، والرابع عشر والخامس عشر) في محاولة لحفظ الموارد البيئية من الإفساد فيها وإيقاف الاستنزاف الجائر، وتبنى مفاهيم الاستدامة في استخدام الموارد ومطالبة لإدماج تدابير الحد من مخاطر الكوارث والتغير المناخي في الاستراتيجيات الوطنية لجميع بلدان العالم.

في اكثر من نقطة ركز الخطاب على أن الفساد والاختلال يظهر نتيجة تصرفات هذا الإنسان، التصرفات الخاطئة، التصرفات غير الرشيدة، غير السليمة، غير الصحيحة، التي لا تعتمد على أساسٍ من هدى الله “سبحانه وتعالى” وتعليماته، التي ترعى لهذا الإنسان حياته بشكلٍ صحيحٍ وبشكلٍ سليم.

قال الله تعالى في القرآن الكريم: {ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ}]الروم: الآية41]، وقد أوضحت الآية أن هذا الفسادَ سينتاب البر والبحر، وأن الإنسان هو السبب الرئيس في حدوثه، وهو المُتضرِّر الأول منه أيضًا، فقد سخَّر الله كلَّ ما في البيئة لخدمة الإنسان، ومن ثَمَّ فإن أي ضررٍ يَحيق بمكوِّنات البيئة وما فيها من مخلوقات سيَنعكِس بدوره سلبيًّا على الإنسان نفسه، وهكذا نجد أن القرآن الكريم قد تَحدَّث عن مشكلة تلوُّث البيئة قبل وقوعها بنحو أربعة عشر قرنًا، وأشار إلى أنها ستكون نتيجة لما تصنعه يدُ الإنسان، كما بيَّن أيضًا أن العذاب والويل الذي يَحُل بالإنسان إنما هو نتيجة فِعْله هذا؛ ﴿ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا ﴾ [الروم: 41]. ونشهد اليوم تدهورا غير مسبوق في الأراضي، إذ يتم فقدان الأراضي الصالحة للزراعة بمعدل يتراوح بين 30 و35 ضعف المعدل التاريخي، كما أن الجفاف والتصحر آخذان في الازدياد كل عام، بما ينتج عنه خسارة 12 مليون هكتار تؤثر بشكل كبير على المجتمعات الفقيرة على الصعيد العالمي، ومن بين 8300 سلالة حيوانية معروفة انقرضت بالفعل 8 % منها بينما تواجه 22 % منها كذلك خطر الانقراض.

ومن ذِكْر الواقع الرديء أشار السيد القائد إلى أن الإنسان في ظلِّ الحضارة المعاصرة درَج على التعامل مع البيئة ومع الحياة من مُنطلَق نظرة فردية أنانية غير أخلاقية، ولم يأبه الإنسانُ وقد أخذت الأرض زخرفها، وازيَّنت له بالعواقب الوخيمة التي يمكن أن تنعكس عليه سلبيًّا، وأن تتسبَّب في تدميره والقضاء عليه، بل إنه راح يَعبَث في مقوِّمات الحياة؛ فلوَّث الماءَ الذي يَشربه، وأفسد الهواءَ الذي يتنفَّسه، وأهلك الحَرْثَ والنَّسلَ بالكيماويات والسموم، وشرع في استخدام الحروب الجرثومية والبيولوجية ؛ قال تعالى: ﴿ وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ * وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ ﴾ [البقرة: 204، 205]. حتى التربة الزراعية تسبَّب الإنسان في خُبْثها، فلم تَعُد تُنْبِت إلا نَكِدًا؛ قال تعالى: ﴿وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَالَّذِي خَبُثَ لَا يَخْرُجُ إِلَّا نَكِدًا كَذَلِكَ نُصَرِّفُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَشْكُرُونَ﴾ [الأعراف: 58]

كما أشار السيد القائد إلى التغيرات المناخية (Climate Change) كنتاج للتعامل اللا مسؤول مع البيئة، حيث طالته يدُ الفساد البشرية هو الآخر، وأصبحت الأحوال الجوية غير مستقرة في السنوات الأخيرة؛ فتارة تُداهِمنا الأمطارُ في غير مواعيدها، وأحيانًا تَهُب الرياح الساخنة في فصلَي الخريف والشتاء، وهناك بُلدان كان يأتيها رزق ربها رغدًا، فأذاقها الله لباسَ الجوع والفقر؛ حيث صارت موجات الجفاف والقحط تضربها شــهورًا وسنوات دون رحمة، وثمة بلاد كانت آمنة مطمئنَّة أصبحت عُرْضة للأعاصير والفيضانات التي تَكتَسِح كلَّ ما يُصادِفها، وكم هناك من مناطق زراعية وجُزر ومدن تُهدِّدها مياه البحر بالغَرَق، وفي غمرة هذه التغيرات المناخية الكبيرة تُطالِعنا وسائل الإعلام ومراكز البحث العلمي بأخبار مثيرة عن أخطار أسوأ متوقعة بسبب الاحتباس الحراري أو ما يسمى (Global Warming)، الذي سوف تُقبِل عليه البشرية في السنوات المُقبِلة؛ حيث سترتفع درجة حرارة الجو إلى حدٍّ لا يُطاق، وسوف يتأثَّر الإنسان من ذلك وتتأثَّر الحيوانات والزواحف والدواب والأشجار والأزهار والخضروات والبحار والأنهار والأمطار..بالنسبة لواقعنا العربي، فإن نحو 80 % من المنطقة العربية تتكون من نظم إيكولوجية للأراضي الجافة، ولا سيما الهشة مع المخاطر المتقاربة الناجمة عن تغير المناخ، وتصل أعداد الأنواع الحيوية المهددة في المنطقة إلى أكثر من 1000 نوع تتعرض أغلبيتا لخطر الانقراض، 24 % منها من الأسماك و22 % من الطيور و20 % من الثدييات، ولهذا نجد آيةً أخرى مهمة في القرآن الكريم يقول الله «جلَّ شأنه»: {وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا}]الأعراف: من الآية56].

وأكد السيد في سياق كلمته على لفظ الفساد والمفسدين، هذا اللفظ القرآني الشامل والأكثر عموماً لما يتم تداوله حديثاً في أدبيات التنمية المستدامة والتغير المناخي من لفظ (تلوث)، حيث عبَّر القرآن الكريم عن التلوث بلفظ الفساد، الذي هو أشمل وأوسع وأدق من كلمة تلوث، كما جاء في آيات الذكر الحكيم.

قال تعالى: ﴿الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ ﴾ [البقرة: 27]

﴿وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا﴾ [الأعراف: 56]

﴿وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ﴾ [القصص: 77]

﴿فَاذْكُرُوا آلَاءَ اللَّهِ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ﴾ [الأعراف: 74]

﴿اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلَا تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ﴾ [الأعراف: 142]

﴿وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ﴾ [هود: 85]

﴿وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ﴾ [القصص: 77]

﴿وَارْجُوا الْيَوْمَ الْآخِرَ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ﴾ [العنكبوت: 36]

﴿وَلَا تُطِيعُوا أَمْرَ الْمُسْرِفِينَ * الَّذِينَ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلَا يُصْلِحُونَ﴾ [الشعراء: 151، 152]

والآيات السابقة وإن حفَلت بالحديث عن أنواع الفساد الذي يُحدِثه الإنسان في الأرض من: معصية، تجبر، ظلم، طغيان، أو مسح هوية الدين والإيمان ، كما يفعل بنو إسرائيل بالشعب الفلسطيني، او النظام السعودي بالشعب اليمني من الجور والظلم وانتهاك حقوق الإنسان ، إلا أنها تَحدَّثت كذلك عن التلوث الذي يُحدِثه الإنسان بالأرض، والذي يدخل تحت معنى الفساد، وذكرت أن الله خَلْق الكونَ على أكمل صورة وأحسن حال، وأمرنا ألا نُفسِد في الأرض بعد إصلاحها، وأن المعاصي حينما ظهرت في البرِّ والبحر ما هي إلا نوع من التذكير وليُذيقهم عقابَ بعض الذي عمِلوا؛ لعلهم يتوبون.

وخلص بالقول إن الله استخلف الإنسان في الأرض؛ ليستمتع بكل ما فيها وَفْق شرع الله، ومِن ثَمَّ يجب على الإنسان أن يحفظ أمانة الاستخلاف، فيراعي التوسط والاعتدال، ولا يفسد في الأرض، وينهى عن الفساد، ويحرص الإسلام على مبدأ هام، ألا وهو عمارة الأرض، والسعي فيها بجد ونشاط، ويأمر بالتعاون على البر والتقوى، وعدم التعاون على الإثم والعدوان، ويحرص الإسلام أشد الحرص على المحافظة على ثروات الأرض المختلفة؛ زراعية، وصناعية، ومائية واستخدامها بتطبيق مبادئ الاستدامة كونها ملك للأجيال القادمة. 


  • نبذة عن المسيرة القرآنية

    المسيرة القرآنية : هي التسمية الشاملة لهذا المشروع القرآني, وهي التوصيف الذي يعرِّف به تعريفًا كامًلاً , فعندما نعبر عن طبيعة المشروع القرآني الذي نتحرك على أساسه نحن نقول: المسيرة القرآنية.. وهي تسمية من موقع المشروع الذي نتحرك على أساسه.

    فالمسيرة القرآنية توصيف مرتبط بالمشروع القرآني وهي التسمية الشاملة والأساسية لهذا المشروع

    وهذه المسيرة العظيمة تقوم على ....

    اقراء المزيد...
  • تابعنا على مواقع التواصل

    • تابعون على التيلجرام
    • تابعونا على تويتر
    • تابعون على اليوتيوب
    • تابعونا على الفيس بوك
تصميم وبرمجة : حميد محمد عبدالقادر