مـرحبـا بكم في موقع دائرة الثقـافـة القـرآنيــة

بالمكتب التنفيذي لأنصار الله

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله الطاهرين.

لا يزال الكلام حول موضوع نعم الله العظيمة على الإنسان، نعم الله علينا، قال الله تعالى: {اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ قَرَاراً وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ فَتَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ هُوَ الْحَيُّ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} (غافر:65).

إتماماً للموضوع الذي ذكرناه بالأمس، عدة آيات من كتاب الله الكريم تتحدث عن نعم الله الواسعة، نعم الله الواسعة التي تشمل كل شيء يتقلب فيه الإنسان في هذه الدنيا، تشمل كل ما يشاهده في هذه الدنيا؛ لأن الله سخر للإنسان ما في السموات وما في الأرض، فتسخيره سبحانه وتعالى للإنسان ما في السموات وما في الأرض هو من نعمه العظيمة أيضاً.

عرفنا علاقة التذكير بالنعم بمعرفة الله وتأثيرها الكبير في خلق معرفة واسعة لدى الإنسان بربه، وتأثيرها العظيم في وجدانه، بحيث ينشد إلى إلهه فيحبه ويعظمه، ويشعر بعظيم إحسانه عليه فيشكره. ونلاحظ أن من العجيب أن الله سبحانه وتعالى ـ وهو أكرم الأكرمين ـ هو من ذكَّر الإنسان في القرآن الكريم بنعمه الواسعة عليه، وتمنن عليه بما أسبغ عليه من نعمه، وطلب منه أن يذكرها ويتذكرها كنعم منه تعالى عليه.

في الوقت الذي نجد أن هذا غير مسموح للإنسان نفسه فيما يتعلق بالإنسان الآخر أي فيما بين الناس {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى} (البقرة: من الآية264) الإنسان الذي يعطي إنساناً آخر لا يجوز له أن يمنَّ عليه بما أعطى فيظل دائماً يذكره بأنني فعلت لك كذا، وأنا أعطيتك كذا، وأنا عملت لك كذا، هذا يبطل أجر الصدقة، بل يتحول الموضوع إلى معصية. فلماذا؟ ما هو الفارق ؟.

الله يتمنن علينا بنعمه، ويعددها علينا، ويذكِّرنا بها، ويطلب منا أن نتذكر ما أنعم علينا به، وفي ما بيننا إذا ما أعطى أحدٌ أحداً لا يجوز له أن يمنَّ عليه بما أعطى، ولا أن يعدد نعمه عليه، ولا أنا فعلت لك كذا، وكذا .. إلى آخره؟ الفارق كبير جداَ.

النعم التي يسديها الله سبحانه وتعالى للإنسان لها علاقة كبيرة بمجالات متعددة: فهي من جهة من مظاهر قدرة الله سبحانه وتعالى، وهي من جهة أخرى من مظاهر حكمة الله تعالى، وهي من جهة أخرى من مظاهر رحمته تعالى، وهي أيضاً من دلائل رعايته تعالى للإنسان، وهي في الوقت نفسه من مفردات هذا العالم الذي يتقلب فيه الإنسان، هذا العالم الذي استخلف الله الإنسان فيه فجعله خليفة له في هذه الأرض.

نعمه تعالى هي نفسها الآليات التي بها تطيع، والتي بها ـ أيضاً ـ تعصي، فهي ذات علاقة كبيرة جداً بدور الإنسان في هذه الدنيا كخليفة لله في أرضه؛ باعتبارها مفردات هذا العالم. فهنا تبدو قضية مهمة جداً بالغة الأهمية، بالغة الأهمية: أن يتذكر الإنسان أن ما هو فيه هو نعمة من ربه عليه، أن يتذكر بأنها من نعمة الله عليه، أن يتذكر الناس بأن ما هم يتقلبون فيه هو نعمة من الله عليهم، هذه لها أثرها المهم، ومتى ما غاب هذا الشعور: تذكر أنها نعم إلهية من الله إليهم تظهر سلبيات خطيرة جداً.

فمثلاً حينما تتذكر بأن الله هو الذي أعطاك سمعك، أعطاك بصرك، أعطاك حواسك كلها، منحك صحتك، وأنك تعرف أن هذه هي الآليات التي بها تطيع الله، وقد تتصرف بها تصرفاً خاطئاً فتعصي بها الله الذي منحك إياها وكرمَّك بها، وتفضل عليك بها.

تذكر أن بصرك هو نعمة من الله كبيرة؛ ولهذا من منا مستعد أن يبيع إحدى عينيه بمليون دولار؟ هل أحد يرضى؟ لا أحد يرضى حتى ولو لم يكن يملك عشاء ليلة واحدة. فهذه الأعين وسيلة الإبصار المهمة بها تشاهد مظاهر قدرة الله، مظاهر حكمة الله، مظاهر رعاية الله، تشاهد بها الأشياء الكثيرة التي تعمق إيمانك، وتوسع معرفتك، تشاهد الأشياء الكثيرة المرتبطة بشئون حياتك، بها تستطيع أن تتقلب في حياتك في مختلف الأعمال لتوفر لنفسك كل متطلبات الحياة.

البصر مهم جداً جداً، إذا فقد الإنسان بصره عاش مسجوناً في هذه الدنيا كأنه سجين. تذكَّر دائماً بأن بصرك نعمة عظيمة من الله عليك، إذاً فاستحِ من الله، استحِ من الله أن تعصي ربك بالنعمة نفسها التي تفضل عليك بها، وأنت تعلم بأنك في أمس الحاجة إليها، استح منه أن تقلّبها فيما حرم الله عليك من النظر المريب إلى النساء، من النظر إلى كل ما حرم الله النظر إليه، ثم هكذا بالنسبة لسمعك، ثم هكذا بالنسبة لحواسك، ثم هكذا بالنسبة لمالك.

المال من الذي منحك إياه؟ من الذي تفضل عليك به؟ من الذي خلق التربة وجعل فيها هذه الخواص القابلة للإنبات؟ من الذي خلق هذه الأشجار التي نجني من ورائها مبالغ كبيرة من الأموال؟ نوفر بها كثيراَ من متطلبات حياتنا، من الذي منحها؟ أليس هو الله سبحانه وتعالى؟

استحِ من الله أن تصرف ريالاً واحداً في معصية من معاصيه، هذا كفر بنعمة الله, كفر بالله، نعمته العظيمة التي أنعم بها عليك فجعلك منشرح الصدر بها، قرير العين بها، مطمئن النفس بها، أنت مرتاح، نفسك هادئة، فلوس متوفرة ’’والقات عاده يا الله بزغة بعد بزغة وإن شاء الله يجئ بمبلغ كذا ،ما بتكون نفس واحد مرتاحة ومطمئنة ؟ ،، هذه النعمة العظيمة هي التي أضفت على روحيتك هذا الاطمئنان والشعور بالسكينة، فاستحِ من الله أن تصرف ريالاً واحداً في الباطل، استحِ من الله أن تصرف ريالاً واحداً في موقف تتحرك فيه من مواقف الباطل، استحِ من إلهك الذي منحك هذه المبالغ الكبيرة، وهي كلها نعمة لا تستطيع أنت أن تقول: [ما شي اما تيّه ما هي من الله هي مني] لا تستطيع أبداً {وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ} (النحل: من الآية53).

فإذا ما طَلب منك أن تعطي مبلغاً زهيداً من هذا المال العظيم الذي منحك إياه تصرفه في سبيله فاستحِ إذا كان لديك مروءة، وترعى الجميل، وتقدر الإحسان، وتشكر النعمة أن ترفض أن تعطي ألف ريال وهو الذي منحك مائة ألف ريال.

لو نتأمل ـ أيها الإخوة فعلاً ـ موقفنا من الله مع عظيم إنعامه علينا لوجدنا كيف نحن جديرون بقوله: {إِنَّ الْإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ} (إبراهيم: من الآية34) بهذه الصيغة: {كَفَّارٌ} يكفر بالنعمة، لا يرعى الجميل، ولا يقدر الإحسان، ولا يشكر النعمة، يعطيه مليون ويقول له: أخرج منها خمسة آلاف ريال في سبيل الله. يقول:< الله كريم، ما بش > لا أريد أن أصرف أموالي في أشرطة، وفي كتب، ومدرسين وطلاب!! .. وعبارات من هذه.

لسانك الذي وهبك الله وأنت تستطيع أن تعبر عما في نفسك، تتكلم وتنطق، انظر إلى الآخرين الذين لا يستطيعون أن يتحدثوا كيف تلمس بأنك في نعمة عظيمة، أنك تتمكن من أن تنطق، هذه النعمة العظيمة استحِ من الله سبحانه وتعالى أن تستخدمها في القول بالباطل.

من علمك البيان بواسطة النطق أن تعرب عما في نفسك، وأن تتحدث كما تريد مع الآخرين، هذه نعمة عظيمة، أليست نعمة عظيمة؟ بلى. لا شك فيها. إذاً تذكر بأنها نعمة عظيمة عليك من الله سبحانه وتعالى فاستحِ من الله أن تكذب.

المسألة هي تفرض علينا أكثر من مجرد أن نخاف من الله، أن نمتنع لمجرد الخوف، هذا هو عند ـ تقريباً ـ من لا يعقل، المفروض أنه من البداية من باب الحياء من الله، وشكر نعمته، أستحي منه تقديراً للنعمة التي وهبني، وشعوراً بعظيم إحسانه عليّ بهذه النعمة، لا أستخدمها فيما يغضبه، لا أستخدمها في الباطل، فلا تكذب، لا تغتب، لا تسخر من الآخرين، لا تكن همّازاً لَمّازاً، لا تكن ممن يشهد زوراً، لا تحلف بالله أيماناً فاجرة، لا تؤيد باطلاً. لاحظوا ما أكثر ما يمكن أن يستخدم الإنسان نعم الله في مجال معصيته؛ لأنه ظلوم كفار.

أنت عندما تحلف يميناً فاجرة تلك اليمين البالغة الخطورة التي هي من أوقح ما يصدر من الإنسان مع ربه، لأنك تقسم بالله أن القضية الفلانية كذا وكذا، وأنت تعلم أنك كاذب، فبالله العظيم، بربك العظيم، تضفي على الباطل صبغة الحق. من التقول، من الافتراء على الله سبحانه وتعالى؛ لأنك عندما تقول: أقسم بالله، أو تقول: والله إنها كذا، وكذا، ماذا يعني هذا؟ أنت تمشّي المسألة وتحاول أن تقرر بأنها صحيحة بماذا؟ باستخدام عظمة الله في الموضوع، فكأنك تجعل الله شهيداً، تجعل الله كفيلاً، تجعل الله وكيلاً على أن هذه القضية هي هكذا، وأنت تعلم أنك كاذب، والله يعلم أنك كاذب. فباسمه تأخذ حقوق الآخرين، باسمه تظلم الآخرين.

الإنسان منا متى ما حصل منه أن يستخدم اسم شخص آخر، إذا سار واحد إلى منطقة وقال: أنا ابن فلان، حصل لي كذا كذا، وأنا أريد مساعدة، هذه قد تحصل من بعض الأشخاص، أليس هذا يعتبر إساءة إليك؟

أن يسير < يطلَّب > بعدما يحمل اسمك على أساس أن اسمك معروف في المنطقة تلك، أو يسير واحد إلى عند الثاني يقول: قال فلان تعطيني مبلغ كذا قرضة وهو سيعطيك فيما بعد، وأعطاك، أليس باسمه أعطاك؟ ماذا سيقول هذا؟ استخدمت مكانته، فباسمه أخذت ما أخذت، وباسمه كذبت على الآخرين، وباسمه غششت الآخرين.

الله سبحانه وتعالى الذي يريد منا أن يكون اسمه في نفوسنا، مترسخاً في مشاعرنا هو الذي يدفعنا، هو الذي يردعنا عن أن نتجاوز على الآخرين، أن تتذكر الله كما قال في صفات المتقين: {وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ} (آل عمران: من الآية135) إن الله يريد منك أن يكون ذكره وأنت تتذكره وتتذكر اسمه لتنزجر عن ظلم الآخرين، عن المعاصي، فكيف تأتي وتستخدم اسمه في إنزاله على الباطل، ولتنال به باطلا، أو تقرر به باطلاً؟! أليس هذا من السخرية بالله سبحانه وتعالى؟ أو التسخير لعظمة الله في إضفاء شرعية على الباطل.

ولهذا جاء في الحديث: ((أن اليمين الغموس ليس لها جزاء إلا جهنم))، ((وأن اليمين الغموس تذر الديار من أهلها بلاقع)) تتدهور أحوالهم، والموت يفتك بهم فتصبح بيوتهم خالية، لماذا؟ لأنك باسم الله أضفيت على الباطل صبغة الحق، والله يريد أن تكون باسمه ترتدع عن الباطل.

هذه واحدة من الإساءة البالغة التي قد تحصل منك باستخدام النعمة العظيمة التي وهبك الله إياها وأسبغ عليك بها، نعمة النطق، البيان، الإعراب بالكلمات، بالأحرف بواسطة لسانك وشفتيك.

أن تأتي لتشهد شهادة زور، شهادة الزور هي الشيء نفسه تشبه اليمين الفاجرة؛ لأنك تقول: أشهد لله أن هذه القضية كذا وكذا، وهي ما أسوأها وما أقبحها، شهادة الزور.. وهكذا كم سترى أن كثيراً من المعاصي يمكن أن تستخدم بواسطة النطق فتكون ممن سخر نعمة الله عليك في معصيته، في ظلم الآخرين، في أخذ حقوق الآخرين، في الحط من مكانتهم، في هتك أعراضهم، في تأييد الباطل. إذاً فاستحِ من الله، وتذكَّر بأن هذه نعمة عظيمة أنعم بها عليك.

من هنا نعرف أهمية أن يذكِّرنا الله وأن يطلب منا أن نتذكر نعمه العظيمة علينا؛ لأن لها علاقة كبيرة بنا، باعتبار أنها هي الآليات التي بها نطيع وبها نعصي، فمتى ما تذكَّرنا أنها نعمة منه فإن هذا سيوجد في أنفسنا حياء من الله، أن نتوقف عما طلب منا فيها، أو أن ننطلق لاستخدامها في معاصيه.

[الله أكبر/ الموت لأمريكا / الموت لإسرائيل/ اللعنة على اليهود / النصر للإسلام]

دروس من هدي القرآن الكريم

(معرفة الله – نعم الله - الدرس الثالث)

ألقاها السيد/ حسين بدر الدين الحوثي / رضوان الله عليه.

بتاريخ: 20/1/2002م

اليمن – صعدة.

 


  • نبذة عن المسيرة القرآنية

    المسيرة القرآنية : هي التسمية الشاملة لهذا المشروع القرآني, وهي التوصيف الذي يعرِّف به تعريفًا كامًلاً , فعندما نعبر عن طبيعة المشروع القرآني الذي نتحرك على أساسه نحن نقول: المسيرة القرآنية.. وهي تسمية من موقع المشروع الذي نتحرك على أساسه.

    فالمسيرة القرآنية توصيف مرتبط بالمشروع القرآني وهي التسمية الشاملة والأساسية لهذا المشروع

    وهذه المسيرة العظيمة تقوم على ....

    اقراء المزيد...
  • تابعنا على مواقع التواصل

    • تابعون على التيلجرام
    • تابعونا على تويتر
    • تابعون على اليوتيوب
    • تابعونا على الفيس بوك
تصميم وبرمجة : حميد محمد عبدالقادر