قدّم السّيد حسين بدرالدين الحوثي في الدّروس والمحاضرات الرّؤية والمنهجيّة القرآنيّة لبناء الأمّة بناءً قويّاً, أمّة مستقلّة في ذاتها, وقراراتها, معتمدة على نفسها, لا تخضع لأحد, ولا تدين بالولاء والفضل إلاّ لله سبحانه وتعالى, وحرص السّيد على أن تُبنى الأمّة باستقلاليّة تامّة ماليّاً وإداريّاً كما أراد لها الله سبحانه وتعالى, مستقلّة في قراراتها, وأعمالها, ومواقفها معتمدةً على الله سبحانها وتعالى, وعلى نفسها وقدراتها الذّاتية, فتتّجه وتعمل هي لبناء نفسها, وتطوير قدراتها بعيدةً عن أيّ تأثيرات, ومؤثّرات, وعوامل خارجيّة, تجعل من الأمّة رهينة ومدينة بالولاء والخضوع لأحد, وأكّد السّيد أنّ الأمّة تمتلك ما لا يمتلكه غيرها من مقوّمات البناء والنهوض منهجيّاً, وفكريّاً, وتربويّاً, وثقافيّاً, وسياسيّاً, واقتصاديّاً, وفي كلّ مختلف المجالات, فتنشئ أمةً قويّة, وحرّة, ومستقلّة كما أراد لها القرآن الكريم, وقد حذّر السّيد من خطورة الاعتماد على الآخرين, ورفض فكرة التّمويل, والتّبني للمسيرة القرآنيّة من قبل أحد, مهما كانت الظّروف والتّحديات, ومهما كان حجم العمل كبيراً, أم صغيراً, ومن خلال هذه الرّؤية والمنهجيّة القرآنيّة وُلدت المسيرة القرآنيّة, وتحرّكت أمّة أنصار الله في اليمن معتمدة على الله سبحانه وتعالى, وتطمع في نصره, وعونه, وتأييده, وتعتمد على نفسها وقدراتها الذّاتية, ولا تعتمد على أيّ أطراف, لا داخليّة, ولا خارجيّة, كما بيّن ووضّح السّيد (رضوان الله عليه), ومن هنا نعرف بطلان كلّ ما يقال في وسائل الإعلام من دعايات سياسيّة وإعلاميّة تشنّ ضد أنصار الله لتشويههم وتبرير استهدافهم المتواصل والمتكرّر, ولمحاولة تقديمهم كعملاء يخدمون أطراف وأجندة خارجيّة, وسنعرف ويتبيّن لنا من خلال ما قدّمه السّيد أنّ أنصار الله في هذه المسيرة القرآنيّة لا يعتمدون على أحد إلاّ الله سبحانه وتعالى, وأنّ كلّ هذه الدّعايات والتّهم ما هي إلاّ من صنع الأمريكيّين, والإسرائيليّين, وعملائهم المنافقين في المنطقة.
الإستقلاليّة الماليّة والإداريّة
في الحقيقة أنّ المتابع المتأمّل لمسيرة أنصار الله يلحظ منذ الوهلة الأولى استقلاليّتهم, الماليّة, والإداريّة, والعسكريّة, والسّياسيّة, والّلوجستيّة, واستقلالية قرارهم, واعتمادهم على الله فقط, وعلى عطائهم, وجهودهم الذّاتية كأمّة منظّمة تسير في مسيرتها, وتبتني في أعمالها على أساس القرآن الكريم, بل إنّ من أدبيّات الحركة, ومناهجها التّربويّة في بناء الأمّة هو ضرورة اعتماد مبدأ الاستقلاليّة في المال, والقرار, والأعمال كخيار استراتيجيّ مهما كانت الظّروف والمتطلّبات, وقد ناقش السّيد القائد المؤسس/ حسين بدر الدين الحوثي منطقيّاً, وإيديولوجيّاً هذا الموضوع, وأشبعه من كلّ الجوانب في أكثر من درس ومحاضرة, وأجاب على كثير من التّساؤلات, ففي محاضرة سورة البقرة الدّرس التّاسع من دروس رمضان الصّفحة السّادسة عشر, يقول السّيد بالنّص: (شيء طبيعي بأن القتال يحتاج إلى تمويل التمويل من أين يأتي؟ هل وجه المسلمين إلى أن يبحثوا عن أطراف أخرى وأن يتجهوا للفرس, أو إلى الروم, أو إلى أي دولة أخرى تساندهم؟ لا. ينطلقون هم فالمقاتلون أنفسهم, المجتمع المسلم نفسه هو يمول نفسه, وهذه قضية هامة جدا لا يقوم الدين إلا بها, لا يقوم الدين إلا على هذا الأساس: أن يكون هناك إنفاق, وأن يكون إنفاقا من داخل نفس الذين هم يتحركون في القضية, أي: من داخل المجتمع المسلم نفسه, الموجه إليه هذه المسؤولية, لأنه يحصل إستقلالية للأمة, يمكنها أن تنهض بدين الله, ولا تكون مدينة لأي طرف آخر نهائيا, لأن أي طرف آخر لا يقدم شئيا إلا بثمنه, ولها أثرها الكبير من الناحية النفسية, بالنسبة للمجتمع المسلم, وللأمة عندما تبنى على هذا الأساس, تصبح أمة هي واثقة بنفسها, واثقة بدينها, واثقة بربها, واثقة بالمنهج الذي تسير عليه, فتستطيع هي أن تقوم بدين الله, وتستطيع أن تواجه أعدائها) سورة البقرة الدرس التاسع.
وفي نفس الصفحة يبيّن السّيد خطورة الاعتماد على أيّ أطراف أخرى, والبحث عن التّمويل من أيّ جهة, لأنّ لهذا التوّجه أثره السلبي نفسيّاّ, وتربويّاّ على نفسيّات ومعنويّات المجاهدين, وعلى المجتمع المسلم بكلّه, ولأنّ المنهجيّة القرآنيّة تُوجّه وتُربّي المؤمنين على أساس أن يكونوا مُتوجّهين, ومعتمدين على الله سبحانه وتعالى, فيقول: (لكن إذا كانت القضية أنهم هم يبحثون عن مساعدات أخرى من خارج, لأنه عادة في مراحل الصراع قد يكون طرف من الأطراف في مصلحته أن يساعدك لأن له موقفا من الطرف الذي أنت تقاتله, لكن هنا لها أثر سلبي كبير, فيما يتعلق بنفسيات المسلمين المقاتلين, المجتمع بكله, سيعتبرون الإنتصارات ومواقفهم القوية كلها بسبب الآخرين, والقضية هنا كلها تقوم على أساس أنك تكون متوجها إلى الله دائما دائما) سورة البقرة الدرس التاسع.
هذا من الجانب النّفسي والتّربوي, ومن الجانب السّياسيّ والعسكريّ يبيّن السّيد الآثار الخطيرة المترتّبة على هذا التوجّه, الّتي تؤدّي في الأخير إلى الفشل, والإخفاق, والهزيمة, والتّلاشي لأيّ أمّة تعتمد في تحرّكها ومسيرتها على الآخرين, فيقول: (هنا لو يحصل موقف آخر ربما تتلفت من الذي يمكن أن يساعدك, ولو على حساب أن تقدم تنازلات من دينك, يأتي حالة لا تجد فيها طرف يمكن أن يساعدك, تنهزم من أول يوم, مثلما حصل للعرب الآن, تلفتوا الآن, بحثوا عن روسيا, وفرنسا, والصين, لم يعد هناك الإتحاد السوفيتي سابقا, استسلموا من أول يوم!, ألم يستسلموا من أول يوم؟ هذه عملية تربوية هامة جدا جدا: أن دين الله بنى الأمة بناءا, استقلالية تكون هي معتمدة على الله فهي تنفق في سبيل الله, معتمدة على قدراتها, وتطور هي قدراتها, انتصاراتها تحسب لها, وتراها أنها من الله, وليس من الطرف الآخر الذي يساندها, أمة على هذا النحو تستطيع بإستمرار أن تكون متحركة, ولا أحد يستطيع أن يقهرها, ولا تكون مدينة لأي طرف في نفس الوقت) سورة البقرة الدرس التاسع.
وعلى ضوء هذه التّربية والمنهجيّة القرآنيّة تسير حركة أنصار الله منذ يومها الأول, بعيدة عن أيّ أطراف دوليّة وإقليميّة, وترفض رفضاً قاطعاً فكرة التّمويل الأجنبيّ, والاعتماد على الآخرين, مهما كانت الظّروف, خلافاّ لما هو عليه واقع العرب اليوم, والحركات الأخرى, وفي هذا الصّدد, يقول السّيد: (فهي حالة مهمة جدا جدا, ولهذا قلنا: أنه يجب أن يكون الناس في عملهم هذا, مهما كان عملا بسيطا, يجب أن لا نتجاوز حدود تربية القرآن الكريم, حدود هدي الله, أنه يجب أن نتحرك على أساسه, لا يوجد فكرة عندنا نحن بأن نحاول أن نحصل على مساعدات من أي طرف على الإطلاق, لا طرف داخلي ولا خارجي, ولأن الناس عندما يتجهون إلى أن ينفقوا في سبيل الله, أن الله يجعل فيها بركة, وفي نفس الوقت ترتفع معنوياتهم, وفي نفس الوقت ينشدون إلى الله, وتعظم علاقتهم بالله, لأن الجهاد نفسه هو من أهم الأشياء في مقام معرفة الله, لأن المجاهدين يكونون في حالة التجاء إلى الله, وبحاجة إلى نصر, وبحاجة إلى تأييد, وبحاجة إلى عون, يكونوا دائمي الإلتجاء إلى الله, وهم يَتلمّسون في الميدان السند الإلهي, والدعم الإلهي, والتأييد الإلهي, فيعيشون في حالة قرب من الله, هذه الحالة تُنسف تماما إذا ما كانوا ملتجئين إلى أطراف أخرى, إلى دولة أخرى, أو إلى أمة أخرى ) سورة البقرة الدرس التاسع
وبهذا يكون حديث السّيد قد نسف تماماّ كلّ تلك التّرّهات, والإشاعات المفبركة الّتي يروّج لها الأمريكيّون, وأدواتهم, وأبواقهم, ولا يمكن أن ينجرّ وراء هذه التّهم إلاّ جاهل بالله وبالقرآن الكريم, وبالرّؤية والمنهجيّة الّتي قدّمها السّيد حسين في الدّروس والمحاضرات, والّتي تقوم على اعتماد الرّؤية والمنهجيّة القرآنيّة, والاعتماد على الله سبحانه وتعالى فقط, لأنّ الأمّة القرآنيّة الّتي تنشد النّصر تكون أمّة معتمدة على الله سبحانه وتعالى, وعلى ذاتها, وقدراتها, لأنّها تعلم أنّ النّصر ليس من عند إيران, ولا روسيا, ولا الصّين, ولا أمريكا, وإنّما بيد الله ومن عند الله وحده لا شريك له, كما قال سبحانه وتعالى ﴿وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِندِ اللهِ ﴾[آل عمران:126] ومن يطلب النصر وينشده فإنّه بلا شك لن يعتمد إلاّ على الله وعلى نفسه, ومجتمعه وشعبه, وأمّته.
وقد تجلّى واضحاً في مواجهة العدوان السّعودي الأمريكي الذي يواجهه بلدنا، وفي ظلّ فرض الحصار الخانق عليه، برّاً، وبحراً، وجوّاً، وتقييد حركة البنوك، والحوالات، والسيطرة عليها، أنّ الشّعب مستشعر لمسئوليته الدّينيّة هذه، ورأينا آلاف القوافل النّقدية والعينيّة الّتي يسيّرها الشّعب رجالاً ونساءً، وكباراً وصغاراً بالمال والذّهب، ويجود بها من قوت يومه دعماً للجيش والّلجان الشّعبية في مواجهة العدوان.
[الله أكبر/ الموت لأمريكا / الموت لإسرائيل/ اللعنة على اليهود / النصر للإسلام]
دروس من هدي القرآن الكريم
ألقاها السيد/ حسين بدر الدين الحوثي / رضوان الله عليه.