القرآن الكريم تنزلت كثير من آياته في مكة، وعندما تسمع كلمة: [كفر] وكلمة: [شرك] فلأن من في الساحة وهو يخاطبهم, ويعمل على أن ينقلهم من الوضعية التي هم فيها، هم مشركون، كافرون، فتأتي العبارات على هذا النحو, ولأن الله يريد من عباده - وهو الشيء البديهي لو فهمناه - أنه عندما ترون هذا الوعيد الشديد لأولئك فهل تفترضون أننا نريد أن ننقلهم من اسم ليحملوا اسماً آخر، ثم ليبقوا على ما هم عليه، وحينئذ فلا يعذبون؟!.
أنت اسمع عندما ترى الآيات الكثيرة تتهدد الكافر، انظر لماذا الكافر؟ هل لأن اسمه كافر [ك ا ف ر]؟ أم لأنه على حالة هي تحول بينه وبين أن يتقبل هدى الله؟ لماذا المشرك؟ ولماذا تلك الهجمة الشديدة على أشخاص يعبدون أحجارا وهم يعلمون, والله يعلم, ورسوله يعلم أن تلك الحجر لا تستطيع أن تعارض الله, ولا أن تكون ندا لله، ولا أن تكون كفؤا لله، ولا أن تنازع الله في ملكه، لماذا هذه الهجمة؟. لأن هذا الشخص الذي يعبدها ولا يؤمن بالله كإله واحد، هو نفسه لن يكون لديه قابلية أن يتقبل هدي الله، سيبقى معرضاً عن تقبل هدي الله... الشرك لهذا.
إضافة إلى أنه قول باطل، تأثيره على صاحبه أنه إذا أنا لست مؤمناً بوحدانية الله، فلن أؤمن برسوله، ولن أؤمن بكتابه، وحينئذ يكون واقعي أنني معرض عن هدي الله، بل سينطلق ذلك المشرك إلى ميادين القتال للصد عن سبيل الله.
فالمشكلة الأساسية في الشرك بالنسبة لصاحبها: هو أنه على وضعية تجعله معرضاً عن هدي الله، وصادا عن سبيله. فهل الإعراض عن دين الله وهديه، والصد عن سبيله غير مسموح هنا ومسموح هنا؟ هو نفسه يصدر ممن يحمل اسم إسلام.أليس كذلك؟ الكثيرون يصدون عن سبيل الله {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ كَثِيراً مِنَ الْأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ}(التوبة: من الآية34) أليسوا علماء دين؟ أم مشركون؟ علماء دين، {لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ}(التوبة: من الآية34).
فأولئك الذين يقولون: [هذا تهديد للكافرين لاحظ هو يقول: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا} ويقول: {إِنَّ الْمُشْرِكِيْنَ}، نحن لسنا كفارا ولا مشركين] طيب ما الذي تغير لدينا؟ أنت تعتبر أن مجرد تغيير الاسم هو كل شيء؟! إن الله ينظر إلى الأعمال، وليس إلى مجرد الأسماء، ينظر إلى الأعمال, وينظر إلى القلوب. نقول: هؤلاء الكافرون ما هي المشكلة لديهم؟ لأنهم هكذا: صادون عن سبيل الله.
ولهذا تعرض القرآن الكريم - عندما تتأملوا آياته - تعرض بالتفصيل لأعمال المشركين، ألم يقل في بعضها: {الَّذِينَ لا يُؤْتُونَ الزَّكَاةَ}(فصلت: من الآية7) ألم يقل في بعضها أنهم{يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ}(الأعراف: من الآية45)؟ ألم يقل في بعضها أنهم {يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ}(النساء: من الآية76)؟ هو يتعرض بالتفصيل لأعمال الكافرين، ولأعمال المشركين، وأنها هي الأعمال الممقوتة.
وإنما مسألة الشرك هي نفسها وراء أن يكونوا على هذه الحالة, فيتوجه الكلام كثيرا إلى الشرك ليقلعه من نفوسهم، لتصبح تلك النفوس قابلة لأن تهتدي بهدي الله، ولأن تبتعد عن الصد عن سبيله، ولأن تلتزم بدينه، فيقلع الشرك من قلوبهم, يقلع الشرك من أذهانهم، وتقاليدهم وأفكارهم، لآثاره؛ لأنه معلوم عن الله سبحانه وتعالى أنه لا تضره معصية من عصاه، ولا تنفعه طاعة من أطاعه، وكل هديه يتوجه إلينا نحن؛ لأننا نحن المحتاجون إليه، يتوجه إلى أنفسنا، ولأن كل عمل باطل هو فساد علينا نحن، هو ضد مصالحنا نحن.
فعندما يأتي ليتحدث عن الشرك والكفر، ليس لأنه أصبح يخاف من ذلك الصنم، أو أنه إذا تجمع الآلاف حول ذلك الصنم سينازعه هذا الصنم في ملكه؛ إنما ليبعد هؤلاء عن عقيدة جعلتهم يبتعدون عن هدي الله، وجعلتهم ينطلقون في الصد عن سبيله، وجعلتهم بعيدين عن التخلق بالأخلاق التي أراد أن يتخلق بها عباده الذين يسيرون على هديه.
إذاً فكل من صد عن سبيل الله، كل من ابتعد عن دين الله، كل من أعرض عن هدي الله، وإن كان يحمل اسم مسلم، حكمه حكم أولئك. وهذه قضية مفروغ منها في القرآن الكريم؛ مفروغ منها؛ لأنه من غير الطبيعي، ومن غير المقبول أن تفترض أن المسألة إنما هي مجرد تغيير اسم، فتقول: أولئك فقط لأن اسمهم [كافرين] أما نحن فلو انطلقنا في نفس الأعمال التي تصدر منهم فإننا قد أصبحنا مؤمّنين من عذاب الله، هذا شيء غير طبيعي.
الله البشر كلهم عبيده، وهو رب العالمين جميعاً، ولن يكيل بمكيالين معهم، لن يعذب هذا المجرم على أعمال هي نفسها التي لا يعذب عليها شخصا آخر صدرت منه, وحالته وموقفه حالة هذا الشخص الآخر. لا يمكن، إلا إذا كان هناك توبة.
والتوبة ألم يتوجه الأمر بالتوبة إلى المسلمين؟ لماذا التوبة؟ لو أن المسألة هكذا مفروغ منها أن الكلام كله حول الكافرين حول المشركين أما نحن فقد أسلمنا لما كنا بحاجة إلى توبة إذاً فلماذا التوبة؟ التوبة لا بد منها؛ لأنك أنت أيها المسلم فيما لو اقترفت عملا من أعمال أولئك ستعذب فهذه هي التوبة تب.
والتوبة معناها: الإقلاع عن المعصية، الرجوع إلى الله، الندم على ما صدر من الإنسان من تقصير، من تفريط في جنب الله، من تقصير في الأعمال التي ترضي الله سبحانه وتعالى، ما حدث منه من معاصي لا بد أن يتوب منها، وإذا لم يتب فلا فرق بينه وبين ذلك الشخص الآخر.
[الله أكبر/ الموت لأمريكا / الموت لإسرائيل/ اللعنة على اليهود / النصر للإسلام]
دروس من هدي القرآن الكريم
من ملزمة معرفة الله وعده ووعيده
الدرس الخامس عشر
ألقاها السيد/حسين بدرالدين الحوثي
بتاريخ: 8/2/2002م
اليمن – صعدة