لـــذلك وعي المسلمين واستحضارهم لهذه الحقيقة الجليَّة في كتاب الله، والواضحة من الواقع، أمرٌ مهمٌ جداً، والمفترض بكل إنسانٍ مسلم أن تكون هذه الحقيقة قد ترسَّخت عنده، وألَّا يكون لديه أي التباس إطلاقاً، عن من هو العدو الذي يمثل خطورةً عليه وعلى أمته، وعلى دينه ومقدساته، على حياته وعرضه وأرضه وشرفه، على كل ما يَمِتُ بصلةٍ لك أنت كإنسان مسلم، كعربي من هذه الأمة أيضاً، المفترض أن تكون هذه الحقيقة واضحة تماماً؛ لأن من العمى والتيه الفظيع جداً، هو عندما يكون لدى الإنسان التباس في التفريق بين من هو العدو، ومن هو الصديق، إذا لم يهتدِ الإنسان الذي ينتمي للإسلام لا بالقرآن الكريم، لا بكلام الله تعالى، وهو أصدق القائلين، ولا بالوقائع والأحداث التي ملأت سمع الدنيا وبصرها، وهي أحداث كبيرة رهيبة، فرضت نفسها في كل العالم، حتى على غير المسلمين، إذا لم يهتدِ بذلك، ولم يفهم من ذلك، ولم يصل إلى مستوى التفريق بين العدو والصديق من خلال ذلك، فقد- فعلاً- وصل إلى مستوى عمى القلب، والله يقول في القرآن الكريم: {فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ}[الحج: 46]، وهي حالة خطيرة جداً، وشيءٌ مؤسفٌ جداً!
بل من أعمى العمى، ومن الجهل الرهيب الفظيع، ومن الغباء الذي لا مثيل له، والذي قد يجعل الأمريكي والإسرائيلي يُصَدِّق عن البعض أنهم ليسوا بشراً، ليسوا بمستوى الفهم الآدمي البشري، من يعتمد على الأمريكي والإسرائيلي ليحددوا له هم من يعادي، ومن هو عدو، ومن يتجه لعدائه، ومن يعطي الأولوية لينصرف لمواجهته، هذا هو أيضاً أمرٌ فظيعٌ للغاية.
الحقيقة الثانية مما تجلَّت خلال كل هذه الفترة، هي: التفريط العظيم والتنصل الكبير عن المسؤولية من معظم الأمة الإسلامية، هذه حقيقة جليَّة وواضحة.
معظم المسلمين، منذ هذه الجولة من العدوان الإسرائيلي الهمجي الوحشي، الذي يرتكب فيه جرائم الإبادة الجماعية ضد الشعب الفلسطيني في كل يوم، على مدى عام وشهرين، كل هذه الفترة ومعظم المسلمين يتفرجون، لم يتخذوا أي موقفٍ عملي إطلاقاً، إطلاقاً، الأكثرية من المسلمين ليس لهم صوت، ولا إنفاق، ولا تعاون بأي شكلٍ من أشكال التعاون: لا بالمال، ولا بالكلمة، ولا بالموقف، ولا بالسلاح... ولا بأي شكلٍ من أشكال التعاون، هذا هو معظم الأكثرية من المسلمين، الذين لم يصل تعاطفهم مع أبناء الشعب الفلسطيني، مع ما يعنيهم، وعليهم مسؤوليةٌ تجاهه، حتى بمستوى ما عليه بعض البلدان غير المسلمة في أمريكا اللاتينية، هناك بلدان لأهلها مواقف أكثر من مواقف الكثير من المسلمين، وهذا شيء مؤسف جداً!
على مستوى البلدان العربية وغيرها، الكثير لم يتجه لاتخاذ أي موقف جاد وعملي لنصرة الشعب الفلسطيني، وهم يشاهدون ما يفعله الأمريكي لدعم العدو الإسرائيلي، وما تفعله دول الغرب، ما تفعله بريطانيا، ألمانيا، فرنسا... غيرها من الدول الغربية، لدعم العدو الإسرائيلي، وهو في موقف المعتدي، الظالم، المجرم، وهو الذي يمتلك- أصلاً- من الإمكانات ما يستغني به عن كثيرٍ من الدعم؛ بينما الشعب الفلسطيني المظلوم، المضطهد، المعتدى عليه، المسلم، والأحوج إلى التعاون معه؛ لأنه في نقطة الصفر، من حيث الإمكانات والظروف الصعبة جداً التي يعاني منها، ولكن لم يرقَ مستوى الاهتمام، والشعور بالمسؤولية، والتوجه لدعم الموقف الحق والمظلومين، من كثيرٍ من أبناء هذه الأمة التي تنتمي للإسلام، بمستوى ما تحرَّك أهل الباطل، والظلم، والكفر، والشر والإجرام، لدعم مجرمهم المعتدي الظالم، وهو العدو الإسرائيلي.
معظم الأنظمة لكبريات الدول العربية، ولكبريات الدول الإسلامية، وقفت موقف المتفرج، إمَّا في الحالة النادرة، تطلق البعض من التصريحات أو البيانات، أو في حالات القمم المعروفة، التي لا تخرج بأكثر من بيانات، وتصريحات، وخطابات، دون أي مواقف عملية، ولو حتى في الحد الأدنى من المواقف العملية، وهذا شيءٌ واضح.
أنظمة لكبريات الدول، التي سكانها بعشرات الملايين: بلد سكانه مائة مليون، بلد سكانه ثمانين مليون إنسان... وهكذا، مجموع هذه الأمة، أمة الملياري مسلم، في القمم الجامعة لا تخرج بأكثر من بيانات وتصريحات، تنتهي بعد إعلانها فوراً، دون أي مفعول عملي، أو تأثير عملي، أو متابعة عملية وإجراءات عملية، وهذا شيءٌ واضحٌ ومؤسفٌ جداً! ولم يفتحوا المجال لشعوبهم، ليقولوا: من أراد أن يدعم فليدعم مالياً، من أراد أن يتحرك فليتحرك، تظاهروا، أنفقوا، تحركوا قدِّموا ما تستطيعون تقديمه؛ إنما كبَّلوا شعوبهم، وكانوا هم في أنفسهم بذلك المستوى من التفريط والتنصل عن المسؤولية،
والأسوأ من ذلك، أن من كبريات الأنظمة، لكبريات الشعوب في هذه الأمة على مستوى الوطن العربي، من البلدان المجاورة لفلسطين، من تفرَّج على أبناء الشعب الفلسطيني وهم يتضورون جوعاً؛ بينما كانت الإمدادات من جهته، والبضائع تذهب إلى العدو الإسرائيلي، ولا تزال، وبعض الدول العربية تتصدر بقية البلدان فيما تقدمه من بضائع وإمدادت للعدو الإسرائيلي إلى اليوم، وحتى على مستوى المعيار الأسبوعي، عندما نقارن أسبوعياً فيما يصل للعدو الإسرائيلي من بضائع، ومواد غذائية... وغيرها، المستوى الأعلى من بلدٍ عربي مجاور لفلسطين، هذا شيء مؤسف للغاية ومؤلم جداً! والمستوى على مستوى العالم الإسلامي، المستوى الأعلى كذلك لبلد مسلم كبير، من كبار البلدان الإسلامية، ونظامه نظام كبير ومتمكن، وله نفوذه الدولي وعلاقاته الدولية، وهو أيضاً في مستوى كبير مما يذهب منه إلى العدو الإسرائيلي من بضائع، وما يستجلبه كذلك من بضائع من جهة العدو الإسرائيلي، وهذا شيءٌ مؤسفٌ أكثر أيضاً! وهم يدركون ما يعانيه الشعب الفلسطيني.
في ظل هذا الواقع الكبير من التخاذل والتفريط، وفي إطار هذه الحقيقة الجلية، الواضحة، التي يعرف بها الناس، هي واضحة، لا تحتاج إلى نقاش واستدلال، كانت نقطة الضوء الوحيدة، وبصيص الأمل بين ظلمات كل هذا المستوى الرهيب من التخاذل، والتنصل عن المسؤولية، والجمود، نقطة الضوء هو في الجهد الذي يبذله محور القدس والجهاد والمقاومة.
على مستوى المحيط المجاور لفلسطين، من الذي قدَّم مثل ما قدَّمه حزب الله؟ من الذي قدَّم؟ الحقائق تنطق بمن الذي قدَّم، حزب الله قدَّم الغالي والنفيس، قدَّم قادته شهداء في سبيل الله تعالى، قدَّم من كوادر، من أفراده، بذل الجهد، فعل ما لم يفعله غيره، وهذه حقيقة جلية، واضحة، لا تحتاج إلى إثبات، ثابتة بنفسها، وتفرض نفسها.
ما تبذله جبهات الإسناد من اليمن والعراق، ما يتحرك فيه اليمن رسمياً وشعبياً، هذا شيءٌ واضح، في ظل ذلك المستوى من التخاذل، من يقف مع الشعب الفلسطيني، مع مجاهديه الأعزاء، بمستوى متميز، وواضح، وظاهر، وصريح، وبيِّن، وجريء، وقوي، هو ما يحصل وما يُقدَّم من محور القدس والجهاد والمقاومة، وما تقدمه الجمهورية الإسلامية من دعم ومساندة للمحور بكله، وللشعب الفلسطيني في المقدمة.
هناك أنشطة شعبية في بعض البلدان العربية، وفي نفس الوقت لا تسلم من التضييق عليها، بعض من المظاهرات تخرج في الأردن في كثيرٍ من الأسابيع، في المغرب العربي كذلك، في بعضٍ من البلدان وقفات، أو أنشطة محدودة، تلقى المضايقة في كثيرٍ من الأوقات.
فكانت نقطة الضوء مع الشعب الفلسطيني، في ظل وقفته هو وصبره، مجاهديه وعطائهم، واستبسالهم، وتفانيهم، وثباتهم العظيم، الذي لا مثيل له في مثل تلك الظروف الصعبة للغاية التي يعيشونها، هو في هذا المستوى من نطاق محدود، نطاق محدود، ومع ذلك يستهدف هذا الجهد الذي يبذل، يستهدف بالتشويه بشكلٍ مكثفٍ جداً، كم هي وسائل الإعلام، التي معظم نشاطها الإعلامي، وهي عربية، معظم نشاطها الإعلامي يتجه بشكلٍ مكثف لتشويه هذا الجهد، ولتخذيل الأمة من بذل أي جهد؛ لأنه المطلوب، المطلوب من كل المرتبطين بأمريكا وإسرائيل ألَّا يكون هناك أي جهد مساند للشعب الفلسطيني ومجاهديه، أي نشاط آخر اتَّجه فيه، اتَّجه فيه وتكون جزءاً مما يجري هناك، في الإطار الذي يريده الأمريكي.
[الله أكبر/ الموت لأمريكا / الموت لإسرائيل/ اللعنة على اليهود / النصر للإسلام]
كلمة السيد القائد/ عبد الملك بدر الدين الحوثي
حـــول آخـــر التطـــورات والمستجـــدات الأسبوعيـــة
الخميس 4 جمادى الآخرة 1446هـ 5 ديسمبر 2024م