يوم الغدير ليس يوما عاديا في تاريخ الإسلام أو في حياة المسلمين، بل هو يوم تم فيه وضع مسار الأمة على سكة النجاة والأمان من الانحراف من خلال ذلك الإعلان وذلك البلاغ الخالد الذي أمر الله رسوله بتبليغه لجموع المسلمين في حجة الوداع ليبلغوه هم أيضا لجموع الأمة من ورائهم، وليستمر البلاغ في ثنايا التاريخ وعبر الأجيال إلى قيام الساعة، إنه البلاغ الإلهي الذي حدد ولاية الأمة فيمن تكون ومن هو أهل لها، وكان ذلك من خلال النموذج الأرقى لهذه الولاية بعد الرسول محمد (صلى الله عليه وآله وسلم)، وهو الإمام علي بن أبي طالب الذي قال فيه النبي في الحديث الصحيح المشهور: "يا علي أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي".
فكان ذلك البلاغ الواضح الذي وصل إلى جموع الأمة وإلى أعماق التاريخ: "أيها الناس ألست أولى بكم من أنفسكم. قالوا: بلى يا رسول الله. قال: فمن كنت مولاه فهذا علي مولاه، اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه، وانصر من نصره، واخذل من خذله".
وفي ذلك اليوم وبعد ذلك البلاغ نزل قوله تعالى: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا)، ليدل على مستوى الأهمية لهذا البلاغ العظيم، وأن به إكمال الدين.
إن هذا الاصطفاء الالهي والاختيار الرباني الذي اختص به الإمام علي (عليه السلام) لم يأت من فراغ، بل كان وفقا للحكمة الإلهية التي تضع الأمور حيثما يجب أن تكون، وقد كان علي (سلام الله عليه) جديرا بهذا الاختيار وبهذه الولاية على جميع المسلمين بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وذلك لما توافرت فيه من صفات الكمال، والعلم، والإيمان، والفضل، والسبق، والجهاد، والشجاعة، والإخلاص، والورع، والوعي، والحكمة، والقرب من رسول الله ما لم يتوفر في غيره من الصحابة وسائر المسلمين. لقد كان أشبه بالمعجزة في كل شيء، ولذلك فقد كان هو وحده الأجدر بولاية الأمة الإسلامية بعد نبيها (صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله).
هذا هو الاختيار الإلهي وعندما يختار الناس لأنفسهم أمرا آخر فإنهم يعرضون أنفسهم للضلال والانحراف، بل وسخط الله وعقوبته ويخرجون عن مسمى الإيمان الذي يعني التصديق والرضا والتسليم لأمر الله (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ)؛ لأن الله تعالى هو أعلم بما يصلح عباده ومن يصلح عباده، ولذلك كان الأمر إليه جل وعلا في تحديد وتوصيف من يلي أمر هذه الأمة، ولذلك يجب أن نتعلم التسليم لله والرضا والثقة باختياره في كل الأمور وفي هذا الأمر بالذات، لأنه أمر عظيم يترتب عليه صلاح الأمة ونجاتها في الدنيا والآخرة. وقد رأينا كيف كان حال أولئك الذين أعرضوا عن هذا الاختيار والاصطفاء الإلهي كيف ساءت بهم الأحوال، وكيف تولى عليهم قوم طغاة جبابرة أفسدوا الأمة وكانوا سببا في ضلالها وجروا الويلات عليها، وهذا ما عانت وتعاني منه الأمة الإسلامية منذ أن أعرضت عن ذلك البلاغ الذي قدمه رسول الله (صلى الله عليه وآله) في يوم الغدير حين رفع يد علي وأخبر الأمة الإسلامية أن عليا وليها، ولكنها أعرضت فرفعت أياديَ أخرى فهوت بها تلك الأيادي إلى الحضيض. إن الأمة الإسلامية اليوم أحوج ما تكون إلى التمسك بولاية علي، ومن كان على نهج علي من أعلام الهدى الذين يقودونها إلى العزة والكرامة والفوز والفلاح والسير وفق المنهج الرباني فيسعدون وتكتب لهم النجاة والسلامة في الدنيا والآخرة.
أخيرا إن إحياء هذه المناسبة العظيمة مناسبة يوم الولاية هي مهمة جدا في تجديد العهد والولاء لله ورسوله والإمام علي وأعلام الهدى والتمسك بهم، لأن ولايتهم هي امتداد لولاية الله و رسوله، كما أن هذه المناسبة هي فرصة للتوثيق والبلاغ؛ توثيق هذا الأمر وتبليغه للناس عبر الأجيال كما بلغ رسول الله (صلى الله عليه وعلى آله) في ذلك اليوم.
اللهم إنا نتولاك، ونتولى رسولك، ونتولى الإمام علي، ونتولى من أمرتنا بتوليهم من أعلام الهدى أوليائك، والحمد لله على تمام النعمة وإكمال الدين..
ــــــــــــــــــــــ
بقلم : عبدالله الرازحي