اليوم العاشر -الدرس الخامس- الاحد / 10 رمضان - البرنامج الرمضاني- برنامج رجال الله.
عناصر الدرس:
(الدرس الرابع عشر- معرفة الله - وعده ووعيده)
- من العقوبات الالهية التيه العاجل في الدنيا.
- لا عبرة بالمجاميع التي لا تقول شيئاً مهما كانت ثقافتهم ومكانتهم.
- سطر الله كلام الرجلين مع كلام موسى لأن للكلمة التي ترشد أهميتها وإن لم تصدر من الأعيان.
- الله سيكون مع من ينطلقون ليضعوا خططاً عملية للأمة ولن يقف مع الساكتين.
ثم يقول سبحانه وتعالى في آية أخرى بعد أن طلب نبي الله موسى من قومه أن يدخلوا القرية التي كتب الله لهم أن يدخلوها ـ القصة مهمة جداً ـ: {يَا قَومِ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنْبِيَاءَ وَجَعَلَكُمْ مُلُوكاً وَآتَاكُمْ مَا لَمْ يُؤْتِ أَحَداً مِنَ الْعَالَمِينَ يَا قَوْمِ ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَلا تَرْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ قَالُوا يَا مُوسَى إِنَّ فِيهَا قَوْماً جَبَّارِينَ وَإِنَّا لَنْ نَدْخُلَهَا حَتَّى يَخْرُجُوا مِنْهَا فَإِنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا فَإِنَّا دَاخِلُونَ قَالَ رَجُلانِ مِنَ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيهِمَا ادْخُلُوا عَلَيْهِمُ الْبَابَ فَإِذَا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غَالِبُونَ وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ قَالُوا يَا مُوسَى إِنَّا لَنْ نَدْخُلَهَا أَبَداً مَا دَامُوا فِيهَا}(المائدة: من الآية24) أليست هذه معصية؟ رفضوا! ما الذي حصل من عقوبة في الدنيا؟ {فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ} (المائدة: من الآية24) {قَالَ فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ} (المائدة: من الآية26) بعد هذا جاء بالعقوبة عليهم في الدنيا: {قَالَ فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ فِي الْأَرْضِ فَلا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ} (المائدة:26).
أليس هذا وعيداً في الدنيا حصل لبني إسرائيل؟ تاهوا أربعين سنة في صحراء [سينا] لا يبنون مساكن ولا يزرعون. بالآلاف تائهين مثلما نحن، نحن الآن في حالة تيه، لكن تيهنا تيه فكري، تيه ثقافي نرى المشاكل، ونرى المصائب من كل جهة ولا ندري ماذا نصنع، ويصل الحال بنا في حالة تيهنا أنه متى ما قال لنا أحد: هذا حلّ أو قولوا هكذا؛ سخرنا منه: ماذا سيجدي هذا؟ لا. دعنا هكذا (مشخّرين) دعنا نتيه. ألسنا في حالة تيه؟
حتى تتأكد أننا في حالة تيه ـ كلنا نحن المسلمين ـ انظر إلى وسائل الإعلام في التلفزيون تتحدث عما يعمل الأمريكان وعما يعمل اليهود في كل منطقة وعما يعمل النصارى، ثم انظر هل هناك حديث عن حل، أو حديث عن موقف إسلامي أو موقف عربي؟ لا. تائهين، فقط يهمنا أن نسمع. أن يقال حتى كلمة واحدة قولوها قد ربما تزعج أولئك قد تزعجهم أو تقلقهم قليلا، يكون موقف لا بأس لا بأس أقل قليل. [ماذا يعمل هذا؟ لا. دعنا هكذا نتلذذ بالتيه – كما نقول نحن "شخّار" -: دعنا هكذا رضينا بهذه الحالة: لطمه هنا ولطمه هنا ولطمه هنا]. وإذا أحد انطلق قلنا له: اسكت. وإذا أراد أحد يريد أن ينبهنا على أن يكون لنا موقف أو أن يقول شيئا أن نصرخ في وجه هؤلاء الأعداء لنزعجهم لنقلقهم. قالوا: (لا. اسكت. دعنا).
هكذا التيه. بنو إسرائيل تاهوا أربعين سنة؛ لأنهم امتنعوا عن أن يدخلوا الأرض المقدسة التي كتب الله لهم في ذلك الزمان، بل قالوا تلك العبارة القليلة الأدب: {فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ}.
ولاحظوا كيف أنه لم يكن هناك إلا رجلان إضافة إلى نبي الله موسى عليه السلام دفعوا بهم إلى أن يشجعونهم لدخول هذه الأرض التي كتب الله لهم، رجلان فقط، الأغلبية كلهم ليسوا حول هذا الموضوع، لكن ألم يكن كلام أولئك الرجلين كلاما مهمًّا عند الله سبحانه وتعالى فسطره في كتابه وخلد ذكره؟ رجلان، وحتى رجل واحد ألم يسطر كلام رجل واحد (مؤمن آل فرعون)؟ ويأتي بصفحة كاملة لمؤمن آل فرعون في [سورة غافر] لأنه لا عبرة بالمجاميع التي لا تقول شيئاً مهما كانت ثقافتهم مهما كانت مكانتهم، مهما كانت قدراتهم، وأن رجلاً واحداً ينطلق ليرشد الأمة له قيمته العظيمة عند الله، وهو حجة على الأمة.
لسنا بحاجة إلى أن ننتظر إجماعاً - كما قد يقول البعض - ينتظر العلماء كلهم أن يقولوا، والعلماء كلهم أن يقفوا والعلماء كلهم أن يتحركوا، أليس هذا هو ما يدور عند البعض؟ المهم هو: أن يكون هناك من يقول ولو رجل واحد، كمؤمن آل فرعون أن يكون هناك من يقول ولو رجلان فقط كما حصل لقوم موسى هنا: {قَالَ رَجُلانِ مِنَ الَّذِينَ يَخَافُونَ} يخافون الله ويخافون عقوبته، عقوبة عدم الاستجابة والتفريط في الاستجابة لنبي الله {أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيهِمَا} أنعم عليهما: بالإيمان، بالوعي، بالفهم، بالتقوى، بالاهتداء.
وضعوا لهم خطة: {ادْخُلُوا عَلَيْهِمُ الْبَابَ فَإِذَا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غَالِبُونَ} لأنه كما في الأثر (ما غزي قوم في عقر دورهم إلا ذلوا) اهجموا عليهم الباب فإذا دخلتموه فهم سينهزمون نفسياً وسيضعفون ويتفرقون وستغلبونهم. أليسوا هنا وجهوا لخطة حكيمة؟
نبي الله موسى عليه السلام أمرهم بأن يدخلوا هذه الأرض، وهذان الرجلان تحدثا عن خطة عندما وجدوهم يتهربون من الدخول {ادْخُلُوا عَلَيْهِمُ الْبَابَ فَإِذَا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غَالِبُونَ وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} توكلوا على الله وادخلوا وستَغلِبون. ألم يذكر الله كلام الرجلين كما ذكر كلام موسى عليه السلام؟ لأنها كانت خطة عملية لتنفيذ ماذا؟ لتنفيذ الامر الذي جاء من نبي الله موسى عليه السلام، ألم يسطر كلام الرجلين هنا مع كلام موسى عليه السلام وكلام مؤمن آل فرعون مع كلام موسى عليه السلام في المقام الآخر أيضاً؟ لأن الكلمة لها أهميتها، الكلمة التي توجه، الكلمة التي ترشد، الكلمة التي تضع خططا عملية، للحفاظ على الأمة ولبناء الأمة، ولتكون الأمة ملتزمة بدينها لها أهميتها.
ألم يضرب الله مثلا للكلمة الطيبة {كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا} (إبراهيم: من الآية25)؟ وإن لم تكن إلا من رجل واحد لا تنتظر الجميع أن يقولوا، لا تنتظر الكل أن يقولوا من العلماء، أو من المثقفين، لا تنتظر للحكام للزعماء جميعاً أن يقفوا. انظر إلى من يتحرك، انظر إلى من يقف فتحرك معه وقف معه، ألم يسطر كلام الرجلين على أساس أنه كلام مطلوب من بني إسرائيل أن يتجهوا على أساسه وأن يعملوا به؟ لو كانت خطة خاطئة لما سطرت ولما دونت {ادْخُلُوا عَلَيْهِمُ الْبَابَ} هذه خطة عملية عسكرية {فَإِذَا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غَالِبُونَ وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ}.
هذه خطة صحيحة سطرت؛ لأنه أصبح مطلوب من بني إسرائيل أن يسيروا عليها؛ فكانت لها قيمتها وإن لم تصدر من أعيان ونقباء بني إسرائيل جميعاً، وإنما أتت من رجلين. وقد يكونا رجلين من أوسط الناس من أطرف الناس، لم يذكر أنهما كانا من الملأ، كما يقول عن الملأ من كبار الناس، أو من أعيان الناس أو من نقباء بني إسرائيل رجلان لكن رجلان فاهمان، أنعم الله عليهما بالإيمان أنعم عليهما بالهدى.
كأن الله يقول لنا: لو أنهم نفذوا كلام هذين الرجلين لما تاهوا أربعين سنة. ألم يتيهوا أربعين سنة عندما امتنعوا عن تنفيذ طلب نبي الله موسى عليه السلام أن يدخلوا وعن الدخول بعد وضع الخطة من قبل الرجلين؟ فتاهوا أربعين سنة، وكأن هذا يقول للكثير من الناس الذين يقولون: [سننتظر للعلماء جميعاً أن يقولوا أو ننتظر زعماء العرب جميعا حتى يتحركوا، أو المشايخ جميعاً حتى يقولوا] انظر إلى أي رجل أو رجلين يقولان كلاماً صحيحاً يؤدي إلى موقف صحيح وتأكد بأنه مطلب من الله كما كان كلام الرجلين هنا مطلبا لله من بني إسرائيل أن يسيروا عليه وإلا لما سطره في كتابه مع كلام نبيه موسى عليه السلام.
وهذه قضية مهمة؛ لأن الكثير قد يدخل في نفسه ريب وشك نحن هنا نقول:
[الله أكبر/ الموت لأمريكا / الموت لإسرائيل/ اللعنة على اليهود / النصر للإسلام]
لكن هناك مدينة علمية هناك مجاميع من العلماء لا يتكلمون بها. هل كان هذان الرجلان ـ اللذان حكى الله عنهما من بني إسرائيل ـ هل كانا هما قمة بني إسرائيل؟ أو أن هناك الباقي الكثير ممن هم رافضون وممن هم ساكتون؟ ألم يكن في بني إسرائيل علماء على أقل تقدير، ممن يسمعون موسى عليه السلام وهو يتكلم وهو يرشد وهو يوجه فيعلمون ما يقول؟ ألم يكن فيهم علماء ووجهاء؟ لكنهم كانوا ساكتين أو كان موقفهم كموقف الآخرين {لَنْ نَدْخُلَهَا أَبَداً مَا دَامُوا فِيهَا}
هل كان مقامهم بالشكل الذي لم يلحظه الله؟ فيقول: [ما دام قد جلس أعيان بني إسرائيل وسكتوا أو كان هذا هو رأيهم فما قيمة كلام الرجلين، لا شيء]؟ لا. اعتدَّ بكلام الرجلين وجعل له قيمته، وجعله كلاماً عظيماً، وجعل أولئك الذين قعدوا من علمائهم من وجهائهم، من عبادهم لا شيء. رجلان فقط والباقي ماذا؟ إما أن يكونوا ساكتين أو يكونوا ممن يقولون: {لَنْ نَدْخُلَهَا أَبَداً مَا دَامُوا فِيهَا فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ}؛ لنعرف أنه في كل زمان هل سيكون الله مع أولئك الذين يسكتون من علماء وعباد ووجهاء وزعماء، أو أنه سيكون مع رجل أو رجلين من هنا، أو هناك ينطلقون ليضعوا خططاً عملية للأمة تسير عليها، وخططاً لتوعية الأمة ولإرشاد الأمة؟
أنت عندما تقول: [لو كان هذا لكان العلماء] أنت تتصور في ذهنك وكأنَّ الله هو مع المجاميع الأخرى الجالسة والساكتة أليس كذلك؟ تتخيل وكأنه هو مع أولئك، وهذا هو شاذ هناك.
رجلان كان الله معهما وأثنى عليهما، وجعل الخطة التي قالوها خطة حكيمة مطلوبة من بني إسرائيل ولم يعتد بالعلماء، ولا بالأعيان، ولا بالعباد، ولا بالوجهاء الآخرين من بني إسرائيل، هل اعتد بهم؟ لا. بل تاهوا كما تاه الآخرون، وتحملوا أوزار قعودهم وسكوتهم، سواء كانوا هم ممن قال هذه الكلمة القبيحة: {فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ} أو قالها آخرون فمشت.
إذا ما جاءت كلمة سيئة من أطراف الناس وسكت أولئك الذين يجب عليهم أن يقفوا ضدها فكأنها هي كلمة تعبر عن موقف المجتمع كله؛ لأنه هاهنا قال يحكي عن بني إسرائيل {قالوا} قالوا، وكم تحت [الواو] في كلمة {قالوا} تفهم وكأنه ما عدا الرجلين {قَالُوا يَا مُوسَى إِنَّا لَنْ نَدْخُلَهَا أَبَداً مَا دَامُوا فِيهَا} فهل تتوقع بأن الذين قالوا هذه العبارة هم من علماء بني إسرائيل وعباد بني إسرائيل؟ قد لا يكون البعض ممن قال هذه العبارة، قد يتحاشى عالم من علمائهم، أو عابد من عبادهم أن يقول هذه العبارة، لكنها قيلت ونحن علماء وعباد ووجهاء وأعيان سكتنا، فكانت هي الموقف الذي يعبر عن الجميع.
ففي هذه النقطة عبرة لنا نحن، لا تنتظر للعلماء أن يتحركوا كلهم، لا تنتظر للزعماء أن يتحركوا كلهم، لا تنتظر للمشايخ أن يتحركوا كلهم، لا تنتظر للأمة أن تتحرك كلها، تحرك بحركة رجل أو رجلين يقف مواقف صحيحة؛ وستلمس أنت أن ذلك الموقف صحيح، وأقل ما يمكن أن تلمسه: أن هذا الموقف له جدواه وينفع، فيكفي هذا. شيء أفضل من لاشيء، أليس كذلك؟
[الله أكبر/ الموت لأمريكا / الموت لإسرائيل/ اللعنة على اليهود / النصر للإسلام]
دروس من هدي القرآن الكريم
(الدرس الرابع عشر- معرفة الله - وعده ووعيده)
ألقاها السيد/ حسين بدر الدين الحوثي / رضوان الله عليه.
بتاريخ: 24 من ذي القعدة 1422هـ
الموافق:6 /2/2002م
اليمن – صعدة.