{لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ}(الحديد:5) هذه الآيات هي تختلف عن الآيات التي يعدد فيها النعم، أليس كذلك في نفس الأسلوب؟.
يتحدث عن ذاته سبحانه وتعالى باعتباره هو ذو الكمال المطلق، وهو الملك لهذا العالم، وهو رب العالمين، وهو ملكهم {لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} له وحده ملكها، أليس هذا هو الدليل الكافي على أنه لا يجوز لأحد أن ينطلق نحو التحكم في شؤون عباد الله دون أن يكون له شرعية من عند الله؟. إذا كانوا يقولون: لا.. يجوز هذا، إذاً فيجوز لأي شخص أن ينطلق إلى مركز المحافظة فيتحكم فيها، إلى مركز المديرية فيأخذ المبنى ويتحكم فيه دون إذن من رئيس، ودون إذن من ملك، ودون إذن من رئيس وزراء ولا غيره، هل هذا مقبول في عالمنا؟. ليس مقبول. لماذا نقبله بالنسبة لله سبحانه وتعالى؟.
نحن في أعمالنا نشهد على أنفسنا.. نشهد على أنفسنا بأننا نجوِّز على الله سبحانه وتعالى، وفيما يتعلق بشأنه، وفيما هو من اختصاصه ما لا نجوّزه ولا نسوّغه في ما يتعلق بعالمنا، وفي أنفسنا. هو له ملك السماوات والأرض، ما معنى ملكها؟ من فيها, هو الذي له الحق في أن يلي أمرهم، أن يدبر شأنهم, أن يشرّع لهم، أن يرسم هدايتهم، أن يوجههم هو.
عندما يقول: بأن له ملك السماوات والأرض، ليس ملك كأي ملك من الملوك الآخرين هو ملك رحمن رحيم رؤوف رحيم. يعرض القرآن الكريم في آيات أخرى كيف تدبير الله لشؤون خلقه، ما هو الأساس الذي يقوم عليه تشريعه لعباده ورعايته لشؤونهم، وهدايته لهم، من منطلق رحمته بهم، هو رحمن رحيم.
{لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ}، إذاً فلا شرعية لأي شخص يتحكم على رقاب الناس، أوَليس الناسُ هم ممن داخل السماوات والأرض؟ أو أنهم هم العنصر الأساس داخل السماوات والأرض، هم من استخلفوا على هذه الأرض فسخرت لهم السماوات والأرض وما فيها, حتى كثير من الملائكة أعمالهم مرتبطة فيما يتعلق بالناس، فيما يتعلق بالأرض {وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَنْ فِي الْأَرْضِ} (الشورى: من الآية5) كثير من شؤون الأرض مرتبطة بهم، تأتي من جهتهم ممن اصطفاه الله من داخلهم يقوم بإبلاغ وحيه بإنزال كتبه، ومع عباده حفظة، ومع عباده كُتَّاب، الكل.. الكل حول الإنسان. الكل حول الإنسان.
ثم إذا انتزعنا ملك الله من هذا الإنسان، وقلنا لا حاجة إلى أخذ شرعية من جهة الله سبحانه وتعالى فيما يتعلق بالحكم لهذا الإنسان، والهيمنة عليه, والتحكم في شؤونه، فماذا بقي لله؟ تركنا لله الأشياء الباقية! تركنا له الأشياء الباقية! ثم نأتي إلى المخلوق الرئيسي الذي هو خليفة لله في هذه الأرض, وسخر له الأرض والسماوات وما فيهما، فننتزع سلطان الله منه، ونأتي نحن ولا نربط أنفسنا بالله، بل نأتي لنقول: السلطة ملك للشعب يمنحها من يشاء، هكذا في دساتيرنا العربية عبارات كهذه بالتصريح أو ما يُفهم معناها وهو الذي يقول: {قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ} (آل عمران: من الآية26).
السلطة ملك للشعب, هكذا نقول! هذه العبارة ليست سهلة، هذه العبارة خطيرة جداً على الأمة، أن تدين بها دولة، وأن يدين بها شعب عبارة خطيرة.
{لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} إذاً فهو هو من له الحق أن يدبر شأنهم ولا شرعية لمن لا يعتبر في حكمه امتداداً لشرعية الله سبحانه وتعالى، الذي هو ملك السماوات والأرض, ولا يجوز أن ندين بشرعية أي شخص تحت أي مسمى كان حتى ولو كان تحت اسم [إمام] لا يكون حكمُه امتداداً لشرعية الله سبحانه وتعالى.
{وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ} هو ملكها، ما أكثر الملوك في هذه الدنيا والرؤساء، لكن أليست الأمور تخرج عن أيديهم في كثير من أحوالهم، وفي كثير من أحوال شعوبهم؟ تخرج الأمور عن أيديهم، مَلِك قاصر، مُلْك الناقصين، مُلك من لا يعلموا سر السماوات والأرض، ملك من لا يعلم بعضهم بكثير مما يخص شعبه، فكثير من الأمور تجري على خلاف ما يريدون، والزعماء العرب الآن هل الأمور تمشي على ما يريدون؟.
هكذا تمشي الأمور ويتغير الزمن من حيث لا يشعرون، فهو لا يدري إلا وقد أصبح ينادي بالديمقراطية، وهو من كان لا يريدها، أصبح ينادي مثلاً بضرورة أن يكون هناك مجلس شورى وهو ممن كان لا يريد أن يكون هناك أي شخص آخر يحتاج إلى أن يشاوره في أموره، تُفرض الأمور من هنا إلى هنا.
أما الله سبحانه وتعالى فهو وحده الذي إليه ترجع الأمور، وهو الذي يستطيع أن يخلق ويهيئ المتغيرات. وفي الدنيا - عندما تتأمل - أحداثٌ تحصل، متغيرات عجيبة، متغيرات عجيبة، تحولات بنسبة مائة في المائة في بعض الأمور، الله هو سبحانه وتعالى من هو غالب على أمره، من هو قادر على كل شيء.
فكل عبارة من هذه تأتي في القرآن الكريم: {وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ} {وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ} (هود: من الآية123) هو يقول لعباده يقول للمؤمنين: ثقوا بي، انطلقوا في عبادتي، انطلقوا في نصري، وفي العمل لإعلاء كلمتي، وأنا من إليّ ترجِع الأمور فلا أدع المجال يقفل أمامكم. هو من سيهيئ، من سيخلق المتغيرات، من سيهيئ الظروف.
{وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ} حتى وإن كان الناس هنا في الدنيا يتصرفون بعيدين عن الله سبحانه وتعالى، فهذا يتزعم على هذا الشعب، وهذا يتملك على ذلك الشعب، وهذا يقفز على هذا الشعب وهكذا.
هم ما زالوا في داخل محيط قدرته تعالى {وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ}(الأنعام: من الآية18) بل كثير من الأمور تفرض عليهم بتهيئة من الله، من حيث لا يشعرون.
ولو تأملنا لوجدنا أنه حتى أعداء الإسلام أنفسهم الذين يحاولون أن يقفلوا كل شيء بالنسبة للمسلمين ينطلقون في مجال ولا يدرون بأنهم يهيئوا أجواء عظيمة جداً للمؤمنين من خلال ما تحركوا فيه؛ لأن الله غالبٌ على أمره.
جاءوا بالديمقراطية لتكون بديلاً عن نُظُم الإسلام، وعن نظام الإسلام، ولنكون نحن المسلمين يمسح من ذهنيتنا أن هناك في الإسلام نظام، هناك ولاية أمر، هناك دولة، فيأتون بالديمقراطية، الديمقراطية نفسها ما الذي حصل؟ يُفرض داخلها حرية رأي، حرية التعبير، حرية الكلمة، حرية التحزب، حرية التجمع، حرية القول، أليس هذا هو ما يحصل؟ فكم أعطوا الناس من متنفس عظيم، أعطوا الناس.
من أين جاء هذا؟. هل نقول أنهم جاءوا بالديمقراطية رحمةً بنا؛ من أجل أن لا يكون هناك كَبْت ولا قهر؟ لا.. لهم أهداف أخرى وغايات أخرى، لكن الله يهيئ حتى من خلال ما يفرضونه هم، وهم يتجهون نحو طمس معالم الإسلام حتى يغيب عن الذهنية اتصاله بأي شأن من شؤون الحياة بما فيها شأن ولاية الأمر، فلا يدرون بأنهم يمنحون من حيث يشعرون أو لا يشعرون أن الله يهيئ من خلال ما أرادوا أن يفرضوه أن يكون هناك متنفساً لأوليائه، وما أكثر - لو تأمل الإنسان - ما أكثر الإنفراجات التي تأتي، ما أكثر الإنفراجات التي تحصل، لكن من لا يهيئ نفسه لأي عمل في سبيل الله تمر الأشياء ولا قيمة لها عنده، ولا يبالي.
[الله أكبر / الموت لأمريكا / الموت لإسرائيل / اللعنة على اليهود / النصر للإسلام]
معرفة الله - عظمة الله-الدرس السادس
آيات من سورة الحديد / ص - 8 - 9.
ألقاها السيد/ حسين بدر الدين الحوثي / رضوان الله عليه.
بتاريخ: 23/1/2002م
اليمن - صعدة