{إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ} (الأنفال: من الآية2) لشعورها بعظمة الله، لخشيتها من الله، وخوفها من الله, ورغبتها في رضاه، ورغبتها في أن تحظى بقربه، ورغبتها في ما عنده.
وَجِلَت قلوبهم, توجل، تخاف، ترتجف، قلوب ما زالت مفتوحة لم يطبع الله عليها، لم يختم عليها، لم يضَع عليها أكِنَّة، لم تُدَنِّسْها السيئات, لم تدنسها الخطايا والمعاصي، لم تهيمن عليها العقائد الباطلة، لم تقفلها العقائد الباطلة، إنها قلوب تتعامل مع الله سبحانه وتعالى وتتلقى هداه، فكانت على هذا النحو تَوْجَل إذا ما ذكر الله.
{وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَاناً} (الأنفال: من الآية2) ففي كل جلسة يزدادون إيماناً، ومع كل آية يسمعونها، ومن خلال كل آية من آيات الله يسمعونها يزدادون إيماناً، فليسوا من أولئك الذين يقولون: {حَتَّى إِذَا خَرَجُوا مِنْ عِنْدِكَ قَالُوا لِلَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مَاذَا قَالَ آنِفاً؟ أُولَئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ} (محمد: من الآية16) هؤلاء قلوبهم ليست ممن طبع الله عليها، بل قلوب مستنيرة، [تتلى عليهم آيات الله] فيزدادون إيماناً، وهم يرون أنفسهم دائماً بحاجة إلى أن يزدادوا إيماناً؛ لأنهم يعرفون ما هو الإيمان، وهم في ميادين العمل الإيماني يحتاجون دائماً إلى زيادة الإيمان.
لماذا؟ لأن كل إيمان في الإسلام هو عملي، وكل عمل في الإسلام له غاية إيمانية، فيزدادون دائماً إيماناً، فتتجلى لهم الغايات, فتتجلى لهم الوقائع والأحداث من خلال آيات الله سبحانه وتعالى التي تُتْلَى عليهم، تتجلى لهم من واقع الحياة، ومن خلال آيات الله في كتابه الكريم، تلك الحقائق التي ترسخ الإيمان في قلوبهم بصدق وعد الله لهم.
{وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ} (الأنفال: من الآية2) ومن الذي يحتاج إلى أن يتوكل على الله إلا من لديه اهتمام بأمر الله، من هو دائم اللجوء إلى الله، من هو عظيم الثقة بالله، فتصبح صفة لديه، وتصبح صفة لديهم، هؤلاء المؤمنين أنهم دائماً على ربهم يتوكلون، لكن ليس - كما قلنا سابقاً - إيْكَال الأمور إليه فلينطلق هو، فيكون واقعهم كما قال بنو إسرائيل لموسى: {فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ} (المائدة: من الآية24).
يتوكلون على الله وهم في ميادين العمل لإصلاح الأمة, والإهتمام بأمر الدين, وإصلاح أنفسهم، اتكالهم على الله، اهتداؤهم به، استرشادهم به، التجاؤهم إليه، رجاؤهم العظيم فيه، أن يوفقهم, ويرشدهم, ويهديهم, ويلطف بهم ويرعاهم.
{الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ} وما أكثر ما كُرر التأكيد على إقامة الصلاة، لم تأت حتى بلفظ [يصلون, يصلون] {يُقِيمُونَ الصَّلاةَ} هي تشبه في ما يتعلق بالزكاة {وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ}، فالزكاة لأنك مؤمن أنت من تنطلق لتؤتيها فتدفعها أنت لا تنتظر إلى من يأتي ليأخذها قسراً منك، من واقع إيمانك وشعورك بالمسئولية أن تؤدي هذا الواجب العظيم عليك، الذي فيه رضى لله سبحانه وتعالى، كذلك الصلاة هم حريصون على أن يصلَّوا، ولكن صلاة قيَّمة، حريصون على أن تكون صلاة لها قيمتها فيقيمونها على النحو الذي شرعت له، ويعملون على أن يحصلوا من خلالها على تحقيق الغاية التي شُرعت لأجلها. والصلاة لها معانيها العظيمة، لها قيمتها الكبرى، لها أثرها العظيم، إذا ما فهمنا معاني الصلاة وكيف نقيمها.
{وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ} نفس الكلام السابق تجد ليس هناك إيمان بدون إنفاق، بل أنت لا تحتاج إلى من يدفعك إلى الإنفاق في ما إذا فهمت مسئوليتك أمام الله سبحانه وتعالى، إذا ما أصبحت إنساناً تهتم بأمر دينه وعباده، إذا ما عملت كعضوٍ في أمة تنطلق في الدعوة إلى الخير، وتأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر، سترى ماثلاً أمام عينيك أهمية الإنفاق في هذه المجالات، إنما الذي يتقاعس عن بذل المال هو ذلك الذي لا يحمل أي اهتمام، وليس ربما في قلبه حتى مثقال ذرة من إيمان، يقرن الإنفاق هنا بالصلاة، الصلاة التي هي خير الأعمال، وأنت في ميدان الإقبال على الله سبحانه وتعالى يبرز الإنفاق في الجانب المالي من أهم الأعمال في ميدان العمل في سبيل الله تعالى.
{وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ} هذه طبيعتهم، وهذه عادتهم .. لاحظوا هنا يعرض صفات هم عليها أصبحت شبه تلقائية لديهم، صفات أصبحت غرائز في نفوسهم: مجاهدين صادقين، يزدادون إيماناً، يتوكلون، يقيمون، ينفقون. لم تأتِ بشكل أوامر. هكذا أصبحوا، وهكذا يصبح من يكون إيمانه بالله إيماناً صادقاً؛ لأنه هنا يقول هكذا يكون المؤمنون عندما يقول: {إنما المؤمنون} هكذا يكون المؤمنون، وهكذا هم المؤمنون حقيقة، الذي يكون شأنهم هكذا، إيمان بالله ورسوله لا ارتياب معه، جهاد في سبيله بالمال والنفس، إذا ذكر الله وجلت قلوبهم، إذا تُليت عليهم آياته زادتهم إيماناً، يتوكلون على الله، يقيمون الصلاة ينفقون مما رزقناهم، هكذا شأنهم.
{أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقّاً} (الأنفال: من الآية4) كما قال هناك: {أُوْلَئِكَ هُمُ الصَّادِقُوْنَ} هنا: {أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقّاً}.
سورة المائدة - الدرس الرابع.
دروس من هدي القرآن الكريم
ألقاها السيد/ حسين بدر الدين الحوثي/ رضوان الله عليه.
بتاريخ: 16/ 1/2002م
اليمن - صعدة