مـرحبـا بكم في موقع دائرة الثقـافـة القـرآنيــة

بالمكتب التنفيذي لأنصار الله

الشيء الذي يجعل الناس يخافون على أنفسهم، عندما يرون أن هناك منكرات، وهم في نفس الوقت ساكتين على أساس أنه ماذا؟ خائف القضية هذه لم يجعلها الله قضية غامضة بمعنى مثلاً أن الإنسان ربما قد يصفعه الباري، وهو لا يدري، لا، هناك أساسيات، هناك أساسيات فعلاً قد تبعدك عن ابتلاءات قد تضعف أمامها فيما لو وقعت، منها هذه، تكون أنت لا تثق بنفسك على الإطلاق، مهما بلغ إيمانك، مهما بلغت أعمالك الصالحة؛ لأن الشيء الطبيعي بالنسبة للإنسان إذا كان مستشعراً التسليم لله، وانه عبد لله، أنه كلما كثرت عبادته لله، وكلما عظمت عبادته لله سبحانه وتعالى، كلما ازداد تسليمه.

فالعبادة هي أساساً عمل في عمق التسليم لله، وتجليات لتسليم الإنسان لله، لا تأتي العبادة لله على نحو كلما تعبد الإنسان لله كلما كبر عند نفسه، كلما كبرت نفسه عنده إلا عبادة من؟ الجاهلين، عبادة المغرورين؛ لأن الشيء الطبيعي أنه كلما كنت أكثر عبادة لله كلما كنت أكثر تسليماً لله.

لاحظ هنا نبي الله موسى في اللحظة هذه، تلاحظ تسليماً مطلقاً، لم يلتفت لنفسه أنه نبي، أو غير نبي، نفسه كعبد لله: {أَنْتَ وَلِيُّنَا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الْغَافِرِينَ}، لم يقل في نفسه: قد أنت نبي كيف لا يغفر لك وأنت نبي! لا يوجد عنده الفكرة هذه، منقطع تماماً في التسليم لله، والذي يسيطر على مشاعره العبودية لله سبحانه وتعالى.

لهذا لا تأتي الابتلاءات بطريقة إلا وللإنسان من جهته هو أسبابها، الإبتلاء الذي هو من هذا النوع، ابتلاء كما ذكر في موضوع الصيد في سورة [المائدة]: {لَيَبْلُوَنَّكُمُ اللَّهُ بِشَيْءٍ مِنَ الصَّيْدِ} (المائدة: من الآية94) والابتلاء الذي ذكره هنا بالنسبة لأهل القرية هذه: {كَذَلِكَ نَبْلُوهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ} يفسقون، الفسق، وهذا مثلما نقول دائماً: نحن نشكو من التغيير في المصطلحات، الكفر غيروا معناه، الضلال غيروا معناه، الهدى غيروا معناه، الفسق غيروا معناه، كل شيء تغير معناه.

 

الفسق معناه: الخروج عن الطريقة الإلهية التي رسمها، الخروج عن هداه، الفسق قد يأتي وأنت لا تشعر، من هو ضال فهو يعتبر فاسقاً، بمعنى خارج عن الطريقة، متى ما خرج الإنسان عن الطريقة أصبح عرضة لأشياء كثيرة جداً، أما وهو في الطريق، وأن تكون فعلاً في الطريق تعرف أن الخط ـ إذا هم يعملون على الزفلت مثلاً أخطاط ـ فالخط الرئيسي في الطريق هو التسليم لله، فتكون مشاعرك على هذا النحو الذي حكاه الله عن نبيه موسى (صلوات الله عليه).

هنا لا تأتي ابتلاءات تخرجك أبداً، ابتلاءات مساعدة، ابتلاءات إلى الأفضل، ليست ابتلاءات تخرجك مخرج أبداً، لكن متى ما أصبحت خارج بأي طريقة قد تكون تفسق وعندك معتقدات صحيحة بأشياء في مشاعرك أنت، مشاعرك أنت، عندك قصور في التسليم لله مثلاً، هذا يعتبر خروجاً عن الطريقة التي رسمها الله لعباده كيف يكونون عليها في نظرتهم لأنفسهم، كيف يكونون هم في وجدانهم، في مشاعرهم، في وجدانهم الداخلي، كيف تكون نظرتهم إلى أنفسهم، فِسْق عنها، تكون معرضاً لابتلاءات قد تخرجك فعلاً، ليتبين لك بأنك لا تستطيع أن تشكل ضمانة لنفسك، كيفما كنت، لا تستطيع أن تشكل ضمانة لنفسك على الإطلاق.

عندما تتعبد تتعبد، وكلما تعبدت لله بفرائض ونوافل، وأشياء من هذه، كلما رأيت نفسك تكبر وتكبر أنت عند نفسك هنا ستسقط إلى الحضيض، ستسقط إلى الحضيض فعلاً، تعبَّد لله وأنت في الطريق، لا يكن تعبُّد الفاسق؛ لأن كلمة فسق في اللغة العربية بمعنى: خرج عن الشيء، الخروج التلقائي، أو الخروج المتعمد، أو كيفما كان، الفسق معناه: الخروج عن الجادة، أو الخروج عن الشيء الذي كان يجب أن يكون عليه.

 

كلمة فسق، هي كلمة عربية من قبل تنزل القرآن، وكلمة هدى، وكلمة ضل، وكلمة كفر، كلها من قبل أن يتنزل القرآن، والقرآن نزل بلسان عربي مبين، هؤلاء عندهم فسق من النوع الواضح، يعني عندهم تعدي، والتعدي في السبت يعتبر فسقاً، عندهم تعدي واضح. إذاً هنا سيأتي الابتلاء بشكل يجعلهم أيضاً ربما ينزلقون أكثر، وهذا الذي حصل.

كان الشيء الطبيعي لك عندما يحصل منك فسق في مرة ـ ولهذا جاء بعد يذكر عن المتقين كيف هم ـ تفسق مرة، ترجع إلى الله، {إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا} (لأعراف: من الآية201) ألم يقل الله هكذا؟ ترجع إلى الله، أما أن تجلس على ما أنت عليه، أو عندك تقول: الله غفور رحيم، مثلما حكى عن آخرين: {وَرِثُوا الْكِتَابَ يَأْخُذُونَ عَرَضَ هَذَا الْأَدْنَى وَيَقُولُونَ سَيُغْفَرُ لَنَا} (الأعراف: من الآية169)، هذا فسق يأتي بعده ابتلاءات، كلها ذات الشمال، [مَنْزَل] نعوذ بالله.

 

يتبين هنا طائفة أخرى، طائفة الآمرين بالمعروف، الناهين عن المنكر؛ لينطلقوا من شعور بمسئولية، حتى وإن لم يكن الآخرون لديهم ظن بأنهم يمكن أن يستجيبوا، {وَإِذْ قَالَتْ أُمَّةٌ مِنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْماً اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَاباً شَدِيداً} (الأعراف: من الآية164)، هؤلاء قد هم ناس منتهين، ما فائدة أن توعظوهم؟ تحاولون أنهم يتركون ما هم عليه من فسق؟! {قَالُوا مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ} (الأعراف: من الآية164) هذه مسئوليتنا، ونعذر إلى الله بأننا أدينا مسئوليتنا، فنهينا الآخرين عما هم عليه من فسق، وتعدي لما فرضه عليهم، {وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ} (الأعراف: من الآية164)، ولأنك عندما تقدم النصيحة تقدمها في أجواء من هذه: عسى؛ لأن الإنسان لا يستطيع أن يقطع مع آخر بأنه بشكل لم يعد محل لعسى، أو لعل، نهائياً، لا أحد يعلم ذات صدور الآخرين أبداً. فأنت تقدم النهي عن المنكر إعذاراً إلى الله، وفي نفس الوقت عسى أن يهتدوا، {لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ}.

تقدم بالنسبة للأمم التي كانت يكون لها موقف جماعي في مواجهة أنبيائها، كيف أنها تضرب نهائياً، أليست تضرب؟ داخل الأمم التي هي محسوبة على دين الله، محسوبة على الإيمان برسوله، وكتابه، يحصل تعدي من ناس فإذا لم يحصل نهي من الآخرين، حصل أمر بمعروف ونهي عن منكر من جانب الآخرين، ظلوا على عملهم في ماذا؟ في هذا المجال، فالعقوبة الإلهية قد تأتي بالشكل الذي ماذا؟ تخص، لا تأتي عامة، كما هو الحال في الأمم الأخرى، الأمم التي يكون موقفها عام في مواجهة أنبيائها.

 

{فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ} (الأعراف:165) هنا لا يأتي عقوبة شاملة، لكن إذا كان الطرف الآخر هم على هذا النحو: {يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ} {فَأَنْجَيْنَا} لم يقل فأنجينا الآخرين الذين لم يفعلوا هذا، وهم ساكتون هناك، لا، {فَأَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ} هؤلاء هم الذين سينجون، أما الآخرون الذين يعملون العمل المنكر، والساكتين، أو المداهنين، فهؤلاء قد يكون مصيرهم واحد.

{وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ}، وهذا الشيء مما يكون داخل الأمم، وهذا من رحمة الله سبحانه وتعالى، من رحمته، ليست تصرفاته مثل تصرفات الأمريكيين، نراهم مثلاً قد يكون واحد من منطقة ويداهمون المنطقة كلها، يداهمونهم كلهم هكذا. الله سبحانه وتعالى يؤاخذ العاصين فقط، والعاصون هم نوعان، من يعملون المعصية، ومن يسكتون عنها، ينجي الذين ينهون عن السوء.

إذاً فهذه تعطي الناس قاعدة: ـ لأن الله سبحانه وتعالى، هو الله الذي لا إله إلا هو، الحي القيوم، ما يزال حياً قيوماً، مدبر لشئون السموات والأرض، ما تزال سننه في عباده قائمة ـ أن الشيء الذي يجعل الناس يخافون على أنفسهم، عندما يرون أن هناك منكرات، وهم في نفس الوقت ساكتين على أساس أنه ماذا؟ خائف أنه لا يقول شيئاً، أو يتكلم، أو يكون له موقف منها، يلحقه شيء يضربه، لا، يجب أن تخاف من الله سبحانه وتعالى، من هذه السنة: أنك إذا لم تتحرك قد تضرب، أن الشيء الذي هو نجاة لك هو: أن تنهى عن السوء.

 

[الله أكبر الموت لأمريكا / الموت لإسرائيل / اللعنة على اليهود // النصر للإسلام]

دروس من هدي القرآن الكريم
 

السيد / حسين بدر الدين الحوثي / رضوان الله عليه.

الدرس التاسع والعشرون من دروس رمضان / - 5 - 6 .

 


  • نبذة عن المسيرة القرآنية

    المسيرة القرآنية : هي التسمية الشاملة لهذا المشروع القرآني, وهي التوصيف الذي يعرِّف به تعريفًا كامًلاً , فعندما نعبر عن طبيعة المشروع القرآني الذي نتحرك على أساسه نحن نقول: المسيرة القرآنية.. وهي تسمية من موقع المشروع الذي نتحرك على أساسه.

    فالمسيرة القرآنية توصيف مرتبط بالمشروع القرآني وهي التسمية الشاملة والأساسية لهذا المشروع

    وهذه المسيرة العظيمة تقوم على ....

    اقراء المزيد...
  • تابعنا على مواقع التواصل

    • تابعون على التيلجرام
    • تابعونا على تويتر
    • تابعون على اليوتيوب
    • تابعونا على الفيس بوك
تصميم وبرمجة : حميد محمد عبدالقادر