مـرحبـا بكم في موقع دائرة الثقـافـة القـرآنيــة

بالمكتب التنفيذي لأنصار الله

وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ}[الأعراف: من الآية96]، ووعد أيضاً عندما يتقي الإنسان ربه، أنه سبحانه وتعالى سيرزقه من حيث لا يحتسب، وعد أيضاً بالمزيد والمزيد من النعم عندما نتوجه إليه بالشكر، فقال جلَّ شأنه: {لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ}[إبراهيم: من الآية7]، فالله سبحانه وتعالى هو الرزاق، الكريم، الوهاب، المنان، المحسن، المتفضل، المنعم، ولذلك المشكلة فيما يتعلق بالفقر، بالذات الفقر المدقع، وتفاقم هذه المشكلة في الواقع البشري، وضغط هذه المشكلة بشكلٍ كبير في الواقع البشري في كثيرٍ منه يعود إلى البشر، سواءً في تعاملهم مع الله سبحانه وتعالى من خلال سوء تعاملهم مع نعمه، ومقابلتها بالكفران، وسوء تصرفاتهم ومعاصيهم... وما إلى ذلك.

 

فعندما نأتي بعد أن تحدَّثنا عن أصول النعم، وعن الموارد العامة التي عرضها لنا القرآن الكريم، وتلونا آياتٍ من القرآن الكريم تحدثت عنها، وذكَّرت بها، نأتي إلى الواقع البشري، فنجد أنَّ هناك دول ومجتمعات أصبحت متقدِّمة، وغنية، وذات ثروة ضخمة، ونشاط اقتصادي على مستوى كبير، الدول الصناعية الكبرى، ودول نامية: دول لم تصل بعد إلى مستوى ما وصلت إليه الدول الصناعية الكبرى، ولكنها أصبحت نامية، وأصبحت معدلات النمو فيها معدلات سنوية، يعني: كل سنة وهي تنمو بشكلٍ أفضل في اقتصادها، وهناك دول فقيرة، وهناك دول تحت خط الفقر، يقولون عنها: تحت خط الفقر، يعني: تعاني من فقرٍ مدقع، ومجاعات، ومشاكل كبيرة جداً.

 

لو نقارن بين واقع كل هذه الدول: الدول الصناعية الكبرى، والدول النامية، والدول الفقيرة، والدول التي تحت خط الفقر؛ لنصنِّف حقيقة المشكلة ما هي، لو نأتي مثلاً لاستعراض أصول النعم، الله سبحانه وتعالى ذرأ المجتمع البشري في الأرض، نشره على كوكب الأرض، وعلى جغرافيا الأرض، والأرض بكلها في كل أنحائها التي هي معمورة، دعك عن الأماكن غير المعمورة، مثل القطبين: القطب الشمالي، والقطب الجنوبي، المناطق المعمورة، والأنحاء المعمورة من الأرض تتهيَّأ فيها ظروف الحياة، والظروف الملائمة، والمتطلبات الأساسية لحياة الإنسان، وهذا من فضل الله سبحانه وتعالى ومن حكمته، يعني: أنَّ الله سبحانه وتعالى لم يحصر أصول النعم لتبقى مثلاً في منطقة محدودة جداً، ورقعة جغرافية صغيرة في الأرض، ويسبب هذا مشكلة للمجتمع البشري.

 

مثلاً لم يجعل المنطقة الزراعية فحسب مثلاً منطقة أستراليا، بحيث لا يوجد على الأرض منطقة صالحة للزراعة إلا أستراليا، أو إلَّا منطقة كذا، وبقية الأرض بكلها لا تصلح للزراعة، كذلك زراعة مثلاً مختلف المحاصيل الزراعية، كثير من المحاصيل الزراعية يمكن زراعتها في كل بلد من البلدان، يعني: مثلاً يمكن زراعتها في المنطقة العربية، يمكن زراعتها في أوروبا، يمكن زراعتها في قارة أمريكا، يمكن زراعتها في أستراليا، يمكن زراعتها في مختلف القارات والبلدان، فتجد على مستوى البلد الواحد، أو الدولة الواحدة، أنَّ هناك قائمة واسعة جداً من المحاصيل الزراعية التي يمكن زراعتها فيها، مع بقاء مثلاً خصوصيات للتكامل الاقتصادي بين البشر في مختلف بلدانهم، بحيث يتهيَّأ مقدار معين من التنوع يساعد على التكامل.

 

ثم تجد كذلك بقية النعم، بقية الاحتياجات البشرية الأساسية، كثير من البلدان هي تعيش في مجتمعاتها على ضفاف الأنهار والبحار، ولديها سواحل، وتستفيد من الثروات البحرية، والبعض منها إن لم يكن كذلك، فثروته على المستوى البري ثروة ضخمة جداً... وهكذا.

 

فالله سبحانه وتعالى نشر نعمه على أصقاع الأرض وفي أقطارها، لتلائم هذا الانتشار البشري على أنحاء الأرض، ولذلك لو نأتي مثلاً إلى مقارنة بين دولة فقيرة، وبين دولة ثرية جداً، مثلاً: قارن بين اليمن واليابان، من ناحية سعة الأرض، سعة الجغرافيا: اليمن أوسع، أوسع من اليابان، يعني: ليست المشكلة أنَّ اليمن لأنها دولة فقيرة أنه لم يتوفر لنا رقعة جغرافية نتحرك عليها في أنشطتنا الاقتصادية المختلفة، بل لدينا مثلاً جغرافيا وأرض قابلة للزراعة، ويمكن الاستفادة منها، وتتنوع فيها المحاصيل الزراعية بأفضل من اليابان وأوسع.

 

ثم لو تأتي مثلاً إلى مقارنة في بقية الأمور، المعادن مثلاً التي يمكن استخراجها في اليابان، يمكن استخراج أكثر منها في اليمن، وهكذا بالمقارنة ما بين دولة فقيرة ودولة غنية، لا تعود المشكلة إلى أنَّ الله منح تلك الدولة، أو ذلك البلد في الموارد الاقتصادية، ما لم يمنح تلك الدول الفقيرة، تلك الدول الفقيرة أحياناً في مواردها، وفي ثرواتها الموجودة في أرضها، تتفوق على بعض الدول الصناعية، تتفوق، المشكلة تعود إلى ماذا؟ المشكلة تعود إلى حسن استثمار النعم، إلى الحركة، والتفاعل، والعمل لإنتاج هذه النعم، وتطوير عملية الإنتاج لها، أمَّا الله فقد وفر هذه النعم، بلد هنا صالح للزراعة، وبلد هناك صالح للزراعة، الفارق يعود إلى أنَّ أهل ذلك البلد اهتموا بشكلٍ كبير بالزراعة، اهتموا بإنتاجها بشكل جيد، عالجوا مسألة الإنتاج، وطوَّروا مسألة الإنتاج حتى أصبحت بمداخيل ضخمة، وبكلفة أقل... وهكذا، فالمسألة تعود إلى هذه النقطة: إلى مسألة الإنتاج، والاستثمار للنعم، كيفية استثمار النعم، أمَّا الله سبحانه وتعالى فقد وفر النعم هنا وهنا وهنا وهنا، كيف تستثمر، كيف يتجه الناس لاستخراجها، واستثمارها، وحسن إنتاجها، فالمسألة الرئيسية هي هنا: في عملية الإنتاج، وتطوير عملية الإنتاج، وتحسين عملية الإنتاج، والاستثمار للنعم على أفضل نحوٍ وبأحسن كيفية.

 

وهذه مسألة مهمة جداً لنا نحن في هذه البلدان؛ لأننا في العالم العربي الله سبحانه وتعالى هيَّأ لنا نعماً عظيمةً، والثروات الهائلة الموجودة في البلدان العربية تتفوق على كثيرٍ حتى من الدول، حتى من الدول الصناعية الكبرى، والمشكلة مع هذا الفقر المدقع، والمعاناة الشديدة، والتسول لدى تلك الدول، والاستجداء لها للحصول على شيءٍ منها يقابله التضحية بالاستقلال والكرامة، هذه كارثة، طامة، كارثة، طامة.

 

فلذلك يجب أن نلحظ أنَّ المسألة المهمة هي: مسألة الإنتاج الداخلي، وإلَّا إذا جئنا لنقارن- كما قلنا- ما بين تلك الدول البلدان، وهذه البلدان، لا تعود المسألة إلى أنَّ هذه البلدان غير صالحة للزراعة، أو لا يمكن فيها تربية الثروة الحيوانية، بحيث نقول مثلاً: [لا يمكن أن نربي البقر،الأبقار، إلا في أمريكا، أما في اليمن فغير ممكن أن نربي أبقاراً، أو نربي دجاجاً، أو نربي إبلاً، أو نربي ونستثمر في نعمة الغنم، فقط حصرياً على أمريكا، أو أستراليا، أو أوروبا] ليس الأمر كذلك.

 

إذا جئنا إلى مقوِّم آخر مثلاً، وهو عامل أو رؤوس الأموال، توفر رؤوس الأموال، رؤوس الأموال متوفرة، الناس على المستوى العام، أو التجار ورجال المال والأعمال على وجه الخصوص، لديهم نشاط كبير جداً، وحركة في رأس المال متوفرة، ولذلك عندما نأتي إلى هذه المسألة، سواءً على مستوى الموارد وسعة الأرض، أو على مستوى رؤوس الأموال، أو على مستوى الاستهلاك والسوق والحركة التجارية، فكل هذه المقومات في أصلها موجودة، لكنها لا تستثمر على نحوٍ صحيح في البلدان الفقيرة.

 

فلذلك علينا أن نعي ضرورة التوجه نحو الإنتاج الداخلي، مثلاً: نحن في اليمن أصبحنا نستورد مختلف احتياجاتنا من الخارج، من أبسط الأشياء، في كل مختلف احتياجاتنا ومتطلباتنا الأساسية، في كل أنواعها، نستوردها من الخارج، وبأموال كبيرة جداً، يعني: بمليارات الدولارات سنوياً، نشتري المواد الغذائية بكل أصنافها، ومعاناة كبيرة جداً في جلبها، وتوفيرها، وإيصالها إلى البلد مع الحصار والعدوان، الملبوسات بكل أنواعها، الأدوية بكل أنواعها، الاحتياجات الأساسية للعمران، للبناء بمختلف أنواعها، حتى البلاط يوفر أو يجلب من الخارج، مختلف الأشياء، مختلف أنواع الأثاث في المنازل، مختلف الأغراض تجلب من الخارج، بملايين أو بمليارات الدولارات، بأموال كبيرة جداً، وبعناء كبير لإيصالها إلى البلد.

 

لو نتجه إلى إنتاج هذه الأشياء في بلدنا، ونتجه على مستوى رؤوس الأموال لدى التجار، ولدى المواطنين، يقدر المواطنون حتى من غير التجار، من الطبقة المتوسطة في إمكانياتها وثرواتها، وحتى من الفقراء، من خلال تعاونيات، وشركات، ومؤسسات، إلى تجميع رؤوس أموال، وتسخَّر في عملية الإنتاج، في النشاط الإنتاجي، هذه مسألة مهمة لنا بكل الاعتبارات:

 

أولاً: على مستوى الحرية والكرامة والاستقلال، من أهم المتطلبات اللازمة لذلك: أن نسعى لتحقيق الاكتفاء الذاتي، وأن نهتم بالإنتاج الداخلي؛ لأن اعتمادنا على توفير كل احتياجاتنا من الخارج، بما فيها الاحتياجات الأساسية والضرورية، يمثِّل ورقة ضغطٍ لدى أعدائنا علينا، وهذا شيءٌ معروف، وكما شرحنا سابقاً: أنَّ الدول الأخرى تهتم وتعتبر هذا من ضمن أمنها القومي: توفير احتياجاتها الأساسية. فلكي ندعم توجهنا في تحقيق الاستقلال، والحرية، والكرامة، والتحمل لمواجهة الحصار، والأعباء، ومؤامرات الأعداء، لا بدَّ أن نهتم بالإنتاج الداخلي، وأن نسعى لتحقيق الاكتفاء الذاتي، وأن نسعى لتوفير الاحتياجات الضرورية، وهذه مسألة معروفة عند الدول.

 

بل إنَّ حافز الاستقلال، والقوة، والكرامة، وعنصر القوة في الجانب الاقتصادي، دفع بالكثير من الدول، ووجود تحديات ومخاطر، دفع بها وأصبح حافزاً رئيسياً لديها للإنتاج الداخلي، فأنتجت، ونمت في انتاجها، وطوَّرت إنتاجها، حتى وصلت إلى مراحل متقدمة، وبدأت من نقطة الصفر، وتدرجت في ذلك، حتى وصلت إلى مستويات متقدمة، فالمسألة ذات أهمية بالنسبة لنا بالاعتبار الديني، وبالاعتبار الإيماني، وبالاعتبار الاستراتيجي، وباعتبار المصلحة الوطنية... بكل الاعتبارات؛ لتحقيق الاستقلال، والكرامة، ولمواجهة مؤامرات الأعداء، ولتحمل الحصار.

 

[الله أكبر / الموت لأمريكا / الموت لإسرائيل / اللعنة على اليهود / النصر للإسلام]

دروس من هدي القرآن الكريم

ألقاها السيد/ عبدالملك بدر الدين الحوثي

سلسلة الدروس الرمضانية، بتاريخ 22 رمضان 1442هـ

 


  • نبذة عن المسيرة القرآنية

    المسيرة القرآنية : هي التسمية الشاملة لهذا المشروع القرآني, وهي التوصيف الذي يعرِّف به تعريفًا كامًلاً , فعندما نعبر عن طبيعة المشروع القرآني الذي نتحرك على أساسه نحن نقول: المسيرة القرآنية.. وهي تسمية من موقع المشروع الذي نتحرك على أساسه.

    فالمسيرة القرآنية توصيف مرتبط بالمشروع القرآني وهي التسمية الشاملة والأساسية لهذا المشروع

    وهذه المسيرة العظيمة تقوم على ....

    اقراء المزيد...
  • تابعنا على مواقع التواصل

    • تابعون على التيلجرام
    • تابعونا على تويتر
    • تابعون على اليوتيوب
    • تابعونا على الفيس بوك
تصميم وبرمجة : حميد محمد عبدالقادر