مـرحبـا بكم في موقع دائرة الثقـافـة القـرآنيــة

بالمكتب التنفيذي لأنصار الله

أنواع العذاب في الدنيا له أشكاله الكثيرة تعرض له القرآن الكريم ليخوفنا بها. من الذي فهمنا هذا الفهم المغلوط: أن الدنيا طبعت على هذا النحو، والمؤمن هو من يرضى بالحالة التي هو عليها، والتي الدنيا عليها، فكلما ازداد الوضع سوءاً رأى نفسه أقرب إلى الله، ورأى نفسه أقرب إلى الجنة؟! من أين جاء هذا الفهم؟ أوليس الربط واضحا في هذه الآية: {وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى}؟ الربط واضح.

ولأهمية هذا الموضوع، ولنفهم المسألة فهما صحيحاً ـ إن شاء الله ـ نحاول أن نستعرض الكثير من آيات القرآن الكريم التي تدل على: أن الإنسان هنا يلقى جزاء أعماله، ينال جزءاً من العقوبات على أعماله في هذه الدنيا ومن أول معصية حصلت.

لاحظوا من أول حادث وقع مخالفة لأمر الله من جانب بني آدم والذي كان على يد أبينا آدم حين أكل من الشجرة ألم يشق؟ شقي فعلاً، لكننا نقرأ هذه الآية، ونقرأ [قصة آدم] ونمر عليها، وإذا ما جاء أحد المفسرين كان همه هو أن يبحث عن كيف يخرج من هذه القصة دون أن يلحق آدم إثم، يحاول أن يحافظ على آدم ألا يلحقه إثم فمعصيته حصلت على جهة التأويل، أو أنه كان ناسياً، أو ربما أنه نهي عن جنس الشجرة، ولم ينه عن شجرة بعينها مخصصة!

ولكن الله قـال في القرآن الكـريم: {وَلا تَقْرَبَا هَذِه} هذه {الشَّجَرَةَ} (البقرة: من الآية35) نهاهما عن أكل شجرة معينة، وحذرهما من الشيطان أنه عدو لهما، وأنه سيعمل على أن يحملهما على الأكل من هذه الشجرة فليكونا متيقظين. جاء إبليس {فَدَلَّاهُمَا بِغُرُورٍ} (الأعراف: من الآية22) زيّن لهما المسألة حتى أكلا منها {فَلَمَّا ذَاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ} (الأعراف: من الآية22).

لم يتعقل بعض المفسرين قضية {يَنْزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا}(الأعراف: من الآية27) أنها فعلا ملابسهما نزعت منهما، يخرج من الجنة ولا يحمل حتى خيطا، يخرج من ذلك النعيم، من الجنة في الدنيا هنا وليس جنة الآخرة، جنة في الدنيا كانت قد أعدت لهما ليقيما فيها وليأكلا فيها رغداً من حيث شاءا ـ كما قال الله ـ ، وفيها ما يحتاجون إليه، فيها ملابسهم، فيها كل شيء، حتى إذا أكلا من تلك الشجرة طُرِدا من الجنة، وخرجا إلى الحياة ليسيرا في الحياة هذه في الحصول على معيشتهما على النحو الذي نحن نعمله: زراعة، وحراثة، وأعمال كثيرة حتى يحصل على قوته، ونزعت عنهما ملابسهما، حتى الملابس لا تبقى لهما {وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ} ليسترا عوراتهما ولو بالورق. أليست هذه أول معصية تحدث نتيجتها في الدنيا على من اقترفها أن يشقى، وأن تنزع عنه حتى ملابسه فيخرج من الجنة؟ فشقي فعلا، وتعب في الحياة. هذه أول معصية.

وتكررت في القرآن الكريم؛ لأن فيها عبرة مهمة، ودرساً مهماً، كذلك تكرر في القرآن الكريم آيات كثيرة من هذا النوع الذي يبين: أن الناس يحصل لهم في هذه الدنيا عقوبات أعمالهم.

نحن كطلاب علم إذا ما اتجهنا لنرشد الناس دون أن نذكرهم دون أن نرشدهم وفق منهجية القرآن؛ فسنكون نحن من يصرف الناس عن القرآن، ويصرف الناس عما يريد القرآن منهم أن يفهموه في مجال التذكير بالله، في مجال التخويف من الله. نحن نخوف الناس بجهنم أليس كذلك؟ لكن الإنسان بطبيعته يخاف العاجل أكثر من الآجل، يتوقف عن عمل يكون فيه نجاته من جهنم لخوفه من سجن في الدنيا، أليس كذلك؟ يقترف عملاً سيئاً سواء يتمثل بعمل يرتكبه، أو قعود عن حق ينصره، فيكون قعوده ذلك مما يؤدي به إلى جهنم، لماذا؟ خوفاً من سجن في الدنيا، أليس هذا هو ما يحصل؟

ما الذي يقعد بالكثير من الناس قعوداً قد يؤدي بهم إلى جهنم إلا خوفهم من ماذا؟ خوفهم من الوعيد العاجل، وأي مقارنة بين الوعيد العاجل الذي تخافه من جانب هذه الدولة، أو من جانب ذلك الشخص: سجن، أو أن تفقد مصلحة معينة تخاف على مصلحتك، تخاف من سجن، تخاف من تعذيب في سجن؛ فتتوقف ولا تحسب حساب جهنم، أليس هذا هو ما يحصل عند الكثير من الناس؟

الله الحكيم، الله الذي يعلم النفس البشرية لم يدع هذا الأسلوب، لم يدع الإنسان دون أن يضع له في الدنيا هنا ما يجب أن يخاف منه فيكون أمامه دائماً ما يخيفه من التفريط، وما يخيفه من ارتكاب المعصية: عقوبات في الدنيا، وعقوبات في الآخرة ينفع فيك الخوف من الآجل، وإلا فأمامك ما تخاف منه في العاجل.

وهكذا عمل أيضاً في جانب الهداية، في جانب الترغيب: {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ} (الأعراف: من الآية96) أليس كذلك؟ ماذا يعني هذا؟ إيمان وتقوى سيكون مما نناله في هذه الدنيا هو أشياء مما نحب، أشياء مما نرغب إليه؛ لأننا نحب العاجلة فستكون هناك أرزاق مبسوطة، يكون هناك رغد من العيش، وهذا هو ما يهم كل إنسان: قضية العيش، المعيشة {لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ} أليس هذا وعدا من الله؟ {وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} (الأعراف: من الآية96) ما معنى: {أخذناهم}؟ أن يحدث نقص في البركات. عبارة: {أخذناهم} أخذ، أي أخذ كان: نقص في البركات، أو خزي في الدنيا، أو ذلة، أو.. كم أنواع العقوبات من جانب الله كثيرة جداً {فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ}.

ألسنا هنا في اليمن نسمع من قبل سنين من قبل نحو عشرين سنة، أو خمسة وعشرين سنة، كانت مياه الأودية تتدفق في كل مكان، وكان الناس لا يرون أنفسهم بحاجة إلى أن يحفروا خزانات، وكان إذا كان هناك [بركة] في منطقة تقريباً لا أحد يحتاج إليها إلا في النادر، وكانت (بركة) واحدة قد لا يكون عمقها أكثر من ثلاثة أمتار تكفي قرية بأكملها، الأمطار كل أسبوع، كل ثاني أسبوع، كل شهر، كل ثاني شهر، وهكذا والأودية الماء يتدفق فيها، لا أحد يحتاج إلى أن يسقي.

ما الذي حصل الآن؟ الماء كاد أن يختفي كاد أن يغور، حتى أمام أولئك الذين يحفرون مئات الأمتار في عمق الأرض يغور الماء ويختفي ما هذا؟! ما هذا؟! هل أن هناك أحواضا: صحنة تحت حوض (صنعاء) أو صحنة تحت (صعدة) فيها ماء، و(الإرتوازات) تأخذ منها تكاد أن تنفد أو تنتهي؟ الله هو الذي جعل في الأرض يوم دحاها، يوم هيأها للمعيشة {أَخْرَجَ مِنْهَا مَاءَهَا وَمَرْعَاهَا} (النازعـات:31) هو هو من قال: {فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} أخذناهم بما كانوا يكسبون، أخذناهم أخذناهم في [صعدة] أخذناهم في [فوط] أخذناهم في [زبيد] أخذناهم في مناطق أخرى، أخذناهم في محافظات أخرى، أليس هذا هو ما نشاهده؟

{قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْراً فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِمَاءٍ مَعِينٍ} (الملك:30) ويأتي الآخرون ليحللوا لنا الأشياء سواء كانت صحيحة أو غير صحيحة تحليلات لا تذكرنا بالعودة إلى الله، [اقتصدوا في استعمال الماء، كاد حوض صعدة أن ينتهي، الصحنة التي تحت صعدة لم يعد فيها إلا محط إصبعين ستنتهي، وهذا ما تجمع منذ آلاف السنين، اقتصدوا في استخدام الماء].

فنفكر كيف نقتصد في استخدام الماء. بل الماء هو الذي اقتصد هو من تلقاء نفسه، اقتصد هو من تلقاء نفسه، لم نعد بحاجة إلى أن ننظم استهلاك استخدام المياه، الماء هو الذي فرض علينا وضعية معينة فخفض من مستوى الأشجار التي نزرعها، ومن مستوى المساحة التي نزرعها، بل خفض من مستوى عدد المزارعين أيضا فالكثير منهم هجروا مزارعهم وغادروا وتركوا المضخات وتركوا الآبار، وتركوا الأشجار حطاما.

{قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْراً فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِمَاءٍ مَعِينٍ} هل أولئك الذين يتجهون لبناء سدود لنا هم من سيأتون بماء معين؟ السدود على من تعتمد؟ أليست معتمدة على الأمطار؟ والأمطار هي ممن؟ من الذي ينزل من السماء ماء؟ هو الله. إذاً السدود نفسها ستلحق باطن الأرض، فحينها لا من باطن الأرض ولا من السماء {فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} وكم كرر في القرآن للناس أن يفهموا: أن معاناتهم في الدنيا هي بسبب إعراضهم عن ذكر الله.

لكن لا حكوماتنا تذكرنا بهذا، ولا كثير ممن ينطلقون لإرشادنا على منابرنا يذكروننا بهذا، ويرسمون لنا كيفية العودة إلى الله، أو متى ما انطلقوا ليذكرونا بالعودة إلى الله، بحثوا عن الأشياء السهلة وتركوا القضايا المهمة التي هي وراء كل مصيبة، التي تقصيرنا فيها هي وراء كل مصيبة نعاني منها، يوجهوننا للأشياء البسيطة التي لا تثير هذه السلطة ولا تثير أولئك الآخرين، ولا تكلف هذا، ولا تشق على هذا.

 

[الله أكبر/ الموت لأمريكا / الموت لإسرائيل/ اللعنة على اليهود / النصر للإسلام]

دروس من هدي القرآن الكريم

 

(الدرس الرابع عشر)

 

ألقاها السيد/ حسين بدر الدين الحوثي / رضوان الله عليه.

 

بتاريخ: 24 من ذي القعدة 1422هـ

الموافق:6 /2/2002م

اليمن – صعدة.

 


  • نبذة عن المسيرة القرآنية

    المسيرة القرآنية : هي التسمية الشاملة لهذا المشروع القرآني, وهي التوصيف الذي يعرِّف به تعريفًا كامًلاً , فعندما نعبر عن طبيعة المشروع القرآني الذي نتحرك على أساسه نحن نقول: المسيرة القرآنية.. وهي تسمية من موقع المشروع الذي نتحرك على أساسه.

    فالمسيرة القرآنية توصيف مرتبط بالمشروع القرآني وهي التسمية الشاملة والأساسية لهذا المشروع

    وهذه المسيرة العظيمة تقوم على ....

    اقراء المزيد...
  • تابعنا على مواقع التواصل

    • تابعون على التيلجرام
    • تابعونا على تويتر
    • تابعون على اليوتيوب
    • تابعونا على الفيس بوك
تصميم وبرمجة : حميد محمد عبدالقادر