مـرحبـا بكم في موقع دائرة الثقـافـة القـرآنيــة

بالمكتب التنفيذي لأنصار الله

الجمهورية اليمنية

وزارة الإرشاد وشؤون الحج والعمرة 

قطاع التوجيه والإرشاد

الإدارة العامة للوعظ والإرشاد

-----------------------------------                                       

خطبة الجمعة الثانية من شهر رمضان المبارك 1442هــ

/ 11 / 9 /1442هـ 

23/ 4 / 2021م 

 

(رمضان فرصة لاستئناف الحياة مع الله)

 

  • الخطبة الأولى

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمدُ لله ربِ العالمين، الحمدُ لله القائل: 

{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}، 

الحمدُ لله الذي جَعَلَ رمضانَ شهرَ صيامٍ وجهاد، وهدايةٍ وإرشاد، وفوزٍ ورشاد، واستعدادٍ ليومِ التناد، بمحاسبةِ النفسِ وتطهيرِ الفؤاد، ونشهد ألا اله الا الله وحده لاشريك له 

ونَشْهَدُ أنَّ سيدَنا محمدًا عبدُهُ ورسولُه، الذي بلَّغ الرسالةَ، وأدَّى الأمانةَ، ونَصَحَ الأمةَ، وكَشَفَ اللهُ به الظُلمةَ، وجاهد الظالمين والمجرمين، والطغاةَ والمستبدين، اللهم صل وسلم على سيدِنا محمدٍ وعلى آلهِ الأطهار، وارضَ عن صحابته الأخيار المنتجبين.

أما بعد/أيها المؤمنون الأكارم:

يقولُ اللهُ تعالى: {إَنَّ الَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ لِقَاءنَا وَرَضُواْ بِالْحَياةِ الدُّنْيَا وَاطْمَأَنُّواْ بِهَا وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ آيَاتِنَا غَافِلُونَ . أُوْلَـئِكَ مَأْوَاهُمُ النُّارُ بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ}، لقد خلقَ اللهُ الإنسانَ لحياتين: حياةُ أولى محدودةٌ ومنتهية، وحياةُ أخرى ليس لها حدود، حياةٌ أولى تمثلُ فرصةُ الإنسانِ ليحقق فيها السعادةَ في الحياتين، وحياةٌ أُخرى يَجْنِي فيها الإنسانُ ثمرةَ ما عَمِلَ في حياتهِ الأولى، وقد يَعِّيشُ الإنسانُ في حياتهِ الدُنيا مُعرِضَاً عن هديِ الله، غافِلاً عن آياتِ الله، مُفَّرِطاً فِي توجيهاتِ الله، ناسياً للكثيرِ من واجباته، مُقصِّراً فِي الكثيرِ مِنْ مسؤولياته، مُرتَكِباً للمعاصي، مُكْتَسِباً لِلذنوب، واقِعاً في الزَّلَّات، جَامِعاً لِلخطيئات؛ لكن نداءاتِ اللهِ للإنسانِ لا تتوقف؛ لكي يتوبَ ويرجِعَ، لكي ينيبَ ويسمعَ، لكي يتوقفَ عمَّا سَيُوبِقه، ويعملَ ما يُعْتِقُه، {وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِن قَبْلِ أَن يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنصَرُونَ }، فكلُ لحظةٍ تمرُ مِنْ عُمُرِ الإنسانِ، وكلُ ساعةٍ تَمضي، وكلُ يومٍ يذهبُ، وكلُ عامٍ يرحلُ؛ فإنَّ الإنسانَ يتقدمُ نحو نهايةِ حياتهِ الدنيا، التي جعلها اللهُ له فرصةً لا يمكنُ أنْ تُعوضَ، ولا يمكنُ أنْ تَرجِعَ، وعندما يكونُ الإنسانُ غافلاً عن أنَّه خُلِقَ لحياتينِ وليس لحياةٍ واحدة؛ فإنَّه ينسى أنَّ أمَامَهُ العرض والحساب، والجنةَ والنار، يعيشُ غافلاً عن أنَّه بِغَفْلَتِهِ وإعرَاضِهِ، وتفريطه وتقصيره، كلما مَرَ يومٌ مِنْ حياتِه الدنيا؛ فإنَّه يقتربُ أكثرَ مِنْ العذابِ الشديدِ في جهنمَ الذي قال اللهُ عنه: {كَلَّا إِنَّهَا لَظَى . نَزَّاعَةً لِّلشَّوَى . تَدْعُو مَنْ أَدْبَرَ وَتَوَلَّى}، ويقتربُ مِنْ أبوابِ جهنمَ التي قال الله عنها: {لَهَا سَبْعَةُ أَبْوَابٍ لِّكُلِّ بَابٍ مِّنْهُمْ جُزْءٌ مَّقْسُومٌ}، ويقتربُ مِن الجحيمِ الذي قال اللهُ عنه: {خُذُوهُ فَاعْتِلُوهُ إِلَى سَوَاء الْجَحِيمِ}، ويقتربُ مِن شرابِ الحميمِ والصديدِ الذي قال اللهُ عنه: {لَا يَذُوقُونَ فِيهَا بَرْدًا وَلَا شَرَابًا . إِلَّا حَمِيمًا وَغَسَّاقًا}، {مِنْ وَرَائِهِ جَهَنَّمُ وَيُسْقَى مِنْ مَاءٍ صَدِيدٍ . يَتَجَرَّعُهُ وَلَا يَكَادُ يُسِيغُهُ وَيَأْتِيهِ الْـمَوْتُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ وَمَا هُوَ بِمَيِّتٍ وَمِنْ وَرَائِهِ عَذَابٌ غَلِيظٌ}، ويقتربُ مِن طعامِ جهنمَ الذي قال اللهُ عنه: {إِنَّ شَجَرَةَ الزَّقُّومِ طَعَامُ الْأَثِيم . كَالْـمُهْلِ يَغْلِي فِي الْبُطُونِ. كَغَلْيِ الْحَمِيمِ}، ويقتربُ مِن السلاسلِ والأغلالِ التي قال اللهُ عنها: {وَتَرَى الْـمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفَادِ}، {إِذِ الْأَغْلَالُ فِي أَعْنَاقِهِمْ وَالسَّلَاسِلُ يُسْحَبُونَ . فِي الْحَمِيمِ ثُمَّ فِي النَّارِ يُسْجَرُونَ}، ويقتربُ مِن زبانيةِ جهنمَ ومقامعهم التي قال اللهُ عنها: {وَلَهُمْ مَقَامِعُ مِنْ حَدِيدٍ . كُلَّمَا أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا مِنْ غَمٍّ أُعِيدُوا فِيهَا وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ}، وكلما كان الإنسانُ مُعْرِضاً وغافلاً فإنَّه في كلِ يومٍ، يبتعدُ عمَّا أعَدَّه اللهُ للمتقينَ في الجنةِ أكثر، يبتعدُ عنِ المُلكِ العظيمِ في الجنةِ الذي قال اللهُ عنه: {وَإِذَا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيماً وَمُلْكاً كَبِيراً}، ويبتعد أكثرَ عن أبوابِ الجنةِ التي قال اللهُ عنها: {وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَراً حَتَّى إِذَا جَاؤُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ

 

لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ}، ويبتعدُ عنِ النعيمِ الذي قال اللهُ عنه: {يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُم بِرَحْمَةٍ مِّنْهُ وَرِضْوَانٍ وَجَنَّاتٍ لَّهُمْ فِيهَا نَعِيمٌ مُّقِيمٌ}، ويبتعد عن شراب الجنة الذي قال الله عنه: {وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَاباً طَهُوراً}، {وَيُسْقَوْنَ فِيهَا كَأْساً كَانَ مِزَاجُهَا زَنجَبِيلاً}، ويبتَعدُ عن طعامِ الجنةِ الذي قال اللهُ عنه: {فِيهِمَا فَاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ} {وَأَمْدَدْنَاهُم بِفَاكِهَةٍ وَلَحْمٍ مِّمَّا يَشْتَهُونَ}، ويبتعدُ عن فراشِ الجنةِ الذي قال اللهُ عنه: {مُتَّكِئِينَ عَلَى رَفْرَفٍ خُضْرٍ وَعَبْقَرِيٍّ حِسَانٍ}، ويبتعدُ عن حورِ الجنةِ التي قال اللهُ عنهنَّ: {فِيهِنَّ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنسٌ قَبْلَهُمْ وَلَا جَانٌّ . فَبِأَيِّ آلَاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ . كَأَنَّهُنَّ الْيَاقُوتُ وَالْمَرْجَانُ} {وَحُورٌ عِينٌ . كَأَمْثَالِ اللُّؤْلُؤِ الْمَكْنُونِ}.

فما أسوأُ خسارةِ الإنسانِ عندما يكونُ غافلاً عن ذلك العذابِ الشديد، ومفرِّطاً في ذلك النعيمِ العظيم.

المؤمنون الأكارم:

لرحمةِ اللهِ بعبادهِ يقدِّمُ لهم محطاتِ هدايتهِ، ورحمتهِ المستمرة، ففي كلِ يومٍ يقدمُ محطةً مِن رحمتهِ في الثُلثِ الأخيرِ مِن الليل، وفي كلِ أسبوعٍ، يجعلُ للناسِ يومَ الجمعةِ أفضلَ مِن غيرِهِ للتقرُبِ والإنابة، وفي كلِ عامٍ يجعلُ هذا الشهرَ الكريمَ محطةً تربويةً، ودورةً تدريبيةً على الصبرِ وقوةِ الإرادة، ودورةً تعليميةً لتعلمِ التقوى، يشحذُ فيها المؤمنُ هِمَّتَهُ التي خَمِدَت، ويصقلُ فيها نفسيتَه التي صَدَأْت، ويزكّي فيها قلبَه الذي تراكمَ فيهِ النسيانُ، وغطَّتْهُ الغفلةُ والرانُ، ويعيدُ فيها قوةَ التواصلِ والاتصالِ باللهِ تعالى؛ فشهرُ رمضانَ هو فرصةٌ يمكنُ للإنسانِ أنْ يؤسسَ فيهِ لمرحلةٍ جديدةٍ مَعَ اللهِ، يتخلصُ فيها مِنْ الذنوبِ والتقصيرِ، ويعملُ على أنْ يعودَ إلى صراطِ اللهِ المستقيمِ، الذي رسمَهُ لينطلقَ فيهِ مَنْ أرادَ الوصولَ إلى الجنةِ.

عبادَ اللهِ الأكارم:

لقد فتحَ اللهُ في رمضانَ مجالاتِ هدايةٍ واسعة، يمكنُ للإنسانِ إذا سلكها، أنْ يصلَ إلى رضوانِ اللهِ وجنتهِ، ومِنْ أهمِ تلكَ المجالاتِ وأعظمِها: القرآنُ الكريمُ، الذي أنزلَه اللهُ في رمضانَ؛ ليكونَ هدايةً للناسِ وفرقانَ: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ}، والقرآنُ يمثلُ أعظمَ النعمِ على الإنسانِ، ويمثلُ صراطَ اللهِ المستقيمِ، الذي قال اللهُ عنه: {وَأَنَّ هَـذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}؛ فرمضانُ هو شهرُ القرآنِ، وعادةً ما يُكثِرُ الناسُ مِن قراءةِ القرآنِ في رمضانَ أكثرَ مِن غيره، ولكننا يجبُ أنْ نعودَ إلى القرآنِ بتأملٍ وتدبرٍ كما أمرَ اللهُ حين قال: {كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ} {أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا}؛ فالقرآنُ كتابٌ جعلَه اللهُ كتاب هداية، يهتدي بهِ الإنسانُ إلى الطريقِ الصحيح، التي يحاولُ الشيطانُ وأولياؤه بشكلٍ مستمرٍ أنْ يَحرِفوا الناسَ عنِ تلكَ الطريقِ، وخاصةً في هذا الزمنِ الذي بلغَ فيهِ الضلالُ ذُروتَه، وقال عنه النبيُ صلوات الله عليه وآله: (ستكونُ فتنٌ كقِطَعِ الليلِ المظلمِ، يُصبحُ الرجلُ فيها مؤمناً، ويُمسي كافراً، ويُمسي مؤمناً، ويُصبح كافراً)، ظلماتٌ في الفكرِ والثقافةِ، وظلماتٌ في العقيدةِ، وظلماتٌ في التوجهِ، وظلماتٌ في التوجهِ، وظلماتٌ في الحياة؛ فتلتبسُ على الناسِ في هذهِ الظلماتِ طرقُ الحقِ والرشادِ، ولن يكونَ هناكَ مخرجٌ سوى القرآنِ الذي قالَ فيهِ النبيُ صلوات الله عليه وآله في حديثٍ آخرَ، رواه الإمام علي (عليه السلام), قال سمعتُ رسولَ اللهِ (صلوات الله عليه وعلى آله) يقولُ: ((ألا إنَّها ستكونُ فتنةٌ: فقلتُ ما المخرجُ مِنها يا رسولَ الله؟. قال: كتابُ اللهِ فيهِ نبأُ ما قبلكم، وخبرُ ما بعدكم، وحَكَمُ ما بينكم، هو الفصلُ ليس بالهزلِ، مَن تركَهُ مِن جبارٍ قصمَهُ اللهُ، ومَن ابتغى الهدى مِن غيرِه أضلَّه اللهُ، وهو حبلُ اللهِ المتينِ، وهو الذكرُ الحكيمُ، وهو الصراطُ المستقيمُ، هو الذي لا تَزِيغُ بِهِ الأهواء، ولا تَلتَبِسُ بِهِ الألسُنُ ولا يَشّبَعُ مِنهُ العلماءُ، ولا يَـخْلَقُ على كثرةِ الرّدِ، ولا تنقضي عجائبه، هو الذي لم تنـتهِ الجنُ إذ سمعتهُ حتى قالوا: {إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآناً عَجَباً يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ} مَن قالَ بِهِ صَدَقَ، ومَن عَمِلَ بِهِ أُجِرَ، ومَن حَكَمَ بِهِ عَدَلَ، ومَن دعا إليهِ فقد هَدَى إلى صراطٍ مستقيم))؛ فالقرآنُ جعلهُ اللهُ

 

{هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ}، وما أحوج الأمة اليومَ إلى الهدى والبيناتِ؛ لِتَخْرُجَ مِن ظلماتِ التضليلِ والتلبيسِ، وما أحوج الأمة إلى الفرقانِ، في زمنٍ حُرِفّتْ فيهِ بُوصلةُ العداءِ والولاءِ، مِن الجهةِ التي أرادها اللهُ، إلى الجهةِ التي أرادها أعداءُ اللهِ.

المؤمنونَ الأكارمُ:

يقولُ تعالى: {إِنَّ هَـذَا الْقُرْآنَ يِهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ}؛ فهو يهدي إلى أقومِ الطرقِ وأسماها وأرقاها في كافةِ جوانبِ الحياة: في الجانبِ السياسي، وفي الجانبِ الاجتماعي، وفي الجانبِ الاقتصادي، وفي كلِ جوانبِ الحياة يهدينا إلى أفضلِ الطرقِ التي تُخرِجُنا مِن كلِ المشاكلِ التي تُعانِيّها الأمة، ومِن كلِ الظلماتِ التي تَتَخبَطُ فيها الأمةُ أفراداً وجماعات؛ فقال اللهُ تعالى عنه: {الَر كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ}، ولذلكَ يُهدِدُ اللهُ الإنسانَ الذي يُعرِضُ عن القرآنِ بالوزرِ الكبيرِ يومَ القيامةِ؛ فيقولُ تعالى: {وَقَدْ آتَيْنَاكَ مِن لَّدُنَّا ذِكْراً . مَنْ أَعْرَضَ عَنْهُ فَإِنَّهُ يَحْمِلُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وِزْراً . خَالِدِينَ فِيهِ وَسَاء لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حِمْلاً}، والإعراض عنه: هو الإعراض عن الاهتداءِ بِهِ، والاتَّباع له؛ فلا يكفي أن نقرأ القرآنَ، ونُقِر بأنَّه مِن عِندِ اللهِ، ثم لا نتِّبعهُ، ولا نهتدي به، بل لابدَ مِن العودةِ إلى القرآن، وأن يكونَ عندنا اهتمام وحرصٌ وسعيٌ للالتزام بهِ، والعمل به، والاتباع له، وإلا فالحالةُ هي حالةُ إعراضٍ، وهي حالةٌ خطيرةٌ جداً.

باركَ الله لي ولكم في القرآن العظيم, ونفعنا بما فيه من الآياتِ والذكرِ الحكيم, إنّه تعالى جوادٌ برٌ رؤوفٌ رحيم, أقولُ قولي هذا واستغفرُ اللهَ العظيم لي ولكم ولكافةِ المؤمنينَ والمؤمناتِ فاستغفروه إنه هو الغفورُ الرحيم.

  • الخطبة الثانية

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمدُ لله رب العالمين, وأشهدُ ألَّا إله إلاّ الله وحدَه لا شريك له, وأشهد أنَّ سيدَنا محمداً عبدُه ورسولُه صلى الله عليه وعلى آله الطاهرينَ، ورَضِيَ اللهُ عنْ أصحابهِ المنتجبين.

أما بعد/ إخوة الايمان:

لقد جعل اللهُ رمضانَ شهرَ التقوى؛ لكي يتروض الناسُ فيهِ على التقوى، ويتزودونَ مِنها؛ 

ولكنَّ المتقين لا تقتصرُ أعمالهم على الشعائرِ العبادية فقط، بل إنَّ مِن أهمِ مواصفاتهم هو الجهادُ في سبيلِ الله؛ ففي آيةٍ كريمةٍ يذكرُ اللهُ تعالى فيها بعضَ صفاتِ المتقينَ فيقول: {لَّيْسَ الْبِرَّ أَن تُوَلُّواْ وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَـكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْمَلآئِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّآئِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُواْ وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاء والضَّرَّاء وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَـئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَـئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ}؛ فمواصفاتِ المتقينَ في الآيةِ بدأت بالإيمان بالله، وانتهت بالصبرِ حينَ البأسِ في المعاركِ في مواجهةِ أعداءِ الله، وكفانا أسوةً وقدوةً بمعلمِ المتقينَ وسيدهم النبي صلوات الله عليه وآله، الذي لم يكتفِ في رمضانَ بالصيامِ والقيام، بل كان يحرصُ على الجهادِ في سبيلِ اللهِ ليقدمَ للأمةِ درساً عملياً عنِ التقوى وأعمالِ المتقين، التي مِن أهمِها: المواجهةُ لأعداءِ الله؛

 فبعدَ إخراجِ المشركين للنبيِ صلوات الله عليه وآله من مكة، وهجرَته إلى المدينة، خرجَ ليواجه المشركين في غزوة بدر الكبرى في 17رمضان عام 2 هجرية، وانتصرَ فيها وضربَ الكفرَ أول وأكبرَ الضرباتِ، ثم تحركَ ليفتحَ مكةَ في 10رمضان عام 8 هجرية، التي كانت الضربة الختامية لمشركي مكة، والفتح المبين؛ فرمضانُ كما هو شهرُ الصومِ والعباداتِ البدنية، هو أيضاً شهرُ العباداتِ الماليةِ مِن زكاةٍ وإنفاق، وهو شهرُ الجهادِ والانتصاراتِ العظيمةِ على الباطل، وهو شهرُ التأييداتِ الإلهيةِ لعبادهِ المؤمنين، وهذا يدلُ على عظمةِ الإسلامِ والقرآنِ والرسولِ الذي لم يربِ الأمةَ تربيةً في جانبٍ واحد؛ 

بل ربَّاها من كلِ الجوانبِ؛ لتكونَ أمةً قادرةً على أن تقفَ على قدميها، معتمدةً على اللهِ، وتنتصرَ لِنفسها مِن الطغاةِ والمستكبرين، وتقومَ بمسؤوليتها في مواجهتهِم جهاداً وانفاقاً، 

{وَأَنفِقُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ}، وما دامَ أنَّ العدو مستمرٌ في عِدوانهِ وحصاره على شعبنا؛ فلا بدَ أن تستمرَ ضرباتُ قوتِنا الصاروخيةِ، والطيرانُ المسيَّرُ لقواعدِ العدوِ وأماكنُهِ الحيوية؛

 

ولا يُمكنُ أن ننخدِعَ بدعواتِ مجلسِ المكرِ والتضليلِ، الذي يُرِيدُ أن يتحققَ الأمنُ لأذنابهِ آلَ سعودٍ فقط؛ ليستمروا في جرائمهم، بينما لا يُقيمُ وزناً لشعبنا المعتدى عليه؛

 فإما سلامٌ للجميع، أو حربٌ على الجميع.

عبادَ الله المؤمنون:

إن مِن كمالِ الإيمان أن تعتمدَ الأمةُ على نفسها في مواجهةِ أعدائها، وفي توفيرِ قوتِها الضروري؛ ولذا أصبحَ الاهتمامُ بالزراعة ِـ في ظل العدوان والحصار الجائر الذي تمارسه أمريكا وأذنابها على شعبنا ـ من الجهادِ في سبيل الله؛ ولذا مِن الواجبِ استغلالُ موسمِ الزراعةِ والأمطار، والعملُ على تحقيقِ التقوى في هذا الشهرِ الكريم؛ لتتحققَ وعودُ اللهِ القائل: {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُواْ وَاتَّقَواْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ وَلَـكِن كَذَّبُواْ فَأَخَذْنَاهُم بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ}، ولابدَ من الاهتمامِ الرسمي والشعبي الكبيرُ بالزراعة؛ للوصولِ إلى الاكتفاءِ الذاتي في الجانبِ الزراعي، وكما أعاننا اللهُ وصنعنا السلاحَ الذي نَضرِبُ به عدو الله وعدونا، سيعينُنا الله، وسنكتفي ذاتياً إذا حققنا التقوى والجد والاهتمام.

أيها المؤمنون 

ونحن في هذا الشهر المبارك نذكر بأهمية الزراعة ولايمكن للإنسان الذي شرفه الله باستخلافه في الأرض، وحمله مسؤولية عمارتها أن يعيش فوقها إلا إذا قام بهذه الرسالة السامية، وذلك بالعمل المتواصل على استخراج كنوزها وخيراتها واستغلال مكنوناتها، وهذا لايتأتى له إلا بواسطة زراعتها وغرسها بجد ونشاط دائمين لعله يقوم بالأمانة الثقيلة التي حملها، وهي المشي والسعي في أرجاء الأرض بحثاً عن الرزق الذي ضمنه الخالق عز وجل للمشتغلين العاملين السالكين منها سبلا فجاجا. وقد وردت عدة آيات قرآنية وأحاديث نبوية ونصوص فقهية تحث كلها على الانشغال بالزراعة والغراسة، وتبين فضلها ومكانتها في الشريعة الإسلامية التي أتت لخير الدارين، والتي دعت إلى التوازن بين مطالب الروح ورغبات الجسم في وسطية يتميز بها النظام الإقتصادي الإسلامي.ومن تلك الآيات ماورد في سورة "عبس" وفيه لفت الأنظار إلى نعمة الله بإعداد الأرض للزراعة بواسطة نزول المطر: ( فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ إِلَى طَعَامِهِ (24) أَنَّا صَبَبْنَا الْـمَاءَ صَبًّا (25) ثُمَّ شَقَقْنَا الْأَرْضَ شَقًّا (26) فَأَنْبَتْنَا فِيهَا حَبًّا (27) وَعِنَبًا وَقَضْبًا (28) وَزَيْتُونًا وَنَخْلًا (29) وَحَدَائِقَ غُلْبًا (30) وَفَاكِهَةً وَأَبًّا (31) مَتَاعًا لَكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ (32)  

إخوة الإيمان وهذا النشاط الزراعي بحاجة إلى تعاون المجتمع باعتبار أن التعاون له ثمار عظيمة تتجلى في مجتمع متماسك قوي يواجه أعداء الله وحصارهم على شعبنا اليمني العظيم ولعل من أعظم ما يقوم به المجتمع إحياء المبادرات المجتمعية كلا في إطار منطقته ومديريته ومحافظته خاصةً في هذه الأيام المباركة في شهر رمضان شهر الخير والبركة المتزامنة مع نزول الغيث في معظم محافظات اليمن وضرورة تعاون المجتمع مع اللجان الزراعية في تبني تلك المبادرات المجتمعية والإستفادة من المبادرات التي نسمعها ونراها في بعض المناطق لتطبيقها في المناطق التي هى بحاجة لتحقيق التنمية الزراعية

 الأخوةُ المؤمنون:

كما أن من أهمِ القربِ إلى الله، ومن أعظمِ صفاتِ المتقين: هو المواساةُ للآخرينَ، وتعزيزُ التكافلِ الاجتماعي بين أبناءِ شعبنا، والعملُ على رعايةِ أسرِ الشهداء والجرحى والمرابطين في الجبهات والمحتاجين، {فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ . وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ . فَكُّ رَقَبَةٍ . أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ . يَتِيماً ذَا مَقْرَبَةٍ . أَوْ مِسْكِيناً ذَا مَتْرَبَةٍ . ثُمَّ كَانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ . أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ}، وكذا الاستمرار في رفد الجبهات بالمال والرجال {لاَّ خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِّن نَّجْوَاهُمْ إِلاَّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاَحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتَغَاء مَرْضَاتِ اللّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً}.   

هذا وأكثروا في هذا اليوم وأمثاله من ذكر الله, والصلاة على نبينا محمدٍ وآله؛ لقوله عزَّ مِنْ قائلٍ عليماً {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً},اللهم صلِ وسلم على سيدنا أبي القاسم محمدٍ بن عبدِالله بن عبدِ المطلب بن هاشم, وعلى أخيهِ ووصيهِ وباب مدينة علمهِ أميرُ المؤمنين عليٌ بن أبي طالب, وعلى زوجتهِ الحوراء، سيدةِ النساءِ في الدنيا والأخرى فاطمةَ البتولِ الزهراء, وعلى ولديهما سيدا شباب أهل الجنة الحسن والحسين الشهيدين المظلومين, وعلى آل بيت نبيك الأطهار, وارضَ اللهم برضاك عن صحابةِ نبيِّك الأخيار, مِنَ المهاجرين

 

والأنصار, وعلى من سار على نهجهم, واقتفى أثرهم إلى يوم الدين, وعلينا معهم بمنِك وفضلك يا أرحم الراحمين.اللهم اجعل لنا من كلِ همٍ فرجاً, ومن كلِ ضيقٍ مخرجاً, ومن النارِ النجا, اللهم انصر عَلَمَ الجهاد, واقمع أهل الشرك والعدوان والفساد, وانصرنا على من بغى علينا: أئمة الكفر أمريكا وإسرائيل، وأئمة النفاق السعودية والإمارات وكلَ من حالفهم وعاونهم يا رب العالمين {رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} {رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْراً وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ} 

عباد الله: 

{إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ}. 

➖➖➖➖➖ ➖

 📝 صـادر عـن الإدارة العامــة للوعـظ والإرشاد 

بديـوان عــام الــوزارة.

----------------------------

 

 


  • نبذة عن المسيرة القرآنية

    المسيرة القرآنية : هي التسمية الشاملة لهذا المشروع القرآني, وهي التوصيف الذي يعرِّف به تعريفًا كامًلاً , فعندما نعبر عن طبيعة المشروع القرآني الذي نتحرك على أساسه نحن نقول: المسيرة القرآنية.. وهي تسمية من موقع المشروع الذي نتحرك على أساسه.

    فالمسيرة القرآنية توصيف مرتبط بالمشروع القرآني وهي التسمية الشاملة والأساسية لهذا المشروع

    وهذه المسيرة العظيمة تقوم على ....

    اقراء المزيد...
  • تابعنا على مواقع التواصل

    • تابعون على التيلجرام
    • تابعونا على تويتر
    • تابعون على اليوتيوب
    • تابعونا على الفيس بوك
تصميم وبرمجة : حميد محمد عبدالقادر