مـرحبـا بكم في موقع دائرة الثقـافـة القـرآنيــة

بالمكتب التنفيذي لأنصار الله

عاشت مكة مرارة الهزيمة التي لحقت بها في بدر وأعدوا عدتهم للانتقام من المسلمين وخرج أبو سفيان إلى قبائل العرب يطلبهم النصرة على محمد بعد أن عجزت قريش.
وأنفقت قريش أرباح القافلة لتجهيز جيش الشرك والضلال ليزحفوا على المدينة بثلاثة آلاف، والنساء يَسِرْنَ وراء الجيش يحملن (هبل) على ناقة. 

رسول الله ‹صلى الله عليه وعلى آله وسلم› يرصد تحركات قريش

العباس بن عبد المطلب يبعث برسالة إلى رسول الله ‹صلى الله عليه وعلى آله وسلم› يخبره فيها بتحرك قريش، وصلت رسالة العباس إلى رسول الله ‹صلى الله عليه وعلى آله وسلم› بخروج قريش فأرسل رجلين ليعرفا أين العدو وما هو عليه.
الرجلان: يا رسول الله إنهم في ذي الحليفة وقد أكلت إبلهم زروع أهل المدينة.
رسول الله ‹صلى الله عليه وعلى آله وسلم› صباحًا يخبر المسلمين بقوله: «لقد رأيت في منامي أني في درع حصينة وأن بقرًا تذبح وأن ثلمًا في سيفي. أما الدرع الحصينة فالمدينة فامكثوا فيها وتحصنوا بها. وأما البقر فيقتل رجال من أصحابي. وأما الثلم فرجل من أهل بيتي يقتل».
يقال: كان رأي رسول الله ‹صلى الله عليه وعلى آله وسلم› هو: أن يبقوا في المدينة، ويقاتلوهم في المدينة، ورأي آخرين، وكانوا - كما يشير بعض الكتاب - شبابًا، عندهم طموح، قالوا: نخرج نلقاهم. رسول الله ‹صلى الله عليه وعلى آله وسلم› يقال كان رأيه البقاء في المدينة، لكن في الأخير عندما رأى أن الأكثرية من الناس المقاتلين لديهم رغبة في الخروج لملاقاة المشركين خارج المدينة دخل ولبس لباس الحرب. 
ولما خرج من منزله لمسوا في وجهه أنه ربما ما كان رأيه الخروج، فحاولوا إذا كان بالإمكان أن يعدل عن رأيه، فقال ‹صلى الله عليه وعلى آله وسلم›: لا ينبغي لنبي إن لبس لامة حربه أن يرجع حتى يخرج فيقاتل حتى يفتح الله بينه وبين عدوه. ثم خرج.
فخطب فيهم رسول الله ‹صلى الله عليه وعلى آله وسلم› وحثهم على الجهاد، ثم دخل بيته ولبس عمامته وتقلد سيفه، ووضع القوس والسهام على جنبه وألقى الترس على ظهره فخرج إليهم.
رسول الله ‹صلى الله عليه وعلى آله وسلم›: «هاتوا ثلاثة رماح للألوية فلواء المهاجرين بيد علي، ولواء الأوس بيد أسيد بن حضير، ولواء الخزرج بيد الخباب بن المنذر».
تحرك رسول الله ‹صلى الله عليه وعلى آله وسلم› وعسكر بهم في خارج المدينة وأخذ رسول الله ‹صلى الله عليه وعلى آله وسلم› يستعرض الجيش وجاهزيته.
عبد الله بن أبيّ زعيم المنافقين يعود بثلث الجيش بعد أن قال: ما ندري علام نقتل أنفسنا؟ ارجعوا أيها الناس. فرجع معه ثلاثمائة من المنافقين وهم ثلث الجيش.
فخشيت طائفة من المسلمين الفشل بسبب نقصان المنافقين.
فقرأ رسول الله ‹صلى الله عليه وعلى آله وسلم› على المسلمين قول الله تعالى: )لَوْ خَرَجُواْ فِيكُم مَّا زَادُوكُمْ إِلاَّ خَبَالًا ولأَوْضَعُواْ خِلاَلَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ وَاللهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ)[التوبة:47]. وتتولى كتيبة محمد بن مسلمة حراسة المعسكر في تلك الليلة.
فرقة الاستطلاع: يا رسول الله إن المشركين نزلوا بالقرب من جبل أحد.
رسول الله ‹صلى الله عليه وعلى آله وسلم› صباحًا يجعل من يعرف طريقًا غير مكشوفة دليلًا.
في أرض المعركة: رسول الله القائد العسكري المحنك:
بعد أن ألقى رسول الله ‹صلى الله عليه وعلى آله وسلم› نظرة فاحصة لتشكيلة جيش العدو أخذ هذا القائد العسكري الفذ يصف الصفوف كالبنيان المرصوص.
رسول الله ‹صلى الله عليه وعلى آله وسلم› يجعل جبل أحد خلف ظهره ويضع الرماة في ثغرةٍ قائلًا: «احموا ظهورنا لا يأتون من خلفنا وانضحوهم بالنبل إنا لا نزال غالبين ما دمتم في مكانكم».
رسول الله يتوجه إلى الجيش ويحثهم على الصبر واليقين والجد والنشاط.
وكانت دفوف الحرب تضربها نساء المشركين وجيش المشركين يزحف فلما أخرجت راية المشركين للمبارزة أمر رسول الله ‹صلى الله عليه وعلى آله وسلم› عليًّا ‹عليه السلام› أن يتقدم لمناجزته.
علي ‹عليه السلام› مستلاًّ سيفه ويرفع صوته بالتكبير ويقطع رجل طلحة فكبر المسلمون بعده وسقطت راية المشركين.
يحمل المشركون طلحة جثة هامدة ويرفع الراية أخوه سعيد بن أبي طلحة.
سعيد: هل لك يا علي في المبارزة؟
علي ‹عليه السلام› ينطلق على فرسه إلى سعيد وبحركة قتالية ماهرة يرديه قتيلًا ليلحق بأخيه إلى جهنم وبئس المصير.
ويكبر رسول الله ‹صلى الله عليه وعلى آله وسلم› بصوتٍ عالٍ فيكبر المسلمون بعده بقوة. 
وكان الحمزة ‹رضي الله عنه› هو الحامل للراية انطَلَق كالصاعقة لتسقط راية المشـركين فيعلو التكبير ويخيم السكوت على المشركين من هول ما رأوا.
فأخذ أبو سفيان يحفز بني عبد الدار على حمل الراية ولكن كل من حملها كان علي ‹عليه السلام› أو حمزة ‹رضي الله عنه› له بالمرصاد حتى بلغ قتلى الراية أحد عشر قتيلًا وسقطت الراية زمنًا لم يجرؤ على رفعها أحد.
فكبّر رسول الله ‹صلى الله عليه وعلى آله وسلم› وحمل على المشـركين وهب وراءه المسلمون هبة رجل واحد فأخذ الجيش المشرك يتفكك ويفقد ترابط صفوفه، وفي زمن يسير بدأ أولهم بالهرب وأخذ الرسول ‹صلى الله عليه وعلى آله وسلم› والمسلمون يحصدون أرواح المشركين الذين تركوا أمتعتهم غنائم لينشغل المسلمون بحملها ويتركونهم.
وفي أثناء ذلك كان خالد بن الوليد بكتيبة من خيل المشـركين يحاول الالتفاف على المسلمين من الخلف إلا أن عبد الله بن جبير وخمسين من الرماة ينضحون الخيل بالسهام ويمنعون الخيل من التقدم حتى كاد اليأس يدب في نفوسهم وفجأةً توقفت السهام. 
عبد الله بن جبير ‹رضي الله عنه›: ما لكم لا تلزمون أماكنكم؟
أحد الرماة: ألا ترى انهزام المشركين والناس يجمعون الغنائم؟ هيا لنجمع الغنائم معهم.
عبد الله بن جبير ‹رضي الله عنه›: لقد سمعتم رسول ‹صلى الله عليه وعلى آله وسلم› حين قال: «إن رأيتمونا قد هزمناهم حتى أدخلناهم مكة فلا تبرحوا من هذا المكان وإن رأيتموهم قد هزمونا حتى أدخلونا المدينة فلا تبرحوا والزموا أماكنكم». 
ثم وعظهم: فأطيعوا رسول الله ‹صلى الله عليه وعلى آله وسلم› طاعة مطلقة، ولا يُقبل أي عذر أو تأويل مع وجود رسول الله ‹صلى الله عليه وعلى آله وسلم› إن أثر العصيان داخل فئةٍ تحمل رسالة إذا حصل الخلل في جانبهم قد يعرضون الرسول ويعرضون الرسالة كلها للخطر.
ولكنهم يردون: قد انتهت المعركة والمسلمون في أرض المعركة ينظرون إليهم ساكتين وكأن نشوة النصر قد أسكرتهم فتحرك خالد بن الوليد وبقية الخيالة على عبد الله بن جبير ومن تبقى معه فاستشهد عبد الله بن جبير ومن بقي معه على جبل الرماة.

آثار التفريط في طاعة القائد

جالت خيل المشركين وباغتتهم من الخلف فتفككت صفوفهم وتوقف هجومهم فأعاد المشركون توازنهم وانطلقت امرأة لترفع راية المشركين التي كانت على الأرض وانقلبت موازين المعركة فالمسلمون قد اختلطت خيل المـشركين بينهم وبينما الحمزة ‹رضي الله عنه› في توثبه وشجاعته وإخلاصه يحصد أرواح المشركين أمامه كانت هند (أم معاوية) ومعها وحشـي الحبشـي رامي الرمح الغادر الذي سدده وهو على بُعْد أمتارٍ من الخلف إلى سيد الشهداء كما سماه رسول الله ‹صلى الله عليه وعلى آله وسلم› فتصعد روحه في جسده الجديد إلى جوار ربها تاركًا جسده الطاهر ليشهد وحشية آل أبي سفيان وهمجيتهم فتبقر (هند) بطنه وتخرج كبده لتلوكها بأسنانها وتقطع أذنيه وأنفه لتخيطها أسورة في يدها، وفي ذلك الوضع يسقط العشرات من الشهداء.
وها هو آخر الأنبياء والمرسلين في ثبات منقطع النظير تهاجمه الجموع المشركة من كل جانب وهو يرميهم بالسهام حتى فرغت جعبته، ويقارعهم بسيفه ومعه أربعة عشر رجلًا من أهل بيته ثبتوا معه ومن المخلصين، أما الباقون فقد فروا وتركوا رسول الله ‹صلى الله عليه وعلى آله وسلم› فمنهم من وصل إلى المدينة ومنهم من لا يزال قريبًا.
ولكن القلة المؤمنة الثابتة مع رسول الله ‹صلى الله عليه وعلى آله وسلم› استبسلت فكلما هجمت عصابة من المشركين كشفها الكرار علي ‹عليه السلام› وقتل منها قائدها فتراجعت إلا أنهم يهجمون من كل الجهات فكان أبو دجانة يضرب بسيفه حتى انحنى.
وتقدم أبيُّ بن خلف مع عصابته على رسول الله ‹صلى الله عليه وعلى آله وسلم› حتى اقترب أبيُّ فقال: لا نجوتُ إن نجوتَ يا محمد، فتناول رسول الله ‹صلى الله عليه وعلى آله وسلم› الحربة من الحارث بن الصمة وطعن أبيّ بن خلف في رقبته فسقط من ظهر فرسه يخور كالثور ومات منها.
لقد كان رسول الله ‹صلى الله عليه وعلى آله وسلم› أقرب أصحابه إلى العدو ويقاتل قتالاً شديدًا فرماه ابن قمأة - أقماه الله - بحجرٍ شجت وجنته وكسرت سنه ‹صلى الله عليه وعلى آله وسلم› ثم أهوى ابن قمأة بسيفه على رسول الله ‹صلى الله عليه وعلى آله وسلم› فلقيه مصعب بن عمير بجسده ليفدي رسول الله ‹صلى الله عليه وعلى آله وسلم› وسقط شهيدًا.

ويضرب الرسول ‹صلى الله عليه وعلى آله وسلم› أروع الأمثلة في الصمود والاستبسال والثبات، ولا يزال ينظم أصحابه طوال فترات المعركة.
ويُسمع الرسول ‹صلى الله عليه وعلى آله وسلم› وهو يدعو أصحابه إلى إعادة صف الصفوف فبدؤوا بالتراجع واحدًا واحدًا حتى اصطفوا من جديد وفجأةً بدت للمـشركين فكرة الرجوع إلى معسكرهم وإنهاء المعركة خوفًا أن يستعيد المسلمون زمام السيطرة فيخسرون هذا النصـر الكبير فتركوا ساحة القتال وأنوفهم في السماء فخرًا وفرحًا فقد ثأروا لقتلاهم في بدر.


التدخل الإلهي يمنع المشركين من مواصلة التقدم


التدخل الإلهي يمنع المشركين من مواصلة التقدم حيث لقد كان من البديهي أن يتحرك المشركون إلى المدينة لكن الله صرفهم عنها بعد أن عفا عن المؤمنين فتمثل ذلك العفو في صرفه للمشـركين عن المدينة كما قال الله تعالى: )وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُم بِإِذْنِهِ حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الأَمْرِ وَعَصَيْتُم مِّن بَعْدِ مَا أَرَاكُم مَّا تُحِبُّونَ مِنكُم مَّن يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنكُم مَّن يُرِيدُ الآخِرَةَ ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ وَلَقَدْ عَفَا عَنكُمْ وَاللهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ)[آل عمران:152] وتوجه المشـركون إلى معسكرهم وركبوا الإبل وتركوا الخيل راضين بهذه النتيجة للمعركة.
 فلما انتهت المعركة سأل رسول الله ‹صلى الله عليه وعلى آله وسلم› عن الشهداء فإذا بعمه حمزة ‹رضي الله عنه› في الشهداء وقد مثلوا به فحزن حزنًا شديدًا فقدم الشهداء للصلاة عليهم ويرفعون مجموعة مجموعة وحمزة لا يُرفع حتى صلى على جميع الشهداء ثم دُفنوا في أحد.
 وانصـرف المسلمون مع رسول الله ‹صلى الله عليه وعلى آله وسلم› إلى المدينة مثخنين بالجراح وأرسل عليًّا ‹عليه السلام› في آثار المشـركين، وتستقبل فاطمة ‹عليها السلام› أباها ‹صلى الله عليه وعلى آله وسلم› وتعالج جراحه وتغسل الدم وهي تبكي فهي تعلم حرص رسول الله على إنقاذ الناس من عذاب الله وهم يفعلون به كل هذا.

 


من كتاب " مع الرسول والرسالة" للأستاذ يحيى قاسم أبو عواضه
 


  • نبذة عن المسيرة القرآنية

    المسيرة القرآنية : هي التسمية الشاملة لهذا المشروع القرآني, وهي التوصيف الذي يعرِّف به تعريفًا كامًلاً , فعندما نعبر عن طبيعة المشروع القرآني الذي نتحرك على أساسه نحن نقول: المسيرة القرآنية.. وهي تسمية من موقع المشروع الذي نتحرك على أساسه.

    فالمسيرة القرآنية توصيف مرتبط بالمشروع القرآني وهي التسمية الشاملة والأساسية لهذا المشروع

    وهذه المسيرة العظيمة تقوم على ....

    اقراء المزيد...
  • تابعنا على مواقع التواصل

    • تابعون على التيلجرام
    • تابعونا على تويتر
    • تابعون على اليوتيوب
    • تابعونا على الفيس بوك
تصميم وبرمجة : حميد محمد عبدالقادر