مـرحبـا بكم في موقع دائرة الثقـافـة القـرآنيــة

بالمكتب التنفيذي لأنصار الله

الجمهورية اليمنية

وزارة الإرشاد وشؤون الحج والعمرة 

قطاع التوجيه والإرشاد

الإدارة العامة للوعظ والإرشاد

-----------------------------------

-----------------------------------

🎙️ 🎙️. 🎙️. 🎙️   

......................................

خطبة الجمعة الرابعة من شهر صفر 1443هـ

 

(الخطبة الأولى)

الهداية بالقرآن الكريم والرسول العظيم من أعظم النعم

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، اَللَّهُمَّ إنِّي أفْتَتِحُ الثَّنَاءَ بِحَمْدِكَ، وأَنْتَ مُسَدِّدٌ لِلصَّوابِ بِمَنِّكَ، وأيْقَنْتُ أنَّكَ أَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ في مَوْضِعِ الْعَفْوِ وَالرِّحْمَة، وَأَشَدُّ الـْمُعَاقِبينَ في مَوْضِعِ النَّكالِ والنَّقِمَة، وأَعْظَمُ الـْمُتَجَبِّرينَ في مَوْضِعِ الْكِبْريَاءِ وَالْعَظَمَةِ.

وأشهد ألا إله إلا الله الملك الحق المبين، وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله خاتم النبيين، اللهم صل على محمد وعلى آل محمد وبارك على محمد وعلى آل محمد كما صليت وباركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد، وارضَ اللهم برضاك عن أصحابه الأخيار المنتجبين، وعن سائر عبادك الصالحين.

أمـا بـعـد/ أيها الأكارم المؤمنون:

أوصيكم ونفسي بتقوى الله سبحانه وتعالى، وكيف لا نتقي الله وهو الذي أنعم علينا بالنعم الكثيرة المادية والمعنوية، الظاهرة والباطنة: {وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً}، {وَآَتَاكُمْ مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ}.

أيها الأخوة المؤمنون:

إنّ الله سبحانه وتعالى في القرآن الكريم - على الرغم مما تمنن به على عباده من نعم مادية كثيرة - يعُدُّ نعمة الهداية، ونعمة الدين، ونعمة الإسلام من أعظم النعم على البشرية على الإطلاق، ومن أعظم النعم على الناس جميعاً.

لهذا نجد كيف يذكر الله سبحانه وتعالى للناس أنه قد مَنّ عليهم بنعمة عظيمة فيقول: {لَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ كِتَابًا فِيهِ ذِكْرُكُمْ أَفَلَا تَعْقِلُونَ}، ويقول: {لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ} (آل عمران:164) وفي الآية الأخرى يقول: {هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِين . وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيم . ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ}.

من خلال ما سبق نفهم عظمة نعمة الهداية، بل هي من أعظم النعم – كما ذكرنا – لماذا؟ لأن شر الضلال، والآثار السيئة للضلال تعتبر بالنسبة للإنسان أشد وأفتك وأسوأ من أن تنقص عليه نعم مادية أخرى، أسوأ من الجوع، أسوأ من الفقر، أسوأ من المرض؛ لأن تلك مصائب أو أضرار أو شرور قد لا يترتب عليها آثار سيئة جداً، أما مصيبة الضلال، وأن يعيش الإنسان في ضلال، وأن يعيش الناس في ضلال فإن آثاره سيئة جداً عليهم في الدنيا وفي الآخرة، ومن أسوأ عواقب الضلال هو الخلود في جهنم - نعوذ بالله من جهنم - فيمكن أن تجوع فتسُد رمقك بأي شيء، حتى ولو من النباتات، ولا يؤدي بك الجوع إلى جهنم، ويمكن أن تعاني في فترة من حياتك ظروفًا صعبة، كأن تعاني من فقر أو مرض أو غيره، ولا يؤدي بك هذا إلى جهنم. 

أما الضلال فإنه يؤدي بالناس إلى الخزي في الدنيا، إلى الذلة، إلى القهر، إلى العبودية لأولياء الشيطان، إلى الخضوع للفساد والباطل، وبالتالي سوء الممات، وسوء البعث، وسوء الحساب والخلود في جهنم.

عباد الله:

بعد أن عرفنا أن نعمة الهداية هي أعظم النعم، فلا بد أن نعرف مصدر هذه الهداية، وبالتأكيد أن مصدرها هو: (القرآن الكريم والرسول العظيم محمد صلوات الله عليه وعلى آله) والقرآن الكريم هو: كتابٌ عظيم، وكتابٌ واسع، وثقافته عالية جداً تجعل هذه الأمة - لو تثقفت بثقافته - أعظم ثقافة، وأكثر إنجازاً، وأعظم آثاراً في الحياة، وأسمى روحاً، وأسمى وضعية، وأزكى وأطهر نفوساً من أي أمم أخرى.

وهنا نحن في أمس الحاجة إلى العودة إلى كتاب الله وإلى رسوله لنهتدي بهما؛ لأنهما مصدر الهداية، والهداية تتلخص في كلمة: (إخراج الناس من الظلمات إلى النور)، قال الله تعالى: {كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ} ولاحظوا هنا كيف ربط بين القرآن، وبين إنزاله إلى الرسول محمد صلوات الله عليه وعلى آله؛ ليخرج الناس من الظلمات - بكل ما تعنيه كلمة ظلمات: الظلمة في القلب والنفس، والظلمة في المفاهيم والأفكار، والظلمة في واقع الحياة - إلى النور - بكل ما تعنيه كلمة نور: النور في الروح، والنور في الرؤى والمفاهيم، والنور في الأخلاق

 

والقيم والمبادئ، والنور في الالتزام والسلوك، وإلى غير ذلك -، وإذا أرادت الأمة أن تخرج من واقعها السيء فلا خيار أمامها إلا بالعودة إلى كتاب الله وإلى رسول الله، يقول الله عز وجل: {قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ . يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ}.

أيها الأكارم:

نحن في هذه المرحلة في مواجهة صريحة مع أهل الكتاب من اليهود والنصارى، الذين يقول الله سبحانه وتعالى عنهم: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقًا مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ} وهذه الآية توحي بمدى خطورة أهل الكتاب في تطويع المؤمنين وتحويلهم إلى كافرين في عهد النبي صلى الله عليه وآله وسلم, رغم نزول القرآن طريا, ووجود النبي صلى الله عليه وآله وسلم بين أظهرهم, وهم كانوا يعتبرون بدوًا مقارنة بأهل الكتاب في زماننا، واليوم تعاظم هذا الخطر مع امتلاكهم القدرات التقنية وتطور أساليبهم وتعدد دولهم؛ لذلك كان علينا لزامًا التمسك بالقرآن الكريم وبرسول الله محمد (صلوات الله عليه وعلى آله)؛ لأنه قال بعدها: {وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنْتُمْ تُتْلَى عَلَيْكُمْ آَيَاتُ اللَّهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ}.

فالتمسك الحقيقي والصادق، والاتباع العملي لآيات القرآن ولرسول الله محمد صلوات الله عليه وعلى آله، هو يشكل أول وأهم الضمانات التي تجعلنا بمستوى مواجهة أهل الكتاب من اليهود والنصارى مهما بلغت إمكانياتهم وقدراتهم.

فالأمة تحتاج إلى هدى من الله بشكل كتب وإلى أعلام للهدى قائمة, فالله لم يكتف بقوله: {وَأَنْتُمْ تُتْلَى عَلَيْكُمْ آيَاتُ اللَّهِ}, وإنما قال أيضا {وَفِيكُمْ رَسُولُهُ}، وبعد وفاة رسول الله لا بد للأمة من عَلَم قائم يتجسد فيه القرآن، وهو امتداد ووارث للرسول (صلوات الله عليه وعلى آله)، في كل عصر من العصور؛ لأنه ليس من عدل الله ورحمته أن يرسل خاتم وخير الأنبياء لمجموعة بسيطة من المسلمين الذين كفر بعضهم على يد يهود بدو أغبياء والرسول بين أظهرهم, ولا يجعل من يقوم مقام النبي صلى الله عليه وآله وسلم من أهل بيته والأمة الآن في مواجهة يهود متطورين، وهذا ما يؤكده حديث الثقلين المتواتر عن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم الذي يقول فيه: "لقد تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا من بعدي أبدًا: كتاب الله وعترتي أهل بيتي، إن اللطيف الخبير نبأني أنهما لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض"، والضلال هنا يعني: الضياع في كل المجالات، (ضلال في العقيدة والفكر، وضلال في الحياة يترتب عليه: التّيه، الجهل، الضعة، الذلة، افتقاد القوة، الشقاء... إلى آخره).

أيها المؤمنون:

في مقابل نعمة الهداية بالقرآن والرسول نحن محتاجون إلى شكر الله سبحانه وتعالى عليها، لأن وراءها الخير كل الخير في الدنيا والأخرى، يقول الله سبحانه وتعالى: {وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ . وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلَا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ لَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ وَنُودُوا أَنْ تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} لاحظوا كيف أن أهل الجنة في تلك الأجواء تذكروا أن يشكروا الله على نعمة الهداية وقالوا: {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلَا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ}، والهدى هو العنوان الرئيسي الذي أعطاه القرآن أهمية كبيرة، وهو أساس كل النعم، والهداية هي العنوان الرئيسي في داخل سورة الفاتحة التي هي أعظم سور القرآن الكريم، ونقرأها في كل صلاة، ولا تقبل صلاة المرء إلا بها.

ونحن في أمس الحاجة أيضًا إلى العمل على نشر هدى الله الصحيح والنقي الخالي من الشوائب والثقافات المغلوطة والعقائد الباطلة التي أتتنا من خارج الثقلين القرآن والعترة، وهنا تقع المسؤولية بشكلٍ أكبر على العلماء والثقافيين، وعلينا جميعًا أن نحمل حرص واهتمام رسول الله صلوات الله عليه وعلى آله في هداية الناس.

وإذا كنت ترى نفسك في نعمة أنك تسير على طريق هداية، وأنك تعرف المضلين، وتعرف إضلالهم، وترى نفسك بأنك بحمد الله أصبحت في طريق الابتعاد عنهم، فإن من واجبك أن تهتم بالآخرين، وهذه هي روحية الأنبياء، وروحية النبي محمد (صلوات الله عليه وعلى آله)، الذي كان حريصاً ومهتمًا جدًا على هداية الآخرين؛ فيجب علينا أن نتأسى به، وأن نقتبس من روحيته العالية، وأن يكون لديك اهتمام بالآخرين الذين قد يكون الضلال

 

انطلى عليهم؛ لأنهم لم يعرفوا، ولم يأت أحد يعرفهم، أو يبين لهم.

فأنت من يجب أن تعطف عليهم، وأن تعمل على إنقاذهم وهدايتهم، وأن تحرص عليهم وتتأسى بالنبي (صلوات الله عليه وعلى آله) التي كانت هذه من أبرز الصفات فيه، وكانت صفة مترسخة فيه بشكل عجيب حتى قال الله عنه:{لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ على آثارهم} تكاد تقتل نفسك أسفاً، وتكاد تقتل نفسك ألماً {أَلَّا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ}، ألا يكونوا مهتدين، يتألم ويتأسف جداً على الآخرين وهم يعبدون أصناماً, ومع ذلك يهمه أمرهم، ويكاد يقتل نفسه من شدة الألم أن يراهم هكذا على الضلال؛ لأنه يعرف أين سيكون مصيرهم، وهو يتألم؛ لأنه يحب أن ينقذهم من الضلال حتى لا يكون مصيرهم هو ذلك المصير السيئ في جهنم، والإنسان المؤمن الذي لا يحمل هذه الروحية فليس متأسياً بالنبي (صلوات الله عليه وعلى آله)، وهو كالتاجر البخيل.

فحينما تتعلم أو تعرف الهدى حتى وإن لم تكن أنت محسوباً ضمن المتعلمين، ثم لا يكون لديك اهتمام أن توصل الهدى إلى أقصى دائرة ممكنة، فاعلم بأنك كالتاجر البخيل يجمع الأموال ثم لا يصرف شيئاً لا في سبيل الله، ولا حتى في حاجاته الضرورية.

فالمؤمن يهمه قضية الآخرين إلى درجة أن يقاتل في سبيلهم كما حكى الله عن المؤمنين: {وَمَا لَكُمْ لا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَلْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ وَلِيّاً وَاجْعَلْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ نَصِيراً} فالله يريد من المؤمنين أن يصلوا إلى درجة أن يقاتلوا لإنقاذ الآخرين، فكيف أبخل بالكلمة التي قد تنقذ شخصاً، وكيف أبخل بالنصيحة، وكيف أبخل بالمشاركة في موقف يكون فيه إنقاذ للآخرين!.

والمؤمن هو من يهتم بكل شيء، وميدان اهتمامك كلما قويت علاقتك بالله هو يتوجه إلى الناس, وإلى الحياة, أما الله سبحانه وتعالى فكلما تعززت علاقتك به لا يمكن أن يصل منك شيء إليه، وهو سبحانه وتعالى ليس بحاجة إلى شيء منا, فكلما ترسخ الإيمان في قلبك وكلما تعززت علاقتك بالله فإن الميدان الذي يعكس إيمانك القوي وعلاقتك القوية بالله هو الناس, وميدان الحياة.

الجهاد في سبيل الله أين ميدانه؟ الجهاد في سبيل الله ميدانه هو الناس أنفسهم؛ أن تعمل لإنقاذهم ولهدايتهم؛ فإذا ما أحسست في نفسك بقوة علاقة بالله فلا تظن أن هذا هو كل شيء، وأن هذا هو المطلوب: أن أرى نفسي أكرر ذكر الله سبحانه, وأرى قلبي ممتلئاً بحب الله ثم أرتاح لهذه الحالة!؟.

افهم أنّ المطلوب من هذه الحالة هو أن تنطلق في ميدان العمل لإنقاذ الآخرين, وهداية الآخرين؛ لأنه إلى أين كان يتوجه إيمان رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله)؟ ألم يتجلَّ كل ذلك في حرصه على الآخرين؟ {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ} أليست هذه الآية تتحدث عن اهتمامه الكبير بالآخرين؟ { لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ}، هذه واحدة: أنه يشق عليه أي شيء يؤلمكم، {حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ} أليست هذه أيضاً تتوجه إلى الناس؟ {بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ} أليست هذه تتوجه إلى الناس؟ كل اهتمامه، كل نشاطه، كل حركته، متوجهة إلى الآخرين؛ فهو لا يرضى لنفسه أنه أصبح يرى نفسه مهتدياً، وأن قلبه ممتلئٌ بالإيمان بالله، والحب لله، وأنّ معرفته بالله قوية، ثم يجلس منزوياً على نفسه ويتمتع بهذا الشعور في داخل نفسه فقط، هذا لا يحصل عند أولياء الله أبداً بدءاً من أنبيائه.

نسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعلنا من أوليائه الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون، وأن يرزقنا الرغبة في العمل لما فيه رضاه، وأن يتقبل منا, وأن يجعل أعمالنا خالصة لوجهه الكريم.

قلت ما سمعتم، وأستغفر الله العظيم لي ولكم، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلَا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ}، والصلاة والسلام على سيدنا محمد, نبي الأمة، ورسول القرآن، الذي بعثه الله رحمة للعالمين ليخرجهم من الظلمات إلى النور، {يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِين}، والصلاة والسلام على أهل بيت رسول الله الذين ساروا بسيرته، وتمسكوا بالثقلين من بعده, ونهجوا نهجه, فوقفوا في وجه الظالمين والكافرين والمستكبرين في كل العصور، ورضي الله عن صحابته المنتجبين.

 

أما بعد/ أيها المؤمنون:

إنّ من حكمة رسول الله وقدرته القيادية العالية أنه استطاع أن يجعل أمته تتخلى عن كل ماضيها الفكري والعقائدي، وأن تلتزم بالمبادئ والأخلاق، وجعلها تستأنف حياةً جديدةً مع المنهج الإلهي، وكل ذلك كان خلال 23 سنةً فقط، واستطاع الإسلام والقرآن والرسول تغيير كل الواقع حتى أصبحت الأمة جديرةً بالقيادة، يقول الله سبحانه وتعالى: {لَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ كِتَابًا فِيهِ ذِكْرُكُمْ}.

فالله سبحانه وتعالى شرّف العرب بالقرآن وبخاتم الأنبياء وأفضلهم محمد صلوات الله عليه وعلى آله، ونقلهم بواسطة القرآن والرسول نقلةً نوعيةً في كل المجالات، واستطاع أن يحولهم من مرحلة البدائية والجاهلية والتخلف إلى مرحلة الحضارة والرقي والقوة، حتى صار لها وزنها وقيمتها في جميع أنحاء العالم آنذاك.

واليوم إذا أردنا تحقيق ذلك فلا بد لنا من العودة الصادقة والعملية إلى رسول الله وإلى القرآن الكريم، وشعبنا اليمني بدأ يعود إلى ذلك، وإن شاء الله أنه سيتحقق على أيدينا الشيء الكثير والكبير مما فيه صلاحنا وصلاح أمتنا.

وفي الختام:

نحمد الله سبحانه وتعالى على الانتصارات الكبيرة التي حققها الله لشعبنا في محافظتي مأرب والبيضاء وشبوة، ونبارك الانتصارات التي يسطرها جيشنا ولجاننا الشعبية في مواجهة أكبر تحالف عالمي، بأكبر ترسانة عسكرية، وهنا لا ننسى أن نُشيد بدور القبائل الوفية والأبية والحرة من أبناء تلك المناطق التي وقفت موقف الرجال والأبطال في سبيل الله ومن أجل الوطن والعرض والكرامة والحرية.

كما لا بد من الإشادة بدور الجانب الأمني الذي كان له إسهام مهم في نجاح العمليات العسكرية، وفي كشف أوكار القاعدة، والتي كانت تحتوي على أسلحة الموت المُعدّة لقتل الشعب اليمني والفتك بهم، تلك الأوكار التي كان يتواجد فيها التكفيريون من كل الدول بما فيها حتى روسيا.

وأمام كل تلك الإنجازات، ونحن في استقبال مناسبة المولد النبوي، معنيون بالاهتمام بهذه المناسبة، والحضور الفاعل في كل الفعاليات والأنشطة المصاحبة، والمشاركة في التزيين وإظهار الفرح والسرور، ومعنيون بالمزيد من التحشيد والاستمرار في رفد الجبهات بالمال والرجال.

عباد الله:

{إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} اللهم فصلِ وسلم على سيدنا محمد بن عبدالله بن عبدالمطلب بن هاشم، وعلى أخيه الإمام علي، وعلى فاطمة البتول الزهراء، وعلى ولديهما الحسن والحسين، وعلى جميع آل رسول الله، وارض اللهم برضاك عن صحابة نبينا الأخيار من المهاجرين والأنصار.

اَللَّهُمَّ إنِّا نَرْغَبُ إلَيْكَ في دَوْلَةٍ كَرِيمَةٍ تُعزُّ بِها الإسْلامَ وأَهْلَهُ، وتُذِلُّ بها النِّفَاقَ وأَهْلَهُ، وَتَجْعَلُنَا فِيها مِنْ الدُّعاةِ إلى طَاعَتِكَ، وَالْقَادَةِ إلى سَبِيلِكَ، وتَرْزُقُنَا بِها كَرَامَةَ الدُّنْيا والآخِرَة. 

اَللَّهُمَّ مَا عَرّفتَنَا مِنْ الحَقِ فَحَمِّلْنَاهُ، وَمَا قَصُرْنا عَنْه فَبَلِّغْنَاهُ.

اَللَّهُمَّ إنِّا نَشْكُو إِلَيْكَ فَقْدَ نَبِيِّنِا صَلَواتُكَ عَلَيهِ وَآلهِ، وَكَثْرَةَ عَدُوِّنَا، وَقِلَّةَ عَدَدِنَا، وَشِدّةَ الفِتَنِ بِنَا، وَتَظَاهُرَ الزَّمَانِ عَلينَا، فَصلّ عَلى مُحمَّدٍ وَآلهِ، وَأعِنَّا عَلى ذَلِكَ بِفَتحٍ مِنْكَ تُعَجِّلُهُ، وَبضرٍّ تَكْشِفُهُ، وَنَصْرٍ نُعَزُّ بِه، وَسلْطَانِ حَقٍ تُظْهِرُهُ، وَرَحْمَةٍ مِنْكَ تـَجَلّلُنَاهَا، وَعَافِيَةٍ مِنْكَ تُلْبِسُنَاهَا، بِرَحْمَتِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحمِينَ.

{رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ} وانصرنا على أمريكا وإسرائيل وآل سعود وعملائهم من المنافقين فإنهم لا يعجزونك، {رَبَّنَا آَتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآَخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ}.

عباد الله:

{إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ}...

 

➖➖➖➖➖ ➖

 📝 صـادر عـن الإدارة العامــة للوعـظ والإرشاد

 بديـوان عــام الــوزارة.

----------------------------

    

 

 


  • نبذة عن المسيرة القرآنية

    المسيرة القرآنية : هي التسمية الشاملة لهذا المشروع القرآني, وهي التوصيف الذي يعرِّف به تعريفًا كامًلاً , فعندما نعبر عن طبيعة المشروع القرآني الذي نتحرك على أساسه نحن نقول: المسيرة القرآنية.. وهي تسمية من موقع المشروع الذي نتحرك على أساسه.

    فالمسيرة القرآنية توصيف مرتبط بالمشروع القرآني وهي التسمية الشاملة والأساسية لهذا المشروع

    وهذه المسيرة العظيمة تقوم على ....

    اقراء المزيد...
  • تابعنا على مواقع التواصل

    • تابعون على التيلجرام
    • تابعونا على تويتر
    • تابعون على اليوتيوب
    • تابعونا على الفيس بوك
تصميم وبرمجة : حميد محمد عبدالقادر