مـرحبـا بكم في موقع دائرة الثقـافـة القـرآنيــة

بالمكتب التنفيذي لأنصار الله

الجمهورية اليمنية

وزارة الإرشاد وشؤون الحج والعمرة 

قطاع التوجيه والإرشاد

الإدارة العامة للوعظ والإرشاد

-----------------------------------

🎙️ 🎙️. 🎙️. 🎙️   

......................................                                   

خطبة الجمعة الثالثة من شهر جمادى الآخرة 1443هــ

العنوان : ( اليوم العالمي للمرأة المؤمنة ) 

التاريخ : 18 / 6 / 1443هـ

الموافق : 21 / 1 / 2022م

الرقم : (35) لسنة 2022

   ▪️الخطبة الأولى ▪️

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمدُ للهِ ربِّ العالَمِين، الحمد لله الذي لم يتَّخِذْ صاحبةً ولا ولدا، ولم يكن له شريكٌ في الملك، ولم يكن له وليٌّ من الذُلِّ، خلق لنا من أنفُسنا زوجات، وجاء بنا من أُمَّهاتٍ وجدات، ورزَقَنا بناتٍ وحفيدات، وجعل ذلك ناموسا تستمر به الحياة، وتتجدَّد من خلاله أجيال البشر، ليُعَرِّضَهم على الخير والهُدى، ويهيئ لهم فُرَصَ البر والتقوى.

وأشهد ألا إله إلا الله متفرِّدًا في ألوهيته، أخرج أفضل خليقته محمدا صلى الله عليه وآله وسلم من أفضل الأمهات (آمنة بنت وهب، رضوان الله عليها) وزوَّجَه خيرَ نساء عصرها، أم المؤمنين خديجة الكبرى، ورزقه خيرَ البنات، فاطمة الزهراء،

 وأشهَدُ أن سيِّدَنا محمدًا عبدُالله ورسولُه، أرسله الله رحمةً للعالمين، وبشيرًا ونذيرًا ليوم الدين، 

اللهم فصلِّ وسلِّم عليه وعلى آله الأكرمين، وعلى الملائكة المطهرين، وعلى الأنبياء والمرسلين، وارضَ اللهم برضاك عن صحبِ نبينا الراشدين، ومن تبِع هدْيَه إلى يوم الدين، وعنّا معهم يا أرحم الراحمين.

ثم أما بعد/ عبادَ الله: 

لقد كان الإسلام ثورةً قضت على كلِّ المفاهيم المغلوطة، والتصوُّراتِ الباطلة، والسلوكيات الخاطئة، لا سيما تلك التي كانت مُوَجَّهَة ضد المرأة.فقديمًا في الجاهلية الأولى كان الهنودُ يَعتبِرون الرّيحَ والموْتَ والجحيمَ والسُمَّ والأفاعيَ والنارَ أسوأَ من المرأة، وكان للرجل الصيني الحقُّ في بيع زوجته أو حتى دفنِها حية، وكان اليهودُ يعتبِرون المرأة لعنةً على البشرية، ومصدرًا للغواية، وإذا أصابها الحيض لا يُجالسونها ولا يؤاكلونها، وكانت عند النصارى ينبوعَ المَعاصي، وهي للرَّجُل بابٌ من أبواب جهنم. أما العربُ الجاهليون فقد كانوا كما حكى القرآن الكريم (وَيَجْعَلُونَ لِلّهِ الْبَنَاتِ سُبْحَانَهُ وَلَهُم مَّا يَشْتَهُونَ * وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالأُنثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدّاً وَهُوَ كَظِيمٌ * يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِن سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ أَلاَ سَاء مَا يَحْكُمُونَ) [النحل:57-59].لقد كانوا بوعيٍ منحرف، وثقافةٍ ضالة؛ فوأدوا بناتِهم، وقتلوا أولادَهم؛ قال تعالى: (قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ قَتَلُواْ أَوْلاَدَهُمْ سَفَهاً بِغَيْرِ عِلْمٍ وَحَرَّمُواْ مَا رَزَقَهُمُ اللّهُ افْتِرَاء عَلَى اللّهِ قَدْ ضَلُّواْ وَمَا كَانُواْ مُهْتَدِينَ) [الأنعام:140]، وقد أخبرَنا الله عزّ وجل أنه في يوم القيامة سيُطْرَحُ سؤالٌ عريض يصعُبُ الإجابة عليه، قال تعالى: (وَإِذَا الْمَوْؤُودَةُ سُئِلَتْ * بِأَيِّ ذَنبٍ قُتِلَتْ) [التكوبر:8-9].وكانوا إذا لم يقتلوها في صِغَرِها لا يورِّثونها من قريبها إذا مات، ويعُدُّونها من جملة المتاع الذي يُورَثُ عن الميّت، فإن شاءوا تزوَّجها أحدُهم، وإن شاءوا زوّجوها غيرَهم، وإن شاءوا حرَمُوها من الزواج، ووصَل بهم المَقْتُ إلى أن يتزوَّجَ أحدُهم زوجةَ أبيه، قال تعالى: (وَلاَ تَنكِحُواْ مَا نَكَحَ آبَاؤُكُم مِّنَ النِّسَاء إِلاَّ مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَمَقْتاً وَسَاء سَبِيلاً) [النساء:22]، وقال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَرِثُواْ النِّسَاء كَرْهاً) [النساء:19].وجعلوا من المرأة وسيلة لنشر الفساد والرذيلة، ومجردَ وعاءٍ للشهوات المحمومة، فشجّعوا على البِغاء، ونَصَبَتِ البغايا على بيوتهن الراياتِ الحُمْر، بل وكانوا يُكْرِهُون فتياتِهم على البغاء، (وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاء إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّناً لِّتَبْتَغُوا عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا) [النور:33]. 

هكذا تعاملت الجاهلية الأولى مع المرأة .. فكيف تعامل الإسلام معها؟ إن الإسلام عندما أشرقت أنوارُه على هذه الأرض ثار ضد هذه الانحرافاتِ البشِعة، وحطّم تلك التصورات الفاسدة، وأعاد الأمور إلى نصابها، وأكرم المرأة باعتبارها بشرًا كريما، وإنسانا سويا، بروحٍ ومشاعر، وواجبات ومسؤوليات، مثلُها مثلُ الرجل، قال تعالى: (إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيراً

 

وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً) [الأحزاب:35]، وقال تعالى: (مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ) [النحل:97].

لقد شاء اللهُ أن تُشْرِقَ شمسُ الإسلام يومَ جاءتِ الزهراءُ، فاطمة بنت الرسول محمد صلى الله عليه وآله وسلم إلى هذه الدنيا، وكأنهما كانا على ميعاد، ليس لإحداثِ ثورةٍ اجتماعية في وعي البشرية تجاه المرأة بالقول فقط، بل بالقول والفعل، وبالعقيدة والسلوك. المرأة التي صنّفتها الجاهلية الأولى على ذلك النَّحْوِ المُهِين؛ فجاء الإسلام ليُعلي من شأنها، ويرفع قدرها ومنزلتها؛ فها هو رسولُ الله يُعلِن على الملأ أن ابنَتَه الأنثى فاطمة باتت (أمَّ أبيها)، وأبوها هو ذلك الرسول الكريم صلى الله عليه وآله وسلم.

أيها الإخوة المؤمنون:

المرأة المؤمنة اليوم - لا سيما في اليمن - تُسْتَهْدَفُ من قبل الجاهلية المعاصرة بنوعين من الحروب، النوع الأول: الحرب الصُّلْبة والخَشِنة، بالقتل العمد، والوأدِ الجاهلي المُتطوِّر، من خلال الصواريخ والقنابل الذكية، والطائرات الحديثة، التي يرسلها الجاهليون المُتوحّشُون، وهذا العدوان السعودي الإماراتي الأمريكي على بلدنا شاهدٌ بيِّنٌ على زيف وخداع الغرب والأمريكان فيما يحكونه عن حقوق المرأة؛ لأنهم يقتلونها في بيتها ومزرعتها بتخطيطهم لهذا العدوان ومشاركتِهم فيه.ومن العجب أن يتحدَّث الغربيون عن حق المرأةِ الجنسي، وهم الذين لم يسمحوا بحقها في الوجود والحياة، وإنها لمفارقةٌ تدعو أولئك المُنخدِعين والمنخدعات بهم إلى أن يراجعوا مواقفهم.أما النوع الثاني فهو: الحرب الناعمة التي تُحاوِل تجفيفَ قيمِ المرأة، وسلبَها هُوِيَّتَها الإيمانية، وخلخلةَ مبادئِها الإيمانية، والانحرافَ بأخلاقِها الفطرية والإنسانية، وهي الحرب التي تهدِف إلى التأثيرِ على وعي المجتمع، وغزوِ عقولِ أبنائه وبناته، وتغيير اتجاهاتهم الأخلاقية، بطريقة هادئة، وجذّابة، وماكرة، تماما كما يتحرّك الشيطان؛ لإنها حربٌ قائدُها الأول إبليسُ الرجيم.ولقد أراد أعداءُ الله استهدافَ المرأة المسلمة من خلالِ تقديمِ نماذجَ وقدواتٍ نسائية اخترعوا لهن نجومية زائفة، وبطولات موهومة، وإنجازات خادعة، سواء كُنّ من المغنيات الكاسيات، أو الممثلات العاريات، أو العاهرات الساقطات. والمرأة الغربية كانت ضحيةً؛ إذ استُهْدِفَت من قبل أولئك المجرمين المُفسِدين في الأرض، فأرخصوها وسعوا لأن يَجعلوا منها مجرد ألعوبة للإغواء، والإفساد، ونشر الرذيلة، والعياذ بالله.

أيها الإخوة المؤمنون:

هذا الصراع بكل أشكاله سيظل قائما بين المؤمنين والمستكبرين، (وَلاَ يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّىَ يَرُدُّوكُمْ عَن دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا) [البقرة:217]، ومن يستسلم أو ينهزم في مواجهتهم فإنه ليس بمأمنٍ من سخط الله وعذابه، قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوَاْ إِن تُطِيعُواْ فَرِيقاً مِّنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ يَرُدُّوكُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ) [آل عمران:100].وإنه من الخطأ البالغ أن نخوض الصراع معهم، وامرأتُنا العربية والمسلمة تتجه بأنظارها نحو النماذج المُتّسخة والشائهة، أو لا يعرفن غيرَ تلك النماذج النسوية التائهة، التي لا تملك رسالة قرآنية، ولا تنطلق من الهُوِيَّة الإيمانية، والتي يُقدِّمها الإعلامُ على نَحوٍ من البلاهةِ والصّخَبِ، وضَياعِ الوِجهة والمَقْصَد.إن الأمة اليوم أحوجُ ما تكون إلى القدوة الحسنة التي اختارها الله؛ ولهذا جديرٌ بالمرأة المسلمة وهي تخوضُ هذا الصراعَ الحتمي بأن تعودَ إلى مصادرها الإسلامية الأولى، لمواجهة التحدّيات الراهنة بوعيِ إسلامي، وبصيرةٍ قرآنية، وإدراكٍ واعٍ لطبيعة الصراع، وتفاعلاتِه الحضارية.

أيها الإخوة:

 في تاريخ الإسلام سجّل القرآن الكريم حادثة مُهِمّة لها دلالة مهمة أيضا، وهي أنه لما كابر نصارى نجران ضدَّ الحقيقة القرآنية، وحآجُّوا الرسول من بعد ما تبيّن لهم الحقُّ، فبِمَنْ واجَهَهُم رسولُ الله صلى الله عليه وآله وسلم؟ وبِمَنِ انتصر عليهم؟ لقد خرج رسولُ الله بنفسه، واصطحب معه عليًّا عليه السلام، وابنيهما الحسنَ والحسين، وتلك المرأةَ التي مثَّلت كلَّ نساءِ الأمة في ذلك الموقف، إنها الصديقة الطاهرة فاطمة، وأنزل الله في ذلك قولَه تعالى: (فَمَنْ حَآجَّكَ فِيهِ مِن بَعْدِ مَا جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْاْ نَدْعُ أَبْنَاءنَا وَأَبْنَاءكُمْ وَنِسَاءنَا وَنِسَاءكُمْ وَأَنفُسَنَا وأَنفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَل لَّعْنَةَ اللّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ) [آل عمران:61]، ولما رأى نصارى نجران هذه النماذجَ الزاكية والطّاهرة والكاملة من أهل البيت انسحبوا من ميدان المكابرة، وانهزموا في ساحة ذلك الصراع.

 

ماذا يعني هذا لنا اليوم؟

هذا يعني أنه إذا كان القرآن قد أطلق كلمة (نساءنا) التي تفيد الجمع على الزهراء الصدِّيقة، إشارةً بأنها وإن كانت واحدة من نساء هذه الأمة فإنها سيِّدَتُهن، ومُمَثِّلتُهن أمام الأخريات، وأن ذلك بقدر ما يشير إلى فضلها، فإنه يشير أيضا إلى أننا لن ننتصر في ساحاتِ الصراع إلا خلف أعلام أهل البيت عليهم السلام، وأن المرأة وهي تخوض صراعها مع المرأة الأخرى من نساء أهل الكتاب وغيرهم، يجبُ أن تتمثَّل الزهراء في إيمانها وأخلاقها وقيمها وثقافتها وسلوكاتها، وإلا فلن يكون لها نصر ولا غلبة.وللأسف - أيها الإخوة المؤمنون - أن هذا النموذج القرآني ممثلا في الزهراء حاولت زمناً طويلا مناهجُنا التعليمية، وقنواتُنا الفضائية، ومنابرُنا الثقافية، وجامعاتنا ومدارسنا أن تُغيِّبه عن المرأة المسلمة.لقد كان تغييب الزهراء بقصدٍ أو بدون قصد إحضارًا لكلِّ تلك النماذجِ المُتّسخة والشائهة؛ فحضر المَسْخُ، والانحرافُ، والفسادُ، والشقاقُ، والمشاكلُ الاجتماعية التي شقيَتْ وتشقى بها البشرية اليوم، وهي تترنّح تحت وطأة سنابكِ حضارتها المادية المُتوحِّشة.لهذا - أيها الإخوة - إنه لمن الأهمية بمكان أن يتم تخَصيصُ يوم الـ20 من جمادى الآخرة باعتباره اليوم العالمي للمرأة المؤمنة؛ ليكون فرصةً للنظر إلى أفضلِ نموذجٍ انتخبه الله عزَّ وجل للنساء، وهو نموذجُ الزهراء عليها السلام.وكيف لا يجدُر بالزهراء أن تكون قِبلةً لنساء الأمة، والإسلام هو الذي وَصَفَها بأنها (سيِّدةُ نساءِ هذه الأُمَّة)؟ 

وكيف لا تكون نموذج النساء من كل الملل الأخرى والثقافات المتعددة، وهي (سيدة نساء العالمين)؟

 وكيف لا تكون إحدى شواهد ونماذج النساء الصالحات القانتات وهي التي جُعِلَت (سيدة نساءِ أهل الجنة) كما وردت بذلك الأحاديث الصحيحة والمشتهرة؟ّ!وهي الزهراء التي تلألأ بدرُ إيمانها بالله، وأشرقت شموسُ يقينِها بما عند الله. وهي البتول لتبتُّلِها إلى الله، وانقطاعِها إليه، وبلوغها قمةَ الإخلاص له، وتميُّزِها عن نساء العالمين علما وإيمانا، وعفافًا وفضلا، ودينا وحسبا. أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم

     ▪️الخطبة الثانية▪️

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، أحمده وأستعينه، وأستهديه الهدى، وأعوذ به من الضلالة والردى، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وآله وسلم، ورضي الله عن صحابته المنتجبين.ثم أما بعد/

إن ما يجب أن نقوله لزهراء اليوم: هو أنه يليق بها أن تقتفي النموذج القرآني للبنت، كما هو شأن الزهراء عليها السلام، وكما هو شأن ابنة ذلك الشيخ الكبير في مدين، التي لما عادت إحداهما إلى موسى جاءته (تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاء)، فتكُون كذلك في واقعِها، ومَشْيِها، وتعاملاتها، وجديرٌ بها أن تتذكّرَها وهي تُقَدِّمُ عَرْضَها على موسى عليه السلام بأدَبٍ، وحِشمة، وحصافة، (قَالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا) [القصص:25]، وتتذكَّرَها وقد أصبحت مستشارة أبيها، وباتت ذاتَ تفكيرٍ خلاق، وذات رؤية مستقبلية مبنية على أُسُسِ الإيمان ومبادئ الأمانة، فتقول لأبيها: (يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ) [القصص:26].

ثم نقول للزّوجات: لقد كانت الزهراءُ زوجةً أيضا، وإذا كانت سيدة نساء العالمين، وبنتَ خيرِ المرسلين، قد زُفَّتْ إلى بطلِ الإسلام؛ فإن هذا لا يعني أنها كانت ذاتَ مهرٍ غال، عجِز عن دفعه الكثير، لا بل كان مهرها 500 درهم فقط، أي اثني عشر أوقية ونصف من الفضة، وهو مبلغٌ زهيد جدا، وجُهِّزَ بيتُها بقطيفةٍ ذاتِ أهدابٍ، ووسادةٍ من جلد، حشوُها ليفٌ مَحشوٌّ من حشيش الإِذْخَر، وفراشٍ من جلدِ كبشٍ، وكُوزٍ وجَرِّةٍ، ورَحاءِ، وسِقاءِ، وقَبِضَ أبوها دراهمَ من مهرها، وأمَرَ بشراءِ طِيْبِ لها. 

أما (موكيتُ) بَيتِها فقد كان رمْلاً جُلِبَ من بطحاءِ وادي الرَّوْحاء في المدينة، ثم بُسِطَ في أنحاء ذلك البيت المتواضع. هذا البيتُ كان يرتادُه الرسولُ صلى الله عليه وآله وسلم ويَسْعَدُ فيه، وكان يتنزل إليه جبريل بالوحي، وهو البيتُ الذي كان منه يَنطَلِقُ بطلُ الإسلام الإمام علي عليه السلام، وكان إليه يعود، وهو البيْتُ الذي تخرَّج منه الحسنان سيدا شباب أهل الجنة، وزينبُ الكبرى جبلُ الصبر، وطَوْدُ الحلم. ولما تزوّجت فاطمة زوْجَها عليا عليه السلام لم تكن مقاييسُها لزوجها أن يكون أغنى الناس، أو أحسنَهم شكلا، أو صاحبَ أفخمِ بيتٍ، أو أغلى سيارة، بل ما قاله لها أبوها الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم: (زوَّجْتُك أقدمَهم إسلاما، وأحسنَهم أخلاقا، وأعظمَهم حِلمًا، وأعلمَهم بالله تعالى).ثم ضربت الزهراءُ الأمثولة العالية للزوجة المتفانية في الطاعة لزوجها، وحُسْنِ العشرة، وكانت "تجُرُّ الرّحى حتى تمجُل (تتقرّح) يداها، وتَسْتَقي بالقِربة حتى تؤثِّر في نحرها، وتكنُسَ

 

البيتَ حتى تغبرَّ ثيابُها، وتُوقد القِدر حتى تَدْكُنَ ثيابُها"؛ فما يزيدها ذلك إلا ألَقًا وصبْرًا، وتجمُّلا وسعادة. لا غرابة - أيها الإخوة المؤمنون - أن كانت السعادة العميقة، والحبُّ الغامر، والمشاعر الصادقة، والتعاون الرائع، والتفاهم الجميل، والتنظيم البديع، هو ما ساد في ذلك البيت، فرفرت أعلامُ السعادة على أنحائه، وأزهرت الفضيلة من جنباته، على عظيم المسؤوليات، وكبير المصاعب والمهمات، التي تحمّلها أهله الأطيبون رجالا ونساءً. ورأينا الزوجة المؤمنة اليوم في اليمن تتحدّث بفخرٍ واعتزازٍ عن زوجها الشهيد، والمُجاهِد، والجريح، والأسير، وحين فعلت ذلك فإنما سلكت أثَر الزهراء سلام الله عليها، حينما تحدّثت عن زوجها المجاهد بأنه كان يقتحم غمرات الجهاد، ولا يعود حتى يُخْمِدَ أنفاسَ الباطل، مكدودًا في ذات الله، مُجْتَهِدًا في أمر الله، قريبا من رسول الله، سيدا في أولياء الله، مشمِّرًا ناصحًا، مُجِدًّا كادحا، لا تأخذُه في الله لومة لائم.أما أنتِ يا أمَّ المجاهد والشهيد والجريح والأسير، فلكِ قدوةٌ حسنة في الزهراء، التي كانت أمَّ أعظمِ شابّين شهيدين في تاريخ الإسلام، أم الحسن والحسين، وأم الذرية المباركة الطيبة، التي جعل الله منها أعلامَ الهدى، ومصابيحَ الدجى، وهم الذين ارتوَتِ الأرض بدماء شهدائهم في سبيل الله، وإعلاءً لراية الإسلام.

أيها الإخوة المؤمنون:

إنه لمن الأهمية بمكانٍ تهيئة الأجواء الصِّحِّية والبيئة الإيمانية للأولاد، ليتربَّوا في ظلال حياةٍ روحية فاضلة؛ ولهذا ما برِحت الزهراء تعملُ كلَّ ما يُقرِّبُ أولادَها إلى مشروع الإسلام، وما يُهيِّئُهم لتحمُّل المسؤوليات العظام، فهي تلقِّنُهم آيات الكتاب، وتعاليم والدِها الرسول الأوّاب، وما فتِئت تهزِجُ لهم أهازيج الشرف، وتنشُد لهم أناشيد المجد والفضل.فما إن يأتي أحدُ الأولاد إلى هذه الدنيا، حتى يُكَبَّرَ اللهُ في أذنَيه اليمنى واليسرى، ويُطْعَمَ المساكينُ في وليمة عقيقته، وما يَبْرَحُ رسولُ الله يُعوِّذُهم وهو يقول: (أعيذُكما بكلماتِ اللهِ التامّات، من كل شيطان وهامة، ومن كل عين لامة)، ولهذا تحمَّل أولادُ الزهراء وذريّتُها ما لم تتحمّلْه الجبال، وذهب معظمُهم إلى الله شهداءَ أعزاء، وقد أعلوا منارات الحق، وأشادوا بنيان الدّين والصدق، وذادوا عن حِمى الدين، ودافعوا عن المستضعفين.

أيها الإخوة المؤمنون:

كما أننا ونحن نواجه أشكالَ ومظاهرَ الانحراف المُتعدّدة ما أحوجَنا وأحوجَ نسائنا إلى تمثُّل سلوك الزهراء في الحِشمة، والسَّتر، والصَّون، وهي التي لما ذهبَتْ إلى مسجد رسول الله، وخطَبَت خُطبَتَها الشهيرة في المهاجرين والأنصار، قالت الرواية: إنها "لاثت خِمارها، واشتملت بجلبابها"، وهي التي ضُرِبَت أيضا دونها ملاءة (ملحفة) أمامهم، ثم خاطبتهم خطابها القوي، ممتثلة في ذلك أدبَ القرآن، إذ يقول: (يَا نِسَاء النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِّنَ النِّسَاء إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلاً مَّعْرُوفاً) [الأحزاب:32]، (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاء الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً) [الأحزاب:59].

أيها المؤمنون: نساؤنا اليوم بحاجة إلى عِفَّة مريم عليها السلام، وتصديقِها لربّها، وقُنوتِها، وإيمانِها، وإلى وثوق أمّ موسى بتدبير الله، وإلى حصافة ولباقة أخته، وحسِّها الأمني، وإلى قوة إيمان امرأة فرعون، وإلى مبادرة ابنتي شيخ مدين، وديبلوماسية ملِكة سبأ، وطريقَةِ إدارتها للحكم، وعقليتها. 

أيها المؤمنون:

لولا أن رجال الله تحركوا إلى الميدان لمواجهة زمر الكفر ومرتزقة الطغيان لكانت نساؤنا وأعراضنا في خطر عظيم، ولكان شرفنا يباع في أسواق الهوان، ولكن (هيهات هيهات) ذلك في يمن الحكمة والإيمان، وعليه فلا خيار لنا صغارا وكبارا ورجالا ونساء إلا المضي والاستمرار في طريق الحرية والكرامة والعزة الذي اخترناه من أول يوم، ورفد الجبهات بالمال والرجال، وندعو الجميع ولا سيما المغرر بهم إلى التفاعل والاستجابة مع دعوات العودة إلى حضن الوطن، قبل أن يفوت الأوان، ويستحوذ عليهم الشيطان، فهذه اليمن تتسع لجميع أبنائها، وترحب بجميع مواطنيها.كما نبارك العملية النوعية التي قامت بها قواتنا المسلحة بالصواريخ البالستية والطيران المسير في عمق دويلة الإمارات، وندعوا إلى توجيه المزيد من الضربات الموجعة على دول تحالف العدوان، ولن نبالي بكل بيانات الإدانة التي صدرت من دول الاستكبار الذين أدانونا حينما دافعنا عن أنفسنا، بينما تحالف العدوان يقصفنا ويقتلنا على مدى سبع سنوات ولم نسمع من أولئك كلمةً واحدة؛ لذلك نحن ماضون في نضالنا وصمودنا متوكلين على الله حتى تحرير كل شبرٍ من أراضينا وحتى يتحقق النصر المؤزر بإذن الله سبحانه وتعالى.

 

عباد الله الأكارم :هناك رسائل مهمة لابد أن تصل :

الرسالة الأولى: بمجرد قيام ثورة 21 سبتمبر في العام 2014م، والتي كان عنوانها رفض كل أشكال الوصاية السياسية أو الاقتصادية التي كانت تمارسها قوى الهيمنة على اليمن، مما دفع تلك القوى إلى شن العدوان على الشعب اليمني وفرض الحصار البري والبحري الجوي عليه لمحاولة إجهاض ثورته.ورغم الظروف الصعبة التي يعيشها اليمن نتيجة العدوان والحصار وتدمير مقدراته وبنيته التحتية إلا أن حكومة الإنقاذ الوطني عكفت منذ تشكيلها على رسم الخطط والإستراتيجيات التنفيذية لتوجيهات وموجهات قائد الثورة السيد عبدالملك بدر الدين الحوثي والمجلس السياسي الأعلى المتعلقة بتشجيع وتعزيز الإنتاج المحلي وصولاً إلى تحقيق الإكتفاء الذاتي والأمن الغذائي للشعب اليمني.تحوّل الإكتفاء الذاتي، إلى هدف إستراتيجي تصدر البرامج الوطنية للإنعاش والتعافي الإقتصادي، التي أطلقها المجلس السياسي الأعلى للتغلب على الآثار الإقتصادية التي خلفها العدوان والحصار وبما يسهم في الحد من إستيراد الحبوب والمنتجات الزراعية من الخارج.وهاهى ثمار اللجنة الزراعية العليا ووزارة الزراعة واللجان الزراعية في مختلف المحافظات تثمر في توحيد جهودها وإيجاد شراكة مجتمعية ومبادرات عظيمة تسعى برامجها إلى تحقيق الاهداف الزراعية في البلد.

الرسالة الثانية: الموضوع في غاية الأهمية، الموضوع مهم جدًّا، وخطير جدًّا، ولذلك نحن ننصح، ونذكِّر، ونحث، كما نؤكِّد على أهمية أن يتعاون الجميع: الجهات المسؤولة في الدولة، وأيضاً المجتمع من جانبه، أن يتعاون الكل في سبيل دفع هذه الخيانة، منع هذه الخيانة، تصحيح هذه الوضعية، وإصلاح هذه المشكلة، وصولاً بعودة الناس إلى دفع حصص الوقف من أشكال الخيانة، والتي باتت في هذا الزمن من الظواهر المنتشرة إلى حدٍ كبير لدى الكثير من الناس، هي: خيانة مال الوقف، الأوقاف هي من القرب التي يتقرب بها الناس إلى الله -سبحانه وتعالى-، وعندما يخون الإنسان في مال الوقف، فهو يخون خيانات متعددة خيانة (لله-للأمانة-للواقف-للموقوف له) للأسف الشديد قد يغفل الكثير من الناس أنه عندما يُؤَكِّل أسرته مما يخون فيه مال الوقف، هو يُؤَكِّلهم الحرام، يُؤَكِّلهم الحرام، ثم هو مع هذه الخيانة لا تقبل له صلاة، لا يقبل منه أي عملٍ صالح، يفسد إيمانه، يفسد صلته بالله -سبحانه وتعالى-، يؤثِّر على وضعه مثل هذا النوع من الخيانة[اكل أموال الاوقاف] له مصائب في الدنيا، ويترتب عليه عقوبات عاجلة في الدنيا، وله آثار سيئة في نفس الإنسان، وفي أعماله، وفي مسيرة حياته، ثم آثاره السيئة والسلبية في الآخرة.

الرسالة الثالثة: مخاطر استخدام وسائل التدفئة وضرورة الإهتمام بحياة أفراد الأسرة والحفاظ على سلامتهم وسلامة أسرهم لما فيه المصلحه العامه .

هذا وصلُّوا وسَلِّموا على من أمركم الله بالصلاة والسلام عليه، فقال عز من قائل: ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾. اللهم اجْعَلْ شَرَائِفَ صَلَوَاتِكَ، وَنَوَامِيَ بَرَكَاتِكَ عَلَى مُحَمَّدٍ عَبْدِكَ وَرَسُولِكَ، الْخَاتِمِ لِمَا سَبَقَ، وَالْفَاتِحِ لِمَا انْغَلَقَ، وَالْمُعْلِنِ الْحَقَّ بِالْحَقِّ، وَالدَّافِعِ جَيْشَاتِ الْأَبَاطِيلِ، وَالدَّامِغِ صَوْلَاتِ الْأَضَالِيلِ، وصلِّ اللهم على بقية الخمسة أهلِ الكساء، علي المرتضى، وفاطمة الزهراء، والحسنِ المجتبى، والحسين سيد الشهداء، اللهم وعلى جميع أهل بيت نبيك الأكرمين، وارض اللهم عن صحابته الأخيار المنتجبين، وعن مّن يستحق الرضوان من المخلوقين، وعنّا معهم بمنك وفضلك يا أرحم الراحمين..ربنا أفرِغْ علينا صبراً وثبت أقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين.. ربنا افتح بيننا وبين قومنا بالحق وأنت خير الفاتحين.. ربنا اغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا وثبت أقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين.. ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب...

عباد الله:﴿إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ﴾.

➖➖➖➖➖ ➖

 📝 صـادر عـن الإدارة العامــة للوعـظ والإرشاد

بديـوان عــام الــوزارة.

----------------------


  • نبذة عن المسيرة القرآنية

    المسيرة القرآنية : هي التسمية الشاملة لهذا المشروع القرآني, وهي التوصيف الذي يعرِّف به تعريفًا كامًلاً , فعندما نعبر عن طبيعة المشروع القرآني الذي نتحرك على أساسه نحن نقول: المسيرة القرآنية.. وهي تسمية من موقع المشروع الذي نتحرك على أساسه.

    فالمسيرة القرآنية توصيف مرتبط بالمشروع القرآني وهي التسمية الشاملة والأساسية لهذا المشروع

    وهذه المسيرة العظيمة تقوم على ....

    اقراء المزيد...
  • تابعنا على مواقع التواصل

    • تابعون على التيلجرام
    • تابعونا على تويتر
    • تابعون على اليوتيوب
    • تابعونا على الفيس بوك
تصميم وبرمجة : حميد محمد عبدالقادر