مـرحبـا بكم في موقع دائرة الثقـافـة القـرآنيــة

بالمكتب التنفيذي لأنصار الله

الجمهورية اليمنية

وزارة الإرشاد وشؤون الحج والعمرة 

قطاع التوجيه والإرشاد

الإدارة العامة للوعظ والإرشاد

-----------------------------------                                              

خـطبـة الجمعة الرابعة من شهر رمضان 1442هـ

...........................................         

25 / 9 / 1442هـ 

7 / 5 / 2021م

 .......................................                                       

{ الخطبة الأولى} 

الحمد لله رب العالمين، أهل الحمد والمجد والثناء، وصاحب الملك والعظمة والكبرياء, يقول الحق ويهدي السبيل, وإليه يرجع الأمر كله, وإليه عاقبة الأمور. 

وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له, له مقاليد السموات والأرض والذين كفرو بآيات الله أولئك هم الخاسرون, وهو الله في السموات والأرض يعلم سركم وجهركم ويعلم ما تكسبون.

وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله، بعثه الله بالحق, وأرسله بالهدى, وآتاه الحكمة, وعلمه مما يشاء, صلوات الله عليه وعلى آله, سفن النجاة الطاهرين, وسلم تسليماً كثيرا، ورضي الله عن صحابته المنتجبين. 

الإخوة المؤمنون:

إن علينا جميعاً كمؤمنين, أن نتقبل هدى الله كاملاً, وأن نعطي توجيهات الله عز وجل ما تستحقه من الأهمية العالية, وأن نحمل وعيده وتحذيره على محمل الجد, فهو جل وعلا رقيب على الأعمال وشاهد على كل شيء, لا تخفى عليه خافية في الأرض ولا في السماء, ويعلم السر وأخفى, ومن الخسارة الواضحة, والشقاء الكبير, أن نسمع هدى الله ونقرأ آياته, ثم لا تؤثر فينا ولا نتعاطى معها كما ينبغي, ولا تغير في واقعنا شيئًا, وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على قلة معرفة بالله, وانعدام ثقة بالله, وإلا فإن المؤمنين هم من تؤثر فيهم الآيات وتنفع فيهم العظات, ويزدادون إيمانا كلما سمعوا ذكر الله, أو تليت عليهم آياته كما قال سبحانه وتعالى في وصفهم (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ). وها هو شهر رمضان توشك أيامه أن تذهب, ولياليه أن تنقضي, ولطالما كان طويلاً على العصاة والمجرمين, وعظيماً ومهابا في صدور المؤمنين, إلا أن الذي يجب أن نتوقف عنده, ونتساءل عنه, ويسأل كل واحد منا نفسه: ما الذي خرج به من هذا الشهر الكريم؟ وكيف عاش أيامه؟ وفيما أمضى لياليه؟ وما الذي تغير في واقعه من خلال قراءته لكتاب الله في هذا الشهر؟ والمفترض بالإنسان المؤمن الذي عاش مع كتاب الله خلال أيام هذا الشهر الكريم: يرتل آياته, ويتأمل بيناته, أن يكون قد استفاد من هذا الكتاب الكريم, وفهم من خلاله الدور المنوط به في الحياة, وأن يكون القرآن قد أثر في نفسيته ونفذ إلى أعماقه, وحرك مشاعره, وميّز من خلاله بين الحق والباطل, بين الظلام والنور, بين ما هو خير له وما هو شر عليه, وأن يكون قد تأمل فيما قصه الله فيه من قصص الأمم الماضية، وأخبار المعرضين عن الحق الصادين عن الهدى, المكذبين بالرسالات الإلهية, وأن يكون قد ازداد وعياً وبصيرة بما يحتاجه الإنسان المسلم سواء فيما يحتاج إليه من وسائل الأمن والقوة والعزة والمنعة, أو ما يحتاج إليه من فهم وإدراك لما يواجهه من تحديات وأخطار تستهدفه في إيمانه وجميع شؤون حياته, لا سيما في هذه المرحلة من تاريخنا التي كشرت فيه قوى الشر والاستكبار العالمي عن أنيابها, وأبدت حنقها وغيضها على كل من يعتز ويرتبط بالإسلام والقرآن والمقدسات الإسلاميه , وأصبح من يدعو إلى القرآن الكريم لا حق له في البقاء, بل يُستهدف ويُعزل عن العالم, ويفرض عليه الحصار, وأن يُواجه بتحالف عسكري كما هو حاصل اليوم ضد بلدنا المسلم, والذي يواجه عدواناً وحصاراً ظالماً لا مبرر له على الأطلاق, لا من شرع السماء, ولا من قوانين البشر, وإنما لأنه شعب مؤمن بالله, مستمسك بكتاب الله, ومحافظ على هويته الإيمانية, ولقد تجلى لنا بحمد الله حقيقة ما تحدث الله عنه في كتابه, فقد رأينا النفاق والمنافقين الذين شخص الله فئاتهم, واليهود والنصارى الذي تحدث القرآن عن خبثهم, وكشف نواياهم, وشرح الكثير من فسادهم وعدواتهم للمؤمنين, رأيناهم اليوم كيف تشابهت قلوبهم, وتوحدت أعمالهم, رأينا المنافق العربي كيف هرول مسرعاً, وجرى مطبعاً مع الأمريكي والإسرائيلي الذين أمر الله بجهادهم, وحث في كتابه على قتالهم, وذلك على منوال بني إسرائيل الذين كفروا برسالة موسى وما أنزل الله عليه من التوراة, حيث قال الله تعالى عنهم ( تَرَى كَثِيرًا مِّنْهُمْ يَتَوَلَّوْنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ لَبِئْسَ مَا قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنفُسُهُمْ أَن سَخِطَ اللّهُ عَلَيْهِمْ وَفِي الْعَذَابِ هُمْ خَالِدُونَ) وقد ر أينا بعض الانظمة العربية إلى أين وصلت علاقتها اليوم بالكيان الإسرائيلي, وكيف أصبحت مكشوفة ومعلنة, وأصبحت

 

علاقات يسودها الحب, بل وصلت إلى حد الإخاء كما قال الله تعالى عن أسلافهم من المنافقين (أَلَمْ تَر إِلَى الَّذِينَ نَافَقُوا يَقُولُونَ لِإِخْوَانِهِمُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ وَلَا نُطِيعُ فِيكُمْ أَحَدًا أَبَدًا وَإِن قُوتِلْتُمْ لَنَنصُرَنَّكُمْ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ) ولو كان لهذه الانظمة شيء من التوفيق لكانت وقفت مع قضية الأقصى وفلسطين عام 1979م يوم دعى الإمام الخميني إلى إحياء مناسبة يوم القدس العالمي في الجمعة الأخيرة من شهر رمضان المبارك، ودعى لاصطفاف إسلامي ووحدة إسلامية لتحرير فلسطين, ولنصرة قضية الشعب الفلسطيني المظلوم, ولكانت قضية فلسطين هي القضية الجامعة؛ لأنها قضية المسلمين جميعاً, وكان الوقوف ذلك الحين هو الموقف الطبيعي الذي ينسجم مع القرآن, ومع هوية المسلمين, وكان قطع الذراع اليهودية العابثة بفلسطين أولى من التطبيع معها, لكنه الخذلان, وضعف الايمان, والبعد عن القرآن هو الذي يصنع الهزيمة, ويخلق الذلة, ويجعل الأمم والشعوب والأنظمة لا تفرق بين عدوها وصديقها, بل يجعلها تتنكر لهويتها الدينية, ولمقدساتها, ولأرضها وعرضها, كما هو الحال بالنسبة لهؤلاء المطبعين مع اليهود اليوم. 

ألا ترون إلى أين وصل بهم الشقاء والتيه إلى أن يبيعوا أوطانهم؟ ويتآمروا على مقدساتهم؟ ويزجون بالآلاف من أبناء جلدتهم إلى محارق الموت خدمة للصهاينة والأمريكان؟ فلماذا يغمضون أعينهم, ويصمون آذانهم عندما يقرؤون أو يسمعون من يقرأ الآيات التي تأمر بجهاد المنافقين واليهود والنصارى؟ ولكنهم عندما تطلب منهم أمريكا القتال في أي بلد يسارعون بكل رغبة, ويبذلون من أموالهم ودمائهم ما يستطيعون, وإن هذا لهو ارتداد واضح عن الدين, وانقلاب كبير على الإسلام ومبادئه وتعاليمه (أَفَغَيْرَ دِينِ اللّهِ يَبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ ), وقال الله تعالى (وَأَنفِقُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوَاْ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) لكنهم أنفقوا في سبيل أمريكا, وقال تعالى (وَخَافُونِ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ) فخافوا من أمريكا, وقال تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاء تُلْقُونَ إِلَيْهِم بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءكُم مِّنَ الْحَقِّ يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَن تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ رَبِّكُمْ إِن كُنتُمْ خَرَجْتُمْ جِهَادًا فِي سَبِيلِي وَابْتِغَاء مَرْضَاتِي تُسِرُّونَ إِلَيْهِم بِالْمَوَدَّةِ وَأَنَا أَعْلَمُ بِمَا أَخْفَيْتُمْ وَمَا أَعْلَنتُمْ وَمَن يَفْعَلْهُ مِنكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاء السَّبِيلِ) فاتخذوا الأمريكي والإسرائيلي أولياء, وقال تعالى (وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ) فأقاموا التحالفات وشنوا الحروب ضد المسلمين, وقاتلوا في سبيل الطاغوت وخير مثال على ذلك ما يفعله تحالف العدوان بحق شعبنا من القتل والحصار والدمار, والذي تديره وتشرف عليه أمريكا, ويموله وينفذه النظامان السعودي والإماراتي. 

ومن هنا – أيها المؤمنون – يجب أن نأخذ الدروس والعبر, وأن ننهض بمسؤوليتنا ونواكب الأحداث والمستجدات, ونتصدى للمكائد والمؤامرات التي تهدف إلى طمس هويتنا الثقافية, وإلى تجريدنا من كل عوامل قوتنا وأمننا في الحياة, وإلى جرنا إلى الشقاء والخزي في الدنيا, وإلى الشقاء الدائم, والخسارة الأبدية في الآخرة, وهذا أمر وارد إذا أعرضنا عن كتاب ربنا, وتنكرنا لفرائضه, ولم نهتدي بهداه, يقول سبحانه وتعالى (وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى).

أما مسؤوليتنا اليوم في هذا البلد, بلد الإيمان والحكمة, فهي الاستمرار في مواجهة المعتدين الأشرار, ورفد الجبهات بالمال والسلاح والرجال, وهذا واجب ديني, وفرض جهادي ومسؤولية علينا جميعا, خاصة ونحن نواجه حرباً ظالمة, فُرضت علينا, وشُنت علينا, بدون أي وجه حق, وفي جرائم هذا العدوان ووحشيته ما يكفي كل إنسان، وما يقطع شك المتشككين, ويفضح دين المتدينين, وهو درس كافٍ لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد, وإذا كان الجهاد في سبيل الله شرعه الله لدفع الباطل, وردع الظالم, وصون الأعراض والحقوق, والدفاع عن المستضعفين، فهل هناك باطل أبطل من هذا الباطل؟ وهل هناك ظلم أفظع من هذا الظلم الذي يمارس بحقنا نحن اليمنيين؟.

ولهذا فإن الواجب المحض, والفرض العين على كل مؤمن يؤمن بالله وبرسوله وبالقرآن الكريم, وعلى كل إنسان يحرص على سلامة دينه ونجاة نفسه, وعلى كل مسلم يحرص على العمل الصالح, ويهمه رضا الله ورضوانه, ويشتاق إلى رحمة ربه وجنته, أن يغتنم فرصة جهاد هؤلاء الطغاة المعتدين علينا, وألا يفوته شرف مواجهة أعداء الله الذين يصدون عن سبيله

 

ويقتلون عباده (وَمَن يُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللّهِ فَيُقْتَلْ أَو يَغْلِبْ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا) أليس هذا الوعد الإلهي كافياً لكل إنسان يسعى إلى الحصول على الأجر والثواب من الله تعالى؟ (فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا). وليكن حذرنا دائماً من التفريط والتخلف عن ميادين الرضى الإلهي, والاستعداد الدائم لتقديم النفس والمال في سبيل الله ليقينا الله الخزي في الدنيا والعذاب في الآخرة.

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَلاَ يَخَافُونَ لَوْمَةَ لآئِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاء وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ).

بارك الله لي ولكم في القرآن الكريم, ونفعني وإياكم بالآيات والذكر الحكيم، أقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم فاستغفروه إنه غفور رحيم. 

(الخطبة الثانية ) 

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين, الذي بنعمته تتم الصالحات, وله أسلم طوعاً وكرهاً من في الأرض والسموات, نحمدك اللهم حمداً يدوم بدوامك, ويليق بجلالك, ونشكرك شكر المقرين بفضلك, المعترفين بنعمائك. 

وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له, واحد, أحد, حي, فرد, صمد, منزه عن الوالد والولد، ليس كمثلة شيء وهو السميع البصير. 

وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدًا عبده ورسوله, خير نبي, وخير رسول, بعثه الله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون، صلى الله وسلم عليه وعلى آله أعلام الهدى, والعروة الوثقى, ورضي الله عن صحابته الاتقياء. 

الإخوة المؤمنون:

في هذه الأيام الخواتم من هذا الشهر, نرجوا أن يكون الله قد تقبل منا الصيام والقيام, وكفر عنا الخطايا والذنوب والآثام, ومنحنا المغفرة, وفك عنا الإصر, ومحى الوزر, إنه إله كريم, عفو غفور, وهذا يستدعي الاستمرارية في العبودية, والطاعة لله عز وجل, والاتباع الفعلي لتوجيهات الله عز وجل فيما أنزله في كتابه الكريم من الهدى والحق, ففي كتابه ما يكفي العاقل, ويشفي الضال, ويهدي الحيران, والاتباع لما أنزل الله من الذكر المبين هو ما أمر الله به عباده, وتوعد المعرضين عنه بالعقاب والعذاب الأليم قال الله عز وجل (وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَكُمُ العَذَابُ بَغْتَةً وَأَنتُمْ لَا تَشْعُرُونَ) والاتباع لا بد أن يكون كاملاً حتى يرضاه الله عز وجل, فالأتباع الناقص لا يمكن أن يقبله الله, أو يرضى به, فالصلاة وحدها لا تكفي، والصيام بمفرده لا يكفي, وهكذا الحج, والزكاة, وغيرها, ما لم يترافق معها القيام بالمسؤوليات الأخرى التي هي من صلب هذا الدين, ومن أساسياته, فإسلامٌ بلا أمر بمعروف, ولا نهي عن منكر ليس إسلام, وإسلام بلا جهاد, وبلا إنفاق ليس إسلاماً؛ لأن الإسلام تسليم مطلق لله في كل ما قضاه, وأراده, وأمر به, وقد شنع الله على بني إسرائيل إيمانهم وأخذهم ببعض الكتاب وكفرهم بالبعض الآخر قال تعالى (أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاء مَن يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنكُمْ إِلاَّ خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ وَمَا اللّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ). 

وهل يمكن أن يقبل الله صرفاً أو عدلاً ممن لم يستجب لكتابه وآياته الواضحة التي تدعوا المؤمنين للجهاد في سبيله, وتستنفر كل مؤمن للنهوض بحمل المسؤلية في سبيله؟ فبماذا ستجيب أيها القاعد, وأيها المتقاعس، وأيها الجالس؟ على قول الله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انفِرُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الأَرْضِ أَرَضِيتُم بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الآخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الآخِرَةِ إِلاَّ قَلِيلٌ). 

بماذا ستجيب أيها الحكيم الذي تجعل من الصمت والقعود حكمة، وتجعل السلامة في الجلوس والقعود؟ بماذا سترد على حكمة الله التي تقول بأن الجهاد تجارة للمؤمنين، وفيه الخير لعباد الله أجمعين يقول الله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنجِيكُم مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ). 

ولا يرى الصمت والقعود والجلوس والخنوع والاستسلام، حكمة في هذه الظروف البالغة الصعوبة إلا إنسان لا يعرف منهجية القرآن الكريم، ولا المنهجيات السابقة لأنبياء الله ورسله.

 

وإن طريقة استعمال السيف في مواجهة الظالمين، واستخدام لغة الحرب ليست حصرياً على إخواننا المجاهدين في عصرنا هذا؛ فأول من خاض المواجهات العسكرية، وقاد الحروب في مواجهة الباطل والظالمين، هم أنبياء الله ورسله، والذين كان آخرهم رسولنا محمد صلوات الله عليه وعلى آله. 

وفي أنبياء الله لنا قدوة وأسوة، وليعلم الساكت عن الحق، المتهرب عن جهاد ومقاومة الظالمين والمجرمين بأن موقفه هذا لا يفيده شيئاً، ولا ينفعه عند وقوفه بين يدي الله, فماذا بعد الحق إلا الضلال. 

الإخوة المؤمنون:

نحن في هذا اليوم العظيم والمبارك, على موعد هام عظيم ومقدس, يوم النصر والانتصار, يوم الحرية والعزة والشرف والكرامة, يوم المقدسات والقدس والأقصى, يوم القدس العالمي الذي يطل علينا اليوم من جديد, في ظل ظروف قاهرة, وتحديات صعبة, وحروب مدمرة وظالمة تعيشها أمتنا العربية والإسلامية, وإن قضية القدس, والأقصى الشريف, هي قضية كل المؤمنين, وكل الأحرار في العالم, وإن نصرة شعب فلسطين المظلوم الذي مضى له أكثر من سبعين عاماً تحت الاحتلال اليهودي هي واجب على المسلمين كل المسلمين, وهي قضية العرب والمسلمين الجامعة, وقضيتهم الأصيلة والمحورية، وإن إحياء مناسبة يوم القدس العالمي, لها دلالاتها, وأهميتها, وحضورها، والمشاركة فيها, والدعوة إليها ممارسة جهادية, وباستطاعة الأغلب والسواد الأعظم من الناس: الاهتمام بها, والحضور إليها؛ فيوم القدس الذي يتكرر في آخر جمعة من شهر رمضان في كل عام هو يوم يقظة الشعوب, ويوم صحوتها من أجل أن تبقى قضية فلسطين والأقصى حية في قلوبنا, وفي مشاعرنا, فهذا هو يوم السخط, ويوم الغضب على أعداء الرسالات, وأعداء النبيين, وأعداء الإسلام, وأعداء البشرية, الذين يثيرون المشاكل والحروب في العالم, وما هذه الحرب الظالمة التي نعانيها في اليمن إلا واحدة من مؤامرات اليهود, وعلى جميع المسلمين, وعلينا كيمنيين أن يكون لنا دور في هذا اليوم المشهود, وأن نُسمع العالم كلمتنا, ونعلن براءتنا من المشركين, وأن نقول لليهود والأمريكان ومن يدور في فلكهم (كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاء أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ). 

وحتى يعلم اليهود بأننا وإن كنا نخوض حرباً في بلدنا إلا أن قلوبنا ومشاعرنا كلها في فلسطين, وهي القضية التي لا يمكن أن ننساها, أو تنمحي من ذاكرتنا, فالله الله في الحضور الكبير والمشرف في هذه المناسبة الهامة, لعل الله أن يتقبل منا أعمالنا ويجعل ذلك من جهادنا (ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ لاَ يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلاَ نَصَبٌ وَلاَ مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَلاَ يَطَؤُونَ مَوْطِئًا يَغِيظُ الْكُفَّارَ وَلاَ يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَّيْلاً إِلاَّ كُتِبَ لَهُم بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ إِنَّ اللّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ). 

واعلموا أن هذه المناسبات الهامة التي تجمع المسلمين في موقف واحد, وصف واحد, وضد عدوٍ واحد, هي من عرى الإيمان والتقوى, ومن التواصي والحق والتواصي بالصبر, والهتافات فيها ضد الطغاة والمجرمين، وإعلان البراءة من المستكبرين هي من القول السديد الذي أمر الله به في قوله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا). 

أيضاً لا يفوتنا هنا أن نذكر الجميع بضرورة التكافل الاجتماعي, والاهتمام بالفقراء وذوي الحاجات, وهذه المسألة إنسانية فطرية قبل أن تكون إسلامية, وكذلك العناية بأسر وعوائل الشهداء والجرحى والمرابطين, وهي مسؤولية المؤمنين الأحرار جميعاً وهي مما يبارك الله به للإنسان المؤمن في ماله, ويدفع عنه الكثير من الشرور في الدنيا, ويضاعف به له الأجر في الآخرة. 

واعلموا بأن المولى جل وعلا قد فرض على المسلمين في يوم عيدهم فرضاً في أموالهم هو زكاة الفطر؛ ليسعد فيه الفقراء مع الأغنياء، إلا أنه لا ينبغي الاقتصار عليها فالحاجة لدى الكثير من أبناء شعبنا كبيرة بسبب الحصار الظالم، وانقطاع المرتبات, وتذكروا جيداً وبشكل مستمر قول المولى جل وعلا (لِيُنفِقْ ذُو سَعَةٍ مِّن سَعَتِهِ وَمَن قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا). 

أيها المؤمنون :

 يقول الله تعالى {وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً}، فالشيء الصحيح أن يتجه الإنسان- مع الشكر لله "سبحانه وتعالى"- إلى استثمار هذه النعمة، إلى العمل على كيفية الاستفادة منها بشكلٍ واسع، إلى حسن تصريفها، لاحظوا حتى عندما تنزل، تنزل سيول ضخمة جداً إلى مناطق زراعية، إلى الجوف مثلاً، أو إلى تهامة، أو إلى مناطق أخرى، مسألة الاستفادة منها، تصريف هذه المياه، عبر قنوات مفيدة للزراعة عمل ضعيف جداً، وغائب إلى حدٍ كبير، في المناطق نفسها

 

كان الآباء والأجداد يهتمون بالبرك وخزانات المياه بأفضل من الآن بكثير، غابت هذه المسألة إلى حد كبير لدى الناس، الحواجز والسدود لم تكن من المشاريع الرئيسية التي تهتم بها الدولة فيما مضى، ولا المواطنون، الحواجز للمياه بأشكال متنوعة مسألة ضعيفة جداً، ويقل الاهتمام بها، لا التصريف، ولا وسائل وإمكانات التخزين للمياه.{فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ}، الزراعة، الزراعة بمختلف محاصيلها: الفواكه، الحبوب، مثل: الذرة، البر، الشعير...إلخ. مختلف أنواع المحاصيل الزراعية: الخضروات...إلخ. ثروة ومورد ضخم؛ لأنه عند الحديث عن الجانب الاقتصادي، من أول ما يأتي الحديث عنه: الموارد، الموارد العامة التي تمثل ثروة حقيقية للأمة، المياه، الزراعة، الزراعة ثروة رئيسية، ثروة مهمة، ثروة عظيمة، إذا أحسن الإنسان الاستفادة منها، واشتغل فيها بشكل صحيح، والتزم فيها بالضوابط الشرعية والتوجيهات الإلهية، تأتي له البركات أيضاً.

وفي الختام: نحن قادمون على مناسبة عيد الفطر المبارك، وبما أن العدوان الأمريكي السعودي ما زال مستمرًا في إجرامه وحصاره؛ فإن شعارنا كما في كل عيد (أعيادنا جبهاتنا) فلا بد من الاهتمام بزيارة الجبهات والمرابطين، والاستمرار في جهادنا لمواجهة المعتدين حتى يتحقق النصر المؤزر بإذن الله، والعاقبة للمتقين، وإلى الله ترجع الأمور.

هذا وأكثروا في هذا اليوم وأمثاله من الصلاة والسلام على رسول الله وآله، حسب أمر الله في قوله (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) اللهم صل وسلم وبارك وترحم وتحنن على عبدك المصطفى, ورسولك المجتبى, أبي القاسم محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم, وعلى أخيه ووصيه أمير المؤمنين وإمام المتقين, الإمام علي بن أبي طالب, وعلى زوجته سيدة النساء, فاطمة البتول الزهراء, وعلى ولديهما الإمامين الأعظمين, سيدي شباب أهل الجنة أجمعين أبي محمد الحسن, وأبي عبد الله الحسين، وعلى سائر أهل بيت نبيك الطاهرين, وارض اللهم عن الصحابة المؤمنين الأخيار من المهاجرين والأنصار، وعن التابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين, اللهم أعز الإسلام, وأنصر المسلمين، ودمر أعدائك أعداء الدين المفسدين, من الطغاة والمستكبرين, اللهم ارزقنا شرف الجهاد, وأعنا على مواجهة أهل الفساد. اللهم أنصر إخواننا المجاهدين المرابطين في الجبهات والثغور, اللهم امنحهم من قوتك القوة, ومن عزتك الهيبة, واملأ قلوب المعتدين ذعراً وخوفاً يا عزيز يا جبار. 

اللهم فرج عن شعبنا المظلوم, واجعل لنا من أمرنا مخرجا وفرجاً إنك على كل شيء قدير. 

اللهم اجعلنا في هذا الشهر الكريم من عتقائك من النار، واغفر ذنوبنا وتجاوز عن سيئاتنا إنك عفو غفور رحيم (رَبَّنَا وَلاَ تُحَمِّلْنَا مَا لاَ طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَآ أَنتَ مَوْلاَنَا فَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ )  

عباد الله: (إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ).                                      

➖➖➖➖➖ ➖

 📝 صـادر عـن الإدارة العامــة للوعـظ والإرشاد 

بديـوان عــام الــوزارة.

 

 


  • نبذة عن المسيرة القرآنية

    المسيرة القرآنية : هي التسمية الشاملة لهذا المشروع القرآني, وهي التوصيف الذي يعرِّف به تعريفًا كامًلاً , فعندما نعبر عن طبيعة المشروع القرآني الذي نتحرك على أساسه نحن نقول: المسيرة القرآنية.. وهي تسمية من موقع المشروع الذي نتحرك على أساسه.

    فالمسيرة القرآنية توصيف مرتبط بالمشروع القرآني وهي التسمية الشاملة والأساسية لهذا المشروع

    وهذه المسيرة العظيمة تقوم على ....

    اقراء المزيد...
  • تابعنا على مواقع التواصل

    • تابعون على التيلجرام
    • تابعونا على تويتر
    • تابعون على اليوتيوب
    • تابعونا على الفيس بوك
تصميم وبرمجة : حميد محمد عبدالقادر