مـرحبـا بكم في موقع دائرة الثقـافـة القـرآنيــة

بالمكتب التنفيذي لأنصار الله

يعتبر هذا الاسم (الطلقاء) اسماً مهماً جدًّا، سمَّاهم به رسول الله -صلوات الله عليه وعلى آله- وهذا الاسم له مدلولٌ مهم، إذ أنه ليس فقط ينحصر على مدلول العفو عنهم، بل أكثر من ذلك، هذه الفئة تختلف عن الفئات الأخرى في واقع المجتمع الإسلامي، تتشكل الأمة الإسلامية- آنذاك- في واقعها من فئتين مهمتين، مثَّلت- آنذاك- قطباً قامت عليه رحى الرسالة، واتسعت دائرة الإسلام من خلاله، ومثَّل النواة للمجتمع الإسلامي، هم المهاجرون والأنصار، وهذه التسمية لتلك الفئة التي أرغمت على الاستسلام، ودخلت الإسلام في وقتٍ متأخر؛ نتيجةً لهزيمتها، وليس نتاجاً لقناعتها ورغبتها، ولا لتقبلها على أساسٍ من التفهم والاستجابة الصادقة؛ إنما نتيجةً لظروف قاهرة، ولنصرٍ إلهيٍ حاسم، ولفتحٍ مبين، وحالةً من الإرغام بعد الهزيمة والاستسلام.

 

الطلقاء إذاً فئة أخرى لا يحسبون من المهاجرين، ولا يحسبون من الأنصار، وأدرك أبو سفيان ماذا يعنيه هذا الاسم، وماذا يدل عليه، وسعى ومعه البعض من أولئك الطلقاء إلى أن يطلبوا من رسول الله -صلوات الله عليه وعلى آله- أن يدخلوا ضمن المواثيق، وضمن التسمية الأخرى التي هي: المهاجرين والأنصار، فأن يكون ما يشملهم هو نفس ما شمل المهاجرين والأنصار، وأن يدخلوا تحت ذلك الارتباط المهم فيما يعنيه من: روابط، وولاء… مدلولات مهمة جدًّا، لكن رسول الله -صلوات الله عليه وعلى آله- رفض ذلك، رفض أن يدخلهم إلى مصاف المهاجرين والأنصار، وحرص على أن يبقى لهم هذا الاسم، ومن لحق منهم بالمدينة بعد فتح مكة لم يعتبر في صف المهاجرين، وفي عنوان المهاجرين، لا يعتبر كذلك.

 

الطلقاء هؤلاء بقي لهم هذا الوصف، لماذا؟ الكثير من المجتمع المكي الذي يعرف رسول الله -صلوات الله عليه وعلى آله- وعاش رسول الله ونشأ في أوساطهم، عرفوه عن قرب بأكثر مما يمكن أن يعرفه أيُّ مجتمعٍ آخر، سمعوه، وأتت الرسالة والبعثة بالرسالة بين أوساطهم، ورسول الله -صلوات الله عليه وعلى آله- بما منحه الله -سبحانه وتعالى- من المؤهِّلات العظيمة، وهو يتحرك في أوساطهم يقيم أمر الله، يبلِّغ رسالة الله بجدارة عالية، بقدرات كبيرة، بمؤهِّلات عظيمة، يستطيع أن يقنع أيَّ إنسانٍ منصف، لكنَّ ذلك المجتمع أصرَّ على موقفه في كثيرٍ منه، هناك من آمن، هناك من كانوا عظماء، لكن أكثرية هذا المجتمع كان لها موقف معاند، كانت تتجه الاتجاه المحارب للإسلام، المتنكر للرسالة الإلهية، ومعنى هذا: التنكر لتلك المبادئ التي أتى بها الإسلام، ولكل تلك الأخلاق والقيم التي أتى بها الإسلام، ولكل تلك الأسس العظيمة والمهمة التي يبنى عليها الإسلام في كل تفاصيله: في شرعه، في نهجه، في تعاليمه…إلخ.

 

الطلقاء ومستوى العناد والإجرام

تلك الفئة التي أصرَّت، عاندت، تنكَّرت للرسالة الإلهية، جحدت، كانت غير منصفة، لم تتأثر بالآيات ولا العِبَر، أساءت إلى الله، وأساءت إلى رسوله، تفرعنت وساءت إلى أن وصلت إلى درجةٍ عبَّر عنها القرآن الكريم بنصٍ مهمٍ جدًّا: {لَقَدْ حَقَّ الْقَوْلُ عَلَى أَكْثَرِهِمْ فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ} [يس: الآية7]، ماذا تعنيه هذه الآية المباركة؟ (لَقَدْ): هذه عبارة تأكيد، (اللام) و (قد) في هذا التعبير القرآني يحمل معنى التأكيد، {لَقَدْ حَقَّ الْقَوْلُ عَلَى أَكْثَرِهِمْ}، ما هو القول الذي حَقَّ على أكثرهم؟ أنه الوعيد الإلهي، القول الذي حَقَّ على أكثرهم هو الوعيد بجهنم، الوعيد بالعذاب، بمعنى: أنَّ الأكثرية من أولئك الذين بُعِثَ فيهم وأنذرهم فجحدوا الرسالة، وتنكروا للرسول وهم يعرفون من هو، يعرفون أمانته، يشاهدون الآيات الشاهدة، والمعجزات الدالة على صدقه، وتنكَّروا مع كل ذلك، (حَقَّ الْقَوْلُ عَلَى أَكْثَرِهِمْ): حَقَّ الوعيد الإلهي على أكثرهم، وصلوا في سوئهم، في عنادهم، في كفرهم، في إجرامهم، في فسادهم، إلى درجةٍ أصبحوا فيها من أهل جنهم، أصبحوا يستحقون العذاب الإلهي، فقدوا كل عناصر الخير في داخل أنفسهم، فسدت نفسياتهم، حتى أصبحت بعيدةً تأبى أن تتقبل هذا الدين في مبادئه العظيمة وأخلاقه العظيمة؛ فخذلوا، فلم يعودوا قابلين للإيمان أبداً، خذلوا لهذه الدرجة التي أصبحوا فيها جهنميين بما تعنيه الكلمة، منتهى ما يمكن أن يصل إليه الإنسان حينما يضل ويخذل ويفسد فلا يعود قابلاً للحق، ولا متقبلاً للهدى، ولا منسجماً مع الفطرة، {لَقَدْ حَقَّ الْقَوْلُ عَلَى أَكْثَرِهِمْ فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ}، لا يمكن أن يؤمنوا؛ لأنهم قد خذلوا إلى هذه الدرجة الرهيبة جدًّا.

 

هذه الفئة عندما كان في يوم فتح مكة وأعلنت إسلامها، لم تعلن إسلامها عن إيمان، إنَّ القرآن يؤكِّد هذه الحقيقة، لم تعلن إسلامها عن قناعة، كانت المسألة بالنسبة لها حالة استسلام، حالة ارغام، حالة هزيمة، ولذلك حينما دخلت في هذا الإسلام دخلته كحالة استسلام، وليس كحالة إيمان، ومعنى ذلك ماذا؟ دخلوا كمنافقين ، كمنافقين في هذا الدين.

 

عندما دخلوا كمنافقين في هذا الدين، ونعرف من خلال القرآن الكريم ماذا ستكون توجهاتهم، اهتماماتهم، برنامجهم، ما هو البرنامج الذي عليه المنافقون؟ الله يقول في القرآن الكريم: {الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ} [التوبة: من الآية67]، هذا هو البرنامج الذي يسير عليه المنافقون بعد أن ينتموا للإسلام، بعد أن يشهدوا بالشهادتين، بعد أن يمارسوا طقوساً من طقوس الإسلام كحالة شكلية، بعد أن يتقبَّلوا بعضاً من هذا الإسلام بشكلٍ أو بآخر، لكنَّ برنامجهم في هذه الحياة ليس هو برنامج الإسلام الذي رسمه: {تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ} [آل عمران: من الآية110]. إنَّه اتجاهٌ معاكس، إنَّه برنامجٌ مختلفٌ كلياً، على العكس من ذلك (يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ)، المنكر الذي هو مناقضٌ للمعروف في كل تفاصيله تلك: ظلم، فساد، جرائم، تربية فاسدة…إلخ. (وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ)، فهم يتجهون اتجاهاً مختلفاً.

 

ولذلك مثَّل وصول بني أمية إلى السلطة في واقع هذه الأمة كارثة رهيبة جدًّا، كان يتخوفها النبي -صلوات الله عليه وعلى آله- على هذه الأمة من يوم أن رأى في منامه أولئك وهم ينزون على منبره نزو القردة، فحزن حزناً شديداً لذلك، أيُّ مستقبلٍ مظلم ينتظر أمةً يصل فيها منافقوها والطلقاء أولئك الذين لم يدخلوا في الإسلام إلا من واقع الهزيمة والاستسلام، يصلون فيها إلى موقع القرار والسلطة، والأمر في هذه الأمة، يصلون إلى التَّحكم في رقاب أبناء هذه الأمة! كانت كارثةً كبيرة.

 

وإذا جئنا إلى الاستقراء للتاريخ كعناوين فيما فعلوه:

عاشوا أولاً النزعة الانتقامية، كانوا يحملون عقدة الانتقام من رسول الله -صلوات الله عليه وعلى آله- ومن أهل بيته، ومن أصحابه الأخيار، وحتى عقدة الانتقام من مدينته، وحتى عقدة الانتقام من مقدَّسات هذا الإسلام.

 

لو نأتي إلى استقراء لبعضٍ من هذه العناوين، عندما وصلوا إلى السلطة وذهب أبو سفيان إلى أين؟ ذهب إلى قبر حمزة؛ لأنه لم يكن بالإمكان أن يذهب إلى قبر رسول الله -صلوات الله عليه وعلى آله- وإلَّا لذهب، حالة النفاق تقتضي أن يكون هناك قدرٌ ما من محاولة التظاهر بهذا الإسلام في عناوين معينة ومستويات محددة؛ لأنه لا يمكنه الذهاب إلى قبر رسول الله -صلوات الله عليه وعلى آله- ذهب إلى قبر حمزة بن عبد المطلب، ركل القبر بقدمه وحذائه متباهياً- فيما يعبِّر عنه- بوصولهم إلى السلطة، وبأنهم من هذا الموقع سينفِّذون خطتهم التي كانت هي المشكلة ما بينهم وبين رسول الله، وكانت هي المشكلة التي فيها استشهد حمزة بن عبدالمطلب، ماذا نظن أنَّ مشكلة حمزة مع بني أمية في واقعة أحد؟ هل كانت الحرب إلا حرباً بين الإسلام والكفر، بين الضلال والهدى، بين رسول الله -صلوات الله عليه وعلى آله- وبين أبي سفيان الذين كان قائداً للكفر والكافرين، والشرك والمشركين، عندما ذهب وهو يحمل عقدة الانتقام، عندما قال يخاطب بني أمية بعد أن وصلوا إلى السلطة: (تلقفوها يا بني أمية تلقف الصبيان للكرة، فو الذي يحلف به أبو سفيان ما من جنةٍ ولا نار)، هذه العقدة الانتقامية التي عبَّر عنها يزيد في قوله:

 

لست من خِنْدَفَ إن لم أنتقم                         من بني أحمد ما كان فعل

 

التي عبَّر عنها وهو يتمثل بقول الشاعر:

 

ليت أشياخي ببدرٍ شهدوا                         جزع الخزرج من وقع الأسل

 

لأهلُّــوا واستهلُّـــوا فرحـاً                          ولقـالـوا يــا يزيـد لا تشــل

 

تلك العقدة التي عبَّر عنها الكثير منهم هناك وهناك، العقدة من الرسول، العقدة من الإسلام، تلك العقدة التي عبَّر عنها معاوية وهو منزعج وهو يسمع المؤذن يقول: أشهد أنَّ محمداً رسول الله. فيقول: (أما رضي ابن أبي كبشة حتى يذكر اسمه في اليوم والليلة خمس مرات).

 

تلك العقدة التي عبَّروا عنها في كثيرٍ من أقاويلهم وتصرفاتهم، عندما قال قائلهم:

 

تلعَّب بالبرية هاشميٌ                            بلا وحيٍ أتاه ولا كتاب

 

عندما قال يزيد نفسه:

 

لعبت هاشم بالملك فلا                              خبرٌ جاء ولا وحيٌ نزل

 

عقدة الكفر، عقدة الحقد، عقدة الانتقام.

 

الأمويون واستباحتهم لرموز الأمة ومقدساتها

ثم ماذا فعلوه؟ اتجهوا لمحاربة الإمام عليٍ -عليه السلام- من البداية محاربةً شرسة، والأمة تعرف من هو عليٌّ فيما يمثِّله من الامتداد لرسالة هذا الإسلام، عليٌّ الذي قال عنه الرسول -صلوات الله عليه وعلى آله-: (أنت مني بمنزلة هارون من موسى، إلَّا أنَّه لا نبي بعدي)، اتجهوا للحرب ضد الإمام عليٍّ -عليه السلام- فكانوا هم الفئة الباغية التي حذَّر منها الرسول -صلوات الله عليه وعلى آله- يوم قال عن عمَّار: تقتلك الفئة الباغية، لماذا؟ تدعوهم إلى الجنة، ويدعونك إلى النار، كانوا هم الفئة الباغية الداعية إلى النار، ماذا يعني: يدعون إلى النار؟ الباطل الذي يقدِّمونه، المفاهيم الخاطئة، المواقف الباطلة، السلوكيات الإجرامية التي هم متَّصفون بها، ويتحرَّكون بها، ويتحرَّكون بالناس الذين يغرونهم، ويضلونهم، ويؤثِّرون عليهم، ويسيطرون عليهم بها ومن خلالها.

 

دعاةٌ إلى النار، هل تكون الدعوة إلى النار إلا انحرافاً حقيقياً عن منهج الإسلام العظيم، هل يكون هناك التزام بهذا الإسلام في مبادئه، التزام بهذا الإسلام في منهجه، التزام بهذا الإسلام في برنامجه، ثم تكون الدعوة دعوةً إلى النار؟ والأمة تروي كل ذلك، ليس فقط في كتب الشيعة وفي تراث الشيعة، الأمة بكلها بمختلف مذاهبها تروي حديث الفئة الباغية، الداعية إلى النار.

 

ثم كانوا من تآمر على الإمام عليٍ -عليه السلام- حتى في قتله اغتيالاً عن طريق ابن ملجم، كانوا هم من حرَّكوا الخوارج، ولعبوا بهم، وكانوا يؤثِّرون فيهم بأساليب ووسائل مخادعة، وطرق معينة.

 

كانوا هم من قتلوا المئات من خيرة أصحاب رسول الله -صلوات الله عليه وعلى آله- وفي مقدِّمتهم المؤمن العظيم، والصحابي الجليل عمَّار بن ياسر، عمَّار الذي عبَّر الرسول -صلوات الله عليه وعلى آله- عن أنه ملئ إيماناً، ملئ إيماناً، هذا عمَّار المؤمن العظيم، هذا المجاهد العظيم، هذا الصحابي الجليل مَن الذي قتله؟ هم أولئك الفئة الباغية، وكان قتلهم له من أكبر دلائل بغيهم، خروجهم على الإمام علي، محاربتهم للإمام علي هي مؤشرٌ كافٍ، ودلالة واضحة وفاضحة على بغيهم، لكن جعلت إضافةً إلى ذلك هناك علامات أخرى إضافية، منها قتلهم لعمَّار الذي أخبر الرسول أنها ستقتله الفئة الباغية، مع عمار قتلوا العدد الكبير المئات من الصحابة، هم من استأصلوا كل من شهد واقعة بدر مع رسول الله -صلوات الله عليه وعلى آله- من صحابة رسول الله، كان من ضمن التوجيهات والأوامر التي أمر بها يزيد في هجوم جيشه على مدينة رسول الله: أن يستأصلوا وأن يقتلوا كل من بقي من أصحاب بدر، واقعة بدر الكبرى، وغزوة بدر في الجهاد مع رسول الله -صلوات الله عليه وعلى آله- هل هذه إلَّا عقدة من الإسلام، وثأر وانتقام من رسول الله، وانتقام من المسلمين، من المؤمنين، من المجاهدين، من الصحابة الأخيار؟

 

وكانوا هم الذين قتلوا في صفين المئات من أصحاب رسول الله -صلوات الله عليه وعلى آله- من المهاجرين والأنصار، كانوا هم من سفكوا دماء هذه الأمة على نحوٍ رهيب في أقطار شتى، في العراق وفي غير العراق، في اليمن.

 

كانوا هم من انتهكوا حرمة المقدَّسات الإسلامية، فلم يعترفوا ولم يقدِّروا حرمة وقدسية الكعبة المشرَّفة، فهاجموها، ضربوا عليها بالمنجنيق، أحرقوها بالنيران، الكعبة بكل قداستها، بكل حرمتها انتهكوا هذه الحرمة، ولم يقدِّروا هذه القدسية.

 

كانوا هم من هاجم المدينة المنوَّرة، وكانوا هم من قتلوا الآلاف من أبناء وسكان هذه المدينة، وقتلوا الكثير منهم، قتلوا العشرات على قبر رسول الله -صلوات الله عليه وعلى آله- حتى أغرقوه بالدماء.

 

كانوا هم الذين قتلوا عترة رسول الله -صلوات الله عليه وعلى آله- وارتكبوا الجريمة البشعة في كربلاء يوم عاشوراء، وفعلوا ما فعلوا في تلك المجزرة الرهيبة والفاجعة الكبيرة، كل ما يعبِّر عن الوحشية، والإجرام، والإفلاس الإنساني والأخلاقي كان حاضراً في سلوكياتهم وممارساتهم.

 

هم الذين ارتكبوا أبشع الجرائم بحق هذه الأمة في كل سلوكياتهم: السياسة المالية، الاستئثار بالمال العام، والنهب له، والتوظيف والاستغلال له في الترف وفي شراء الذمم، فنهبوا ثروة الأمة، واستأثروا بالفيء، واتخذوا مال الله دولا، وعباده خولا.

 

وهم من اتجهوا إلى تحريف المفاهيم، وما فعلوه في ذلك هو جناية كبيرة جدًّا على الأمة، لقد عملوا على تغيير مفاهيم هذا الدين، هم من شكَّلوا لجاناً واصطنعوا البعض من علماء السوء بالمال (بمئات الآلاف من الدراهم الفضية، والآلاف من الدنانير الذهبية)؛ لاختلاق أحاديث مفتراة ومكذوبة على رسول الله -صلوات الله عليه وعلى آله- وكانوا يدفعون ثمناً لبعض الأحاديث ثلاثمائة ألف درهم مقابل حديث يفترى على رسول الله، يتضمن مفهوماً باطلاً ومضلاً خطيراً على هذه الأمة؛ فيقدَّم ليحسب على الإسلام، تحرَّكوا من موقع النفاق لتحريف مفاهيم هذا الدين، وهذا كان أكبر خطر على هذه الأمة، خطر كبير جدًّا، وكم هي المفاهيم التي غيَّروها وتحسب على الإسلام وليست هي من الإسلام، وقدَّموها باسم حديث مختلق ومفترى على رسول الله -صلوات الله عليه وعلى آله- أو باسم معنىً مزيف لنصٍ قرآني، أو باسم فتوى من الفتاوى الدينية، أو ضمن كتب تكتب، كم فعلوا وكم صنعوا من ذلك!! الشيء الكثير والكثير.

 

هم من انتهكوا حرمة النساء المسلمات، فارتكبوا جرائم الاغتصاب عند اقتحام جيشهم لمدينة رسول الله -صلوات الله عليه وعلى آله- استباحوا عرض النساء المسلمات، واغتصبوا المئات من النساء، المئات من النساء، حتى المئات من الابكار، دعك من الثيبات، من الابكار اللواتي حملن بعد تلك الواقعة نتيجةً لجريمة الاغتصاب، هم الذين سَبَوا نساء أهل اليمن في عصر الإسلام وباعوهن بعد سبيهن في الأسواق، بعد جريمة بُسر وحملته- بأمرٍ من معاوية- على اليمن، فارتكب أبشع الجرائم في اليمن.

 

الرسول -صلوات الله عليه وعلى آله- كثيراً ما حذَّر منهم ومن خطورتهم على الأمة، حتى أنَّه أوصى الأنصار بوصية، لكنهم لم ينفِّذوها، حين قال لهم: (إذا رأيتم معاوية على منبري فاقتلوه، إلَّا تفعلوا {تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ} [الأنفال: من الآية73])، ويوم قدم معاوية إلى المدينة وصعد على منبر رسول الله، تذكَّر بعضهم هذه الوصية، وذكَّر البعض بها، لكنهم كانوا قد وصلوا إلى حالةٍ من الواقع السلبي والتأثر به؛ فلم ينفِّذوا هذه الوصية.

 

 كم يمكن لنا أن نتحدث على ضوء ما سطره التاريخ عن ذلك الواقع الظلامي الذي صنعه بنو أمية، لا يتسع الوقت للحديث أكثر، نكتفي بهذا المقدار مع التنبيه على نقطتين:

 

النقطة الأولى: عندما نتحدث عن بني أمية نتحدث عن أولئك الذين صدَّر التاريخ جرائمهم، وطغيانهم، وظلمهم، ومفاسدهم، من الذين وصلوا إلى موقع السلطة، أو لم يصلوا في تلك الحقبة التي عاشوا فيها السيطرة على هذه الأمة، مع الاستثناء لحالات قد تكون نادرة، كما هو حال عمر بن عبد العزيز الذي اختلف عنهم في كثيرٍ من الأمور.

 

ثم نحن أيضاً ننبه على أنَّ حديثنا لا يمتد إلى من يحسب من ذراريهم، من يمتد نسبه إليهم، بيوتات معينة، مثلاً: عندنا في اليمن بيوتات معروفة في اليمن أصلها من ذريتهم، لكنها تختلف عنهم، فحديثنا لا يمتد إليهم، الامتداد لهم هو ما يشكِّل امتداداً سلوكياً، امتداد السلوك، امتداد النهج، امتداد العمل، الموقف الذي عليه كثيرٌ من الأنظمة ومن العملاء والمنافقين الذين يتحرَّكون في أوساط هذه الأمة، فكانوا امتداداً لهم في الموقف، في السلوك، في المسار، في الطريق الخاطئ، في الانحراف الكبير، فنحن لا نقصد أبداً الإساءة إلى تلك البيوتات التي هي جزءٌ من أبناء هذا الشعب، تعيش واقعاً إيجابياً ضمن ما عليه واقع هذا الشعب.

[الله أكبر / الموت لأمريكا / الموت لإسرائيل / اللعنة على اليهود / النصر للإسلام]

دروس من هدي القرآن الكريم

ألقاه السيد/ عبدالملك بدر الدين الحوثي

محاضرة السيد بمناسبة ذكرى عاشوراء 8 محرم 1441 هـ

بتاريخ: 7/2/2002م

اليمن – صعدة

 


  • نبذة عن المسيرة القرآنية

    المسيرة القرآنية : هي التسمية الشاملة لهذا المشروع القرآني, وهي التوصيف الذي يعرِّف به تعريفًا كامًلاً , فعندما نعبر عن طبيعة المشروع القرآني الذي نتحرك على أساسه نحن نقول: المسيرة القرآنية.. وهي تسمية من موقع المشروع الذي نتحرك على أساسه.

    فالمسيرة القرآنية توصيف مرتبط بالمشروع القرآني وهي التسمية الشاملة والأساسية لهذا المشروع

    وهذه المسيرة العظيمة تقوم على ....

    اقراء المزيد...
  • تابعنا على مواقع التواصل

    • تابعون على التيلجرام
    • تابعونا على تويتر
    • تابعون على اليوتيوب
    • تابعونا على الفيس بوك
تصميم وبرمجة : حميد محمد عبدالقادر